أجري على كورنيش الدوحة مستمتعاً بالجو المعتدل، أتذكر أمراً أحزنني، أنشغل عنه بأضواء العمارات هناك في الضفة الأخرى مرة، وبالإضاءة الساحرة لمتحف الفن الإسلامي مرة أخرى، ولكنه يأبى الانصراف ويزداد حضوراً، إلى أن شعرت بأن قلبي لا يقوى على ضخ ما يكفي من الدم للمواصلة، أو أن كريات الدم الحمراء احتجَّت فألقت ما تحمله من أوكسجين.. لا تقوى العضلات على تلبية رغبتي في استمرار الاندفاع قُدُماً، فأتوقف عن الجري وأواصل مشياً.
في يومٍ آخر، أشعر بالنشاط الزائد قليلاً، فقد نمت جيداً ليلة البارحة، أستعد للتوجه إلى النادي الصحي، فجأة أشعر بأن مزاجي ليس رياضياً، أغير ثيابي مرة أخرى، وأذهب إلى المقهى مصطحباً الجهاز، وأكتب..
يشاغبني المزاج كثيراً، قبل أو أثناء ممارسة الرياضة، أما الإحباط فيتمكن مني فترة طويلة إذا ما خسرت المباراة، يوم أن كنت لاعب كرة طاولة، تجدني أقرر فجأة بعد خسارة من الخسارات: سألعب تنساً أرضياً.
أنا أدعي، وهذا مجرد ادعاء بحاجة إلى من يثبته علمياً، أن الرياضيين اﻷبطال، أولئك الذين يحققون المراكز المتقدمة في أي رياضة، لا يؤثر فيهم المزاج قدر تأثيره على أقرانهم، وأن لديهم قدرة على تجاوز تأثيراته السلبية، أو أن الأمر يحصل هكذا دون بذل انتباه أو بذل جهد.
ربما قوة الشغف تخفف من حدة تقلب المزاج، فلا وقت للالتفات إليه، لا وقت إلا للتمرين، ولا جهد إلا للرياضة، في سبيل الفوز والمجد، أو لحالة عاشوها خلال طفولتهم تقلل من تأثير أي موقف في مزاجهم لاحقاً، أو لأي سبب آخر.
كثيرة هي الدراسات التي تناولت علاقة المزاج بالأداء الرياضي، إلا أني وقعت على مقالة تتناول إشكالية هذه الدراسات، لا تتلخص فقط في معيار قياس الأداء الرياضي، بل في ضعف كفاءة دراسة المزاج، وتداخل مؤثرات أخرى غير المزاج قد تؤثر على الأداء، كالعواطف، وطبيعة شخصية الرياضي، والإثارة، والتوتر، وغيرها.
بالنسبة للتوتر، أذكر في ما أذكره أني كنت ضمن الثلاثة الذين لعبوا في المباراة النهائية ضد نادي سار - النادي الوصيف ذلك العام، نادي البحرين بطلاً - عندما كنت لاعباً لكرة الطاولة، وكرة الطاولة من الألعاب التي تؤثر فيها أية اهتزازة لليد، كلعبة البليارد أو الغولف مثلاً، ونظراً لحساسية المباراة فقد كنتُ متوتراً، وكانت يدي تهتز بشدة، خسرت.
بعدها بأيام قليلة كانت البطولة المفتوحة، حيث كل لاعب يلعب لنفسه وليس ضمن فريق، فخسارته تقصيه من التأهل، وفوزه يقدمه خطوة إلى الأمام، لعبت ضد من هزمني في تلك المباراة الأخيرة، وكنت ألعب براحة تامة، فلم أكن تحت أي ضغط، ولا حتى الخوف من الخسارة والخروج من المنافسة في بداياتها، هزمته بسهولة، الأمر الذي أغاظ صديقه اللاعب الأبرز في نفس النادي، والذي صادف وتقابلنا في المباراة قبل النهائية، فألحقته بزميله خارج البطولة، فطار مضربه نرفزةً بعد النقطة الأخيرة ليُحدث ثقباً في سقف صالة الاتحاد، وما خسرت يومها إلا أمام صديقي البطل حمد بوحجي في المباراة النهائية، فكان ذلك آخر مركز أحققه في مسيرتي مع المضرب: الثاني فئة العموم على البحرين.
أعود لموضوع المزاج، شخصياً لا أحتاج إلى دراسة من جامعة أميركية أو أوروبية حتى تُقنعني بأن للمزاج أثراً مباشراً على الأداء، لا في المنافسة فحسب، بل حتى خلال التمارين والتدريبات اليومية، والتي من شأن تأديتها على الوجه الأمثل والأكمل أن تُحدث الفارق.
كيف تتحكم في مزاجك، أو كيف تخفف من تأثيراته السلبية على الأداء في الرياضة أو العمل أو ممارسة ما تحب من هوايات؟ هذه حكاية أخرى..