حيث شُفي جنود ومات آخرون، وحيث جلس الأطفال لاحقاً يتعلمون درس القراءة والحساب، وحيث استراح بعدها الصيادون قبل أن ينطلقوا لمطاردة الفرائس، يختار سياح عرب وأجانب اليوم الإقامة خلال رحلاتهم البيئية إلى مدينة الأزرق الأردنية (90 كيلومتراً شرق عمّان).
مطلع أربعينيات القرن الماضي، خلال الانتداب البريطاني على الأردن، شيّد الإنكليز، على أطراف الصحراء الشرقية من الأراضي الأردنية، مستشفى عسكرياً لخدمة جنودهم والسكان المحليين، ليصبح في مارس/آذار 2007 بعد تحويلات متعاقبة نُزلاً يقصده عشاق السياحة البيئية، التي تتميز بها الأزرق، حيث الواحات والمحميات الطبيعية التي تعتبر ممراً لهجرة الطيور، وموطناً للعديد من أنواع الحيوانات النادرة.
يجلس المشرف العام على النُزل، وائل عبدالفتاح، في قسم الاستقبال، وخلفه صورة جوية قديمة للمبني، يقول وهو يشير إليها، الصورة التُقطت في أربعينيات القرن الماضي، حين كان المستشفى ما يزال يعمل، "هذه أقدم صورة للمكان".
ويظهر في الصورة المبنى المشيّد من حجارة البازلت السوداء، وسط صحراء مترامية الأطراف، فيما تحيط المباني اليوم بالنُزل من جميع الجهات.
يبيّن عبدالفتاح "استمر العمل بالمستشفى حتى نهاية الانتداب البريطاني في عام 1946، ليتحول المكان بعد الاستقلال إلى مدرسة أردنية تابعة لمديرة التربية والتعليم والثقافة العسكرية، ويبقى كذلك لقرابة الست سنوات، لحين بناء مدرسة حديثة وينتقل إليها الطلاب".
لاحقاً، اعتُمد المبنى ليكون استراحة للصيادين الذين يقصدون المنطقة الشرقية، فيه كانوا يقيمون أياماً خلال رحلات صيدهم، ومن بينهم كما يقول عبدالفتاح "الملك الراحل الحسين بن طلال، كان يقيم في المبنى عندما يأتي في رحلات صيد إلى الأزرق".
في ستينيات القرن الماضي، تنبه المعنويون بحماية الطبيعة إلى أضرار الصيد الجائر، والتقط الراحل الحسين بن طلال مخاوفهم، فأُسست الجمعية الملكية لحماية الطبيعة في عام 1966 كمؤسسة وطنية غير حكومية، تهدف إلى حماية الحياة البرية والتنوع الحيوي في كافة مناطق المملكة، ليتحول المبنى إلى مركز إدارة يتبع الجمعية، مهمته تنظيم الصيد في المنطقة الشرقية ومراقبة المخالفين.
أدت عوامل الزمن، وتراجع الاهتمام بالمبنى، إلى هجرانه فترة من الزمان، كما يشير عبدالفتاح، قبل أن تلتفت إليه الجمعية الملكية لحماية الطبيعة من جديد وتقرر تحويله إلى نُزل، خاصة بعدما أنشأت الجمعية محميتين طبيعيتين في الأزرق، هما محمية الشومري التي تأسست عام 1975، ومحمية الأزرق المائية التي تأسست عام 1978.
"كان النزل متواضعاً في بدايته، كان سقف المبنى من القصب، وجدرانه من الطين والخيش، ووضعت كرفانات في الساحة الخارجية للمبنى لاستخدامها للمبيت"، يبيّن عبدالفتاح، الذي يشير إلى حملة ترميم شاملة انطلقت في عام 2003 وانتهت في عام 2007، تكفلت بتطوير المكان بشكل جذري.
شملت عملية الترميم إعادة تأهيل المبنى من الداخل، فأصلحت الجدران، ووُضع سقف جديد، فيما تم بناء 16 غرفة فندقية على مقربة من المبنى لاستقبال الزوار.
غير أن التطور الذي طرأ على المكان لم يفقده روحه، بشكل يجعل زواره للمرة الأولى يعتقدون أنهم دخلوا ثكنة عسكرية وليس نزلاً بيئياً، فالطابع العسكري يسيطر على المكان، حيث الطاولات عبارة عن صناديق عتاد، والخزائن معتقة بألوان العسكر، وكذلك أغطية النوم.
يعتقد عبدالفتاح أن "الحفاظ على الطابع العسكري أعطى للمكان روحاً خاصة وميزة على غيره من الأماكن التي يقصدها السياح (..) هم يخوضون هنا تجربة فريدة". ويشير إلى الكراسي المستخدمة في النزل "نستخدم نفس الكرسي الذي كان يستخدمه كلوب باشا (ضابط بريطاني قاد الجيش الأردني منذ عام 1939 وحتى 1956)، حصلنا على كرسي قديم وصنعنا مثله ليستخدم في النزل، مع الفارق أن الكرسي الأصلي كان من الخشب والقماش، بينما الكرسي الحديث صُنع من المعدن والقماش"، فيما زُينت الجدران بصور قديمة التقطها مستشرق عاش مع بدو المنطقة أواخر القرن التاسع عشر، وتصور حياتهم وطبيعة المكان.
المبنى الذي أنشئ ليكون مستشفى عسكرياً، أصبح اليوم نزلاً بيئياً يقصده السيّاح قبل انطلاقهم إلى محميتي الشومري والأزرق، لرصد هجرة الطيور، أو التعرف على الحيوانات المستوطنة في المحمية، والتي من بينها أنواع مهددة بالانقراض على مستوى العالم.
