03 نوفمبر 2024
المرزوقي ضد الجميع
في تاريخ الشعوب أسرار كثيرة، تبقى مجهولة لديها فترات طويلة، وأحيانا تتحول تلك الأسرار إلى ألغاز لا يستطيع تفكيك رموزها إلا علام الغيوب. ومن بين الأحداث التي لا تزال في تونس تنتظر من يزيل الغموض عنها حادثة الهجوم السلفي على السفارة الأميركية يوم جمعة في منتصف شهر سبتمبر/ أيلول 2012.
كان يوما رهيبا ومليئا بنقاط الاستفهام، حيث كاد سفير أكبر دولة، وهي أميركا، أن يقتل على أيدي السلفيين الذين اقتحموا مقر السفارة، ولم تحسم المعركة إلا في وقت متأخر. من المسؤول؟
قيل الكثير عن الحادثة التي كلفت البلاد، وأيضا حركة النهضة الكثير، لكن ما صرّح به الرئيس السابق، محمد المنصف المرزوقي، في برنامج " شاهد على العصر" في قناة الجزيرة جاء صادما لكثيرين، سياسيين وإعلاميين ودبلوماسيين أجانب، وجعله عرضةً لحملة قوية ضد شخصه، ما دفع القائد العام للجيوش، الجنرال رشيد عمار، إلى المطالبة بسحب صفة الرئيس السابق عن المرزوقي. وهناك من دعا إلى محاكمته، وهناك من اعتبر أنه بالنظر إلى خطورة تلك التصريحات، من الواجب رفع التحفظ عنه، وعن تلك المرحلة التي يتحمّل خلالها منصب رئيس للجمهورية، ومنهم من قدّر بأن 90% من شهادة الرجل خاطئة. وكانت النتيجة فتح تحقيق قضائي في هذا الشأن، وعودة الجدل حول شخص المرزوقي.
مرة أخرى، يجد المرزوقي نفسه عرضةً للقصف من مختلف الجهات والأطراف. حتى الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان التي ترأسها في ظرفٍ صعب تنكّرت له، وتبرأ هو من رئاسته الشرفية لها.
لم يستثن أحدا في شهادته، حيث اتهم رئيس الحكومة ووزير الداخلية والأجهزة الأمنية ووزير الدفاع والجيش بالتقصير، وعدم تحمل المسؤولية في الدفاع عن السفارة الأميركية. الجهة الوحيدة التي أنقذت الموقف، حسب قوله، هي الأمن الرئاسي، بتعليمات منه بصفته رئيس الجمهورية. وبمثل هذا التعميم، وضع نفسه في زاوية حادة، وفي محل اتهام وتشكيك. وهكذا قرّرت هذه الأطراف بدون استثناء، بما في ذلك حركة النهضة، الطعن في صحة ما ذكره، وتجريده من كل مصداقية واتهامه ب "التحريف وتزوير الحقيقة وتشويه التاريخ"، بعد أن جعل من نفسه البطل الوحيد لمعركة السفارة الأميركية، وتقديم بقية اللاعبين يومها في لباس المقصّرين والخونة. ولكي يقلبوا عليه الطاولة، قدموا جوانب مما حصل في ذلك اليوم المشهود، ومنها قولهم إن الرئيس السابق قبل بقدوم المارينز إلى تونس، لإنقاذ سفيرهم وسفارتهم، وإن المؤسسة العسكرية هي التي رفضت ذلك. وهو ما زاد في حيرة التونسيين واستغرابهم، وعمّق رغبتهم في معرفة الحقيقة كاملة، من دون تحريف أو مونتاج.
في حساب السياسيين، ما جاء على لسان المرزوقي يعتبر خطأ في المنهج والتوقيت والأسلوب. أصبح مؤكّدا أن المرزوقي كسياسي خسر الكثير، بسبب شهادته على حقبة تاريخية لم تطو صفحتها، ولم يغادر رموزها ساحة الفعل. والغريب أنه يعلم ذلك مسبقا، حين ذكر في تدوينة له "لعلمي بما قد تثيره شهادتي من زوابع، وما يمكن أن تؤدي إليه من تبعاتٍ سلبية إذا أردت مواصلة العمل السياسي".
فعلا ما أثارته هذه الشهادة من ردودٍ جعلت المرزوقي يكاد يقف وحده في الساحة السياسية التونسية، وهو الذي يهيئ نفسه لخوض معركة استثنائية، من أجل أن يعود إلى القصر الرئاسي، بدون مساعدة راشد الغنوشي وحركة النهضة هذه المرة. وإذا ما فشل فسيكون كمن انتحر سياسيا على الطريقة اليابانية. وقد قالها بوضوح " أتحمل كامل مسؤوليتي الأخلاقية والتاريخية والقانونية في كل ما ورد وسيرد" في شهادته. لم يعد له أصدقاء أو حلفاء. هو يعتقد أنه يخاطب الشعب، ولكن هذا الشعب لم يعد يثق في جميع السياسيين، حيث تدهورت علاقته بهم جميعا، إضافة إلى أن عدد الذين تابعوا الحلقات السابقة من شهادة المرزوقي قليل جدا نظرا لانشغال التونسيين، هذه الأيام، بمقاومة الحرارة، عبر التجمع حول البحر، لا حول شاشة قناة الجزيرة.
