رغم التحسن الذي شهدته الأسواق الأوروبية في تعاملات أمس، وصعود أسهم بعض البنوك، فالرعب لا يزال يسيطر على المستثمرين في أنحاء العالم، الذين خسروا 1.2 ترليون دولار خلال 4 أيام فقط، بدءاً من تعاملات يوم الاثنين وحتى يوم الخميس الماضي.
ورغم ارتفاع سهم" كوميرتس بانك" في بورصة لندن وبنسبة كبيرة، فإن خسارة البنوك الأوروبية بلغت خلال هذا الاسبوع 6.8% من قيمتها السوقية، لترتفع خسارتها منذ بداية العام إلى 29% وسط مخاوف من أن تسبب القروض المشكوك في تحصيلها في قطاع الطاقة خلال الاعوام الماضي، والمقدرة بحوالى 100 مليار دولار، في خسائر إضافية للقطاع المصرفي.
وتضاف هذه المخاوف إلى الشكوك التي تنتاب المستثمرين من تداعيات الفائدة السالبة على ربحية المصارف واحتمالات عدم تمكنها في المستقبل من تحقيق أرباح. وكان صندوق النقد الدولي قد أعرب أمس عن قلقه من الانخفاض الحاد في أسهم البنوك العالمية والاوروبية على وجه الخصوص.
ويقول خبراء مصارف في لندن، إن نسبة الفائدة المنخفضة تحت الصفر التي يتبناها "المركزي الأوروبي" والبنوك المركزية في كل من السويد والدنمارك وسويسرا، تمنح إشارات سالبة للمستثمرين في أسهم البنوك الأوروبية التي لم تتعاف تماماً بعد من أزمة اليورو التي ضربتها في العام 2011.
كما يرون كذلك أن "الفائدة السالبة" ستحرم المصارف الاوروبية من تحقيق أرباح خلال السنوات المقبلة. ومن المعروف أن البنوك تستفيد في تحقيق أرباح مضمونة من الفارق بين الفائدة التي تستلف بها الاموال وبين الفائدة التي تقرض بها المستهلكين.
ويلاحظ أن البنوك الكبرى في أوروبا شهدت انخفاضات حادة منذ بداية الاسبوع المنتهي أمس، خاصة يوم الخميس، الذي هبط فيه سهم مصرف "سوسيته جنرال" الفرنسي بنسبة 14.5% وسهم "دويتشة بنك" الالماني بنسبة 9.3% وسهم "كريدي سويس" السويسري بنسبة 17.7% وسهم " ستاندرد تشارتر" بنسبة 14.7%.
وهذه تمثل البنوك الرئيسية التي تصنع السوق المصرفية في أوروبا وإلى حد ما السوق المصرفية العالمية، حينما تضاف إلى المصارف الأميركية والمصارف اليابانية.
ويتوقع مصرفيون أن يتواصل هبوط أسهم المصارف الأوروبية بسبب الذعر الذي أصاب المستثمرين في أنحاء العالم من دخول العالم في أزمة مالية جديدة، حيث هرب كبار المستثمرين من الموجودات ذات المخاطر العالية إلى الموجودات الآمنة خاصة الذهب.
اقرأ أيضاً: صناديق الأسهم العالمية تشهد أكبر نزوح للأموال
وفي لندن، هبطت أسهم البنوك البريطانية يوم الخميس إلى أقل مستوى لها منذ 7 سنوات. وفي أميركا سجلت أسهم البنوك هي الأخرى، خسائر كبرى، حيث خسر سهم " بانك أوف أميركا"7.0 % من قيمته السوقية، كما خسر سهم "سيتي غروب" نسبة 6.5% من قيمته.
ويرى مصرفيون في لندن، أن المصارف اعتادت على الحصول على الأموال المجانية التي كانت تضخها المصارف المركزية وعلى رأسها مصرف الاحتياط الفدرالي" المركزي الأميركي"، وأن خطوة رفع الفائدة الأميركية في ديسمبر/ كانون الأول، كانت الفتيل الذي أشعل اضطراب أسواق المال العالمية، ومن ثم انتشرت الفوضى التي ضربت أسهم المصارف الأوروبية.
ويشير خبراء إلى عدة عوامل كانت السبب في أزمة المصارف أهمها:
أولاً: يرى خبراء أسواق أن سياسة الفائدة السالبة التي اعتمدها المركزي الاوروبي منذ العام 2014، ستتوسع خلال العام الجاري وسط تباطؤ اقتصادات اليورو.
وأن هذه الفائدة السالبة ستحرم تلقائياً البنوك من تحقيق أرباح، لأنها تقتل "هامش الفائدة الصافي" الذي كانت تعتمد عليه البنوك التجارية في تحقيق الأرباح.
وهامش الفائدة الصافي، هو الفارق الحسابي بين نسبة الفائدة التي تحصل بموجبها البنوك التجارية على أموال من المصرف المركزي الأوروبي وبين الفائدة التي تقرض بها هذه الأموال إلى الشركات والأفراد. وهو ربح يتحقق للبنوك دون مخاطر. هذا من جهة.
أما من جهة أخرى، فإن الفائدة السالبة تعني أن البنوك التجارية ستخسر جزءا من أرصدتها مع المركزي الأوروبي، لأنها ستدفع فائدة على هذه الأرصدة للمركزي الاوروبي. ويضاف إلى ذلك أن البنوك كانت تحصل على أرباح من مبيعات السندات الحكومية طويلة الأجل، والآن وسط الفائدة السالبة، انحسرت هذه الارباح.
ثانياً: معظم البنوك الأوروبية، خاصة الكبيرة منها، كانت نشطة خلال السنوات الماضية في إقراض شركات الاقتصادات الناشئة التي تعاني حالياً من أزمات، وربما لا تستطيع الاستمرار في دفع أقساط هذه الديون بسبب هبوط عملاتها وأسعار أسهمها.
ثالثاً: تداعيات أزمة المصارف الايطالية، التي تسعى الحكومة الايطالية إلى حلها، عبر حيلة بيع ممتلكاتها من مبان ومكاتب ثم استئجارها منها ثانية، لتقوم البنوك الايطالية بتحويل عقود الإيجار إلى أوراق مالية تبيعها للمصرف المركزي الأوروبي ضمن برنامج التحفيز الكمي الذي ينفذه منذ أكثر من عام ويبلغ حجمه ترليون يورو" حوالى 1.13 ترليون دولار".
وهذه الحيلة التي تنفذها الحكومة والبنوك في إيطاليا ستقود إلى استفحال أزمة أسهم البنوك الايطالية التي فقدت أكثر من 30% من قيمتها منذ بداية العام.
رابعا: لم تتمكن المفوضية الأوروبية بعد من إعادة هيكلة المصارف اليونانية المفلسة أصلاً. وحسب اقتصاديين، فإن هذه النقاط، تعد كعب أخيل الذي يهدد صحة المصارف الأوروبية هذا العام.
اقرأ أيضاً:
"كلمة السر" وراء انتعاش أسواق المال العالمية
مخاوف من تداعيات أزمات المال على أوروبا