وفيما يتيح المكان أمام زواره فرصة لاستلهام روح المكان الأصلية، يوفر لزواره فرصة الثقافة الأردنية من خلال السهرات البدوية والأكلات التقليدية.
اقــرأ أيضاً
مطلع أربعينيات القرن الماضي، خلال الانتداب البريطاني على الأردن، شيّد الإنكليز، على أطراف الصحراء الشرقية من الأراضي الأردنية، مستشفى عسكرياً لخدمة جنودهم والسكان المحليين، ليصبح في مارس/آذار 2007 بعد تحويلات متعاقبة نُزلاً يقصده عشاق السياحة البيئية، التي تتميز بها الأزرق، حيث الواحات والمحميات الطبيعية التي تعتبر ممراً لهجرة الطيور، وموطناً للعديد من أنواع الحيوانات النادرة.
يجلس المشرف العام على النُزل، وائل عبدالفتاح، في قسم الاستقبال، وخلفه صورة جوية قديمة للمبني، يقول وهو يشير إليها، الصورة التُقطت في أربعينيات القرن الماضي، حين كان المستشفى ما يزال يعمل، "هذه أقدم صورة للمكان".
ويظهر في الصورة المبنى المشيّد من حجارة البازلت السوداء، وسط صحراء مترامية الأطراف، فيما تحيط المباني اليوم بالنُزل من جميع الجهات.
يبيّن عبدالفتاح "استمر العمل بالمستشفى حتى نهاية الانتداب البريطاني في عام 1946، ليتحول المكان بعد الاستقلال إلى مدرسة أردنية تابعة لمديرة التربية والتعليم والثقافة العسكرية، ويبقى كذلك لقرابة الست سنوات، لحين بناء مدرسة حديثة وينتقل إليها الطلاب".
لاحقاً، اعتُمد المبنى ليكون استراحة للصيادين الذين يقصدون المنطقة الشرقية، فيه كانوا يقيمون أياماً خلال رحلات صيدهم، ومن بينهم كما يقول عبدالفتاح "الملك الراحل الحسين بن طلال، كان يقيم في المبنى عندما يأتي في رحلات صيد إلى الأزرق".
في ستينيات القرن الماضي، تنبه المعنويون بحماية الطبيعة إلى أضرار الصيد الجائر، والتقط الراحل الحسين بن طلال مخاوفهم، فأُسست الجمعية الملكية لحماية الطبيعة في عام 1966 كمؤسسة وطنية غير حكومية، تهدف إلى حماية الحياة البرية والتنوع الحيوي في كافة مناطق المملكة، ليتحول المبنى إلى مركز إدارة يتبع الجمعية، مهمته تنظيم الصيد في المنطقة الشرقية ومراقبة المخالفين.
أدت عوامل الزمن، وتراجع الاهتمام بالمبنى، إلى هجرانه فترة من الزمان، كما يشير عبدالفتاح، قبل أن تلتفت إليه الجمعية الملكية لحماية الطبيعة من جديد وتقرر تحويله إلى نُزل، خاصة بعدما أنشأت الجمعية محميتين طبيعيتين في الأزرق، هما محمية الشومري التي تأسست عام 1975، ومحمية الأزرق المائية التي تأسست عام 1978.
"كان النزل متواضعاً في بدايته، كان سقف المبنى من القصب، وجدرانه من الطين والخيش، ووضعت كرفانات في الساحة الخارجية للمبنى لاستخدامها للمبيت"، يبيّن عبدالفتاح، الذي يشير إلى حملة ترميم شاملة انطلقت في عام 2003 وانتهت في عام 2007، تكفلت بتطوير المكان بشكل جذري.
شملت عملية الترميم إعادة تأهيل المبنى من الداخل، فأصلحت الجدران، ووُضع سقف جديد، فيما تم بناء 16 غرفة فندقية على مقربة من المبنى لاستقبال الزوار.
غير أن التطور الذي طرأ على المكان لم يفقده روحه، بشكل يجعل زواره للمرة الأولى يعتقدون أنهم دخلوا ثكنة عسكرية وليس نزلاً بيئياً، فالطابع العسكري يسيطر على المكان، حيث الطاولات عبارة عن صناديق عتاد، والخزائن معتقة بألوان العسكر، وكذلك أغطية النوم.
يعتقد عبدالفتاح أن "الحفاظ على الطابع العسكري أعطى للمكان روحاً خاصة وميزة على غيره من الأماكن التي يقصدها السياح (..) هم يخوضون هنا تجربة فريدة". ويشير إلى الكراسي المستخدمة في النزل "نستخدم نفس الكرسي الذي كان يستخدمه كلوب باشا (ضابط بريطاني قاد الجيش الأردني منذ عام 1939 وحتى 1956)، حصلنا على كرسي قديم وصنعنا مثله ليستخدم في النزل، مع الفارق أن الكرسي الأصلي كان من الخشب والقماش، بينما الكرسي الحديث صُنع من المعدن والقماش"، فيما زُينت الجدران بصور قديمة التقطها مستشرق عاش مع بدو المنطقة أواخر القرن التاسع عشر، وتصور حياتهم وطبيعة المكان.
المبنى الذي أنشئ ليكون مستشفى عسكرياً، أصبح اليوم نزلاً بيئياً يقصده السيّاح قبل انطلاقهم إلى محميتي الشومري والأزرق، لرصد هجرة الطيور، أو التعرف على الحيوانات المستوطنة في المحمية، والتي من بينها أنواع مهددة بالانقراض على مستوى العالم.
وفيما يتيح المكان أمام زواره فرصة لاستلهام روح المكان الأصلية، يوفر لزواره فرصة الثقافة الأردنية من خلال السهرات البدوية والأكلات التقليدية.