كان يوما رهيبا ومليئا بنقاط الاستفهام، حيث كاد سفير أكبر دولة، وهي أميركا، أن يقتل على أيدي السلفيين الذين اقتحموا مقر السفارة، ولم تحسم المعركة إلا في وقت متأخر. من المسؤول؟
قيل الكثير عن الحادثة التي كلفت البلاد، وأيضا حركة النهضة الكثير، لكن ما صرّح به الرئيس السابق، محمد المنصف المرزوقي، في برنامج " شاهد على العصر" في قناة الجزيرة جاء صادما لكثيرين، سياسيين وإعلاميين ودبلوماسيين أجانب، وجعله عرضةً لحملة قوية ضد شخصه، ما دفع القائد العام للجيوش، الجنرال رشيد عمار، إلى المطالبة بسحب صفة الرئيس السابق عن المرزوقي. وهناك من دعا إلى محاكمته، وهناك من اعتبر أنه بالنظر إلى خطورة تلك التصريحات، من الواجب رفع التحفظ عنه، وعن تلك المرحلة التي يتحمّل خلالها منصب رئيس للجمهورية، ومنهم من قدّر بأن 90% من شهادة الرجل خاطئة. وكانت النتيجة فتح تحقيق قضائي في هذا الشأن، وعودة الجدل حول شخص المرزوقي.
مرة أخرى، يجد المرزوقي نفسه عرضةً للقصف من مختلف الجهات والأطراف. حتى الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان التي ترأسها في ظرفٍ صعب تنكّرت له، وتبرأ هو من رئاسته الشرفية لها.
لم يستثن أحدا في شهادته، حيث اتهم رئيس الحكومة ووزير الداخلية والأجهزة الأمنية ووزير الدفاع والجيش بالتقصير، وعدم تحمل المسؤولية في الدفاع عن السفارة الأميركية. الجهة الوحيدة التي أنقذت الموقف، حسب قوله، هي الأمن الرئاسي، بتعليمات منه بصفته رئيس الجمهورية. وبمثل هذا التعميم، وضع نفسه في زاوية حادة، وفي محل اتهام وتشكيك. وهكذا قرّرت هذه الأطراف بدون استثناء، بما في ذلك حركة النهضة، الطعن في صحة ما ذكره، وتجريده من كل مصداقية واتهامه ب "التحريف وتزوير الحقيقة وتشويه التاريخ"، بعد أن جعل من نفسه البطل الوحيد لمعركة السفارة الأميركية، وتقديم بقية اللاعبين يومها في لباس المقصّرين والخونة. ولكي يقلبوا عليه الطاولة، قدموا جوانب مما حصل في ذلك اليوم المشهود، ومنها قولهم إن الرئيس السابق قبل بقدوم المارينز إلى تونس، لإنقاذ سفيرهم وسفارتهم، وإن المؤسسة العسكرية هي التي رفضت ذلك. وهو ما زاد في حيرة التونسيين واستغرابهم، وعمّق رغبتهم في معرفة الحقيقة كاملة، من دون تحريف أو مونتاج.
في حساب السياسيين، ما جاء على لسان المرزوقي يعتبر خطأ في المنهج والتوقيت والأسلوب. أصبح مؤكّدا أن المرزوقي كسياسي خسر الكثير، بسبب شهادته على حقبة تاريخية لم تطو صفحتها، ولم يغادر رموزها ساحة الفعل. والغريب أنه يعلم ذلك مسبقا، حين ذكر في تدوينة له "لعلمي بما قد تثيره شهادتي من زوابع، وما يمكن أن تؤدي إليه من تبعاتٍ سلبية إذا أردت مواصلة العمل السياسي".
فعلا ما أثارته هذه الشهادة من ردودٍ جعلت المرزوقي يكاد يقف وحده في الساحة السياسية التونسية، وهو الذي يهيئ نفسه لخوض معركة استثنائية، من أجل أن يعود إلى القصر الرئاسي، بدون مساعدة راشد الغنوشي وحركة النهضة هذه المرة. وإذا ما فشل فسيكون كمن انتحر سياسيا على الطريقة اليابانية. وقد قالها بوضوح " أتحمل كامل مسؤوليتي الأخلاقية والتاريخية والقانونية في كل ما ورد وسيرد" في شهادته. لم يعد له أصدقاء أو حلفاء. هو يعتقد أنه يخاطب الشعب، ولكن هذا الشعب لم يعد يثق في جميع السياسيين، حيث تدهورت علاقته بهم جميعا، إضافة إلى أن عدد الذين تابعوا الحلقات السابقة من شهادة المرزوقي قليل جدا نظرا لانشغال التونسيين، هذه الأيام، بمقاومة الحرارة، عبر التجمع حول البحر، لا حول شاشة قناة الجزيرة.