لا تترك خارطة الطريق التي قدّمها غسان سلامة، رسول السلام الأممي، لقمّة قادة العالم في برلين، مجالاً للشكّ في حجم تأثير أولئك الذين دعتهم ألمانيا إلى طاولة الحوار، لـ"حلّ الخلافات الدولية بشأن ليبيا"، في صياغة المخرجات ذات المسارات الثلاثة. ولم يعد الشك يساور قطاعا من الليبيين بأن برلين كانت المحطة الأخيرة، وأن الخلافات الدولية بشأن "الكعكة الليبية" قد سُويت والجميع راضٍ، بدليل مخرجاتهم التي اقتسموا فيها مع الليبيين المسارات الثلاثة: الاقتصادي لهم، والعسكري والسياسي لليبيين.
بالأمس، وبعد أكثر من 24 ساعة على اختتام اجتماع المشاركين في المسار الاقتصادي، خرج بيان للبعثة الأممية، يتوفر على كل الصفات التي يمكن اشتقاقها من مفردة "الغموض"، متحدثاً عن لقاء "28 خبيراً اقتصادياً ومالياً في الجولة الثانية من المباحثات الخاصة بالمسار الاقتصادي والمالي". ولم يوضح البيان أين كانت الجولة الأولى ومتى عُقدت ونتائجها، ولا أسماء الخبراء الاقتصاديين والماليين الذين شاركوا في الجولة الثانية في القاهرة واتفقوا على "تشكيل لجنة ستركز في مستهل عملها على تحسين إدارة الإيرادات وتوزيعها". بالطبع "تمّت دعوة ممثلي المجتمع الدولي لإحاطة قدمها المشاركون بشأن النتائج التي توصل إليها الاجتماع"، قبل أن يطالع الليبيون مصير اقتصادهم من خلال هذا البيان الغامض.
رسالة البيان كانت واضحة جداً لليبيين، فلهم معرفة ما يدور في جنيف بين السياسيين والعسكريين، والالتهاء بعراكهم والبحث عن سبل إنهاء خصوماتهم. أما ما يتعلق بالاقتصاد، وأي اقتصاد لليبيا غير النفط الذي تدور عشرات الأسئلة حول الصمت الدولي المريب بشأن توقف تدفقه، فهو لا يعنيكم، وإنما يعني "ممثلي المجتمع الدولي"، ولا يعني حتى سلامة الذي نابت عنه الدبلوماسية الأميركية، ستيفاني ويليامز. ولا يزال يعلَق في أذهان الليبيين يوم إقدام اللواء المتقاعد خليفة حفتر على إقفال تصدير النفط في يونيو/حزيران 2018، قبل أن يتراجع عنه في غضون 24 ساعة، إثر وصولها إلى ليبيا لتسلّم منصبها.
علّق قطاع كبير من النشطاء الليبيين على صياغة بند المسار الاقتصادي في مخرجات قمة برلين الذي لم يدع إلى "إنشاء" هذا المسار، كما في المسارين العسكري والسياسي، بل دعا إلى "مواصلة" المسار الاقتصادي. واستذكروا حديث سلامة، إثر خروجه من اجتماع مغلق لمجلس الأمن، في 6 يناير/كانون الثاني الماضي، متحدثاً للصحافيين عن المسارات الثلاثة التي أقرّتها برلين فيما بعد، وأن "المسار الاقتصادي قد بدأ في تونس بالفعل"، على الرغم من أن تونس لم تحتضن أي اجتماع اقتصادي يخصّ ليبيا، سوى اجتماع لجنة "الحوار الاقتصادي الليبي الأميركي" قبل حديث سلامة بأيام. فهل كانت تلك الجولة الأولى، واحتضنت القاهرة الجولة الثانية لـ"تحسين إدارة الإيرادات وتوزيعها"، خصوصاً أن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أول من دعا إلى ضرورة "التوزيع العادل للثروة" بين الليبيين كأساس للحل.
اقــرأ أيضاً