وقال أستاذ العلوم السياسية، برتراند بادي، في معرض تشخيصه للأزمة الخليجية وأبعادها الدولية إنه "لم يعد هناك قوة عظمى في العالم، كما كان سائدًا سابقًا، فالولايات المتحدة الأميركية، لم تعد قادرة على كسب حرب دون تحالفات إقليمية".
وأضاف بادي في محاضرته الافتتاحية أن "العالم اليوم ليس أحادي القطبية، لكنه كذلك ليس متعدد الأقطاب، حيث يسود العالم اليوم درجة كبيرة من الاعتمادية، وتتشابك وتترابط العلاقات الاقتصادية بين وحداته الفاعلة، كما أن العالم ليس نظامًا دوليًا، بل مجتمعًا دوليًا تتداخل فيه العلاقات الاجتماعية عابرة للدول، فالمحليين، أصبحوا في غاية الأهمية في النظام العالمي، وأصبحت القوى الإقليمية إحدى ركائز النظام العالمي، وقد تكون أكثر أهمية من القوى الدولية الكبرى".
من جهته، أشار أستاذ العلاقات الدولية ودراسات الخليج، غيرد نونمان، إلى تراجع دور الدول العظمى والتزام الغرب وبخاصة الولايات المتحدة في السيطرة على الشؤون الإقليمية، ومنها منطقة الخليج، ليحل محلهما "اللاعبون المحليون"، واللذين يتزايد ثقلهم كالدور الإيراني إقليميًا.
وقال إن "الشيء الذي يوحّد دول مجلس التعاون هو الأزمات الخارجية الكبرى، وفي حال انتهائها يعود المجلس إلى النظرة المجزأة، حيث يسعى كل نظام لأمنه بالدرجة الأولى ومحاولة بحث عن نظام أمني خارجي، وتحقيق علاقات إضافية لدعم استقلاله".
واعتبر أن ظهور الانقسام بين قطر، ودول الحصار، مردّه أساسًا إلى تغير في هيكلة اتخاذ القرارات في دول المجلس وخاصة السعودية والإمارات.
وناقش أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر ماجد الأنصاري أسباب الأزمة الخليجية، للوصول إلى الأسباب المباشرة أو غير المباشرة للأزمة باستخدام نموذج "لانس بينيت للتحليل السياسي" من خلال قوله إن: "فهم السياسة يحتاج إلى فهم الرواية السياسية التي تستخدم في تحقيق الأهداف السياسية للمؤسسات الرسمية".
وقام الأنصاري بتفكيك العناصر السياسية إلى موارد ولاعبين سياسيين، والتعرف على تأثير كل منهم على العملية السياسية، ليخلص إلى أن سبب الأزمة "الرغبة بالهيمنة السياسية من قبل السعودية والإمارات على قطر".
واعتبر أن سبب بروز الأزمة وعدم انتهائها عام 2014، استغلال السعودية والإمارات، وجود الإدارة الأميركية المرتبكة بقيادة ترامب، وكذلك بسبب عوامل محلية داخلية كالانتقال من الأفقي إلى الرأسي في نظام الملك السعودي.
وناقش ثلاثة سيناريوهات لمستقبل الأزمة الخليجية، هي:
استمرار الوضع القائم وحالة توتر
وسيناريو نجاح مشروع الهيمنة للسعودية والإمارات
وسيناريو فشل مشروع الهيمنة وانحسار الدور الإماراتي
أما مدير مركز الدراسات الدولية في جامعة جورج تاون في قطر مهران كامرافا، فعرض عوامل عدم الاستقرار المزمن في الخليج، وقال إن فقدان الأمن يعود في أكثر الأحيان إلى أربع وقائع مترابطة، الأولى الانشغال الدائم بالتهديدات الأمنية "التقليدية" على حساب قضايا "أمنية حاسمة" غير تقليدية واسعة الانتشار، لكنها غير ملموسة إلى حدٍ بعيد. كتهديدات مسائل التسلح والسلاح، والسياسات العليا، والتوترات بين الدول، والمؤامرات الدولية، والحروب بالوكالة، والصراعات عبر الحدود.
والواقعة الثانية حسب كامرافا هي التهديدات الأمنية التي تنشأ من تبعات التهديدات المتصورة للثقافة والهوية. أما الواقعة الثالثة فهي أن طبيعة بنية الأمن السائدة نفسها مخلخلة، وتتسم بسمتين أساسيتين: تعوّل على أهداف القوة الأميركية ومكوناتها، وترتكز على الاستبعاد والاحتواء والتهميش لدولتين من الدول الكبرى في المنطقة وأكثرها أهميةً، هما إيران والعراق.
أما الواقعة الرابعة لعدم الاستقرار، فيقول مدير مركز الدراسات إنها "تتمثل بطبيعة معضلة الأمن في المنطقة المعززة لنفسها، فهي حلقة مفرغة تؤدي فيها الجهود المبذولة للأمن لإحدى دول المنطقة إلى شعور بفقدان الأمن عند أخرى، والتي تشرع عندئذٍ في اتخاذ تدابيرها الأمنية الخاصة، وهذا بدوره يحث الطرف الأول على اتخاذ خطوات إضافية لتعزيز أمنه. فضلا عن أفعالٍ وسياساتٍ متعمدة لأطراف إقليمية وغير إقليمية موجودة في الخليج. فالإدارة بالوكالة عمومًا، إضافةً إلى صنع القرار والمبادرات الفردية خصوصًا، من الأسباب الأساسية لانتشار فقدان الأمن في المنطقة".