المرثية الأولى

27 ديسمبر 2017
(تمثال ريلكه في مدينة روندة الإسبانية)
+ الخط -

أما حان لأقدم أوجاعنا
أن تثمر لنا أكثر؟ أما حان الوقت،
بحبٍّ، أن نتحرّر من الحبيب
ومرتجفين نصمد:
كما السهم يصمد في الوتر مستجمعاً ذاته في الانطلاق
حتى يتخطّى ذاته؟ لأن البقاء في لا - مكان.
أصواتٌ، أصواتٌ، أصغِ، أيّها القلب
إصغاء لا يقوى عليه سوى القديسون:
عندما رفعهم النداء العظيم عن الأرض،
غير أنهم تابعوا الركوع - شيء مستحيل-
ولم ينتبهوا:
هكذا كان إصغاؤهم. وهذا أبداً لا يعني
أنك تحتمل صوت الله، فهذا غير ممكن،
لكن أصغ إلى هبوب الريح،
إلى الأخبار المستمرة التي تصعد من السكينة،
همسٌ يجيؤك الآن من الموتى الصغار.
فأينما دخلت، ألمْ يُحدّثك مصيرهم بهدوء
في كنائس روما ونابولي؟
أو كتابة منقوشة، في جلال ارتفعت كرسالة إليك،
كما اللوحة في سانتا ماريا فورموزا حديثاً؟
ماذا يريدون مني؟ بهدوء علي أن أمحو
مظهر الظلم الذي يعوق قليلاً الحركة النقية لأرواحهم
أحياناً.

حقاً غريب ألا نسكن الأرض بعد،
ألا نمارس عادات بالكاد تعلمناها،
ألا نعطي الورود وأشياء أخرى واعدة
معنى مستقبلٍ بشري،
وألا نظلّ، كما كنّا، في يدين خائفتين بلا نهاية،
وأن نرمي بأسمائنا جانباً كلعبة محطّمة.
غريب ألا نستمر برغائبنا. غريب أن نرى العلائق كلها في الفضاء محلولة تتبعثر.
وحالة الموت متعبة
ومليئة بالتعويض قبل أن يتحسس المرء تدريجياً
قليلاً من الأبدية.غير أن الأحياء جميعهم
يخطئون عندما بشدّة يُفرّقون.
فالملائكة (يرى البعض) غالباً يجهلون إن كانوا يطوفون
بين الأحياء أو الموتى. فالتيار الأبدي
دائماً يجرف جميع العصور بين العالمين
بصوت أقوى من أصواتها في كليهما.

وأخيراً، لم يعودوا في حاجة إلينا الذين تركونا قبل أوانهم؟
فالإنسان برفق يهجر الأرضيّ
كما في رقة يهجر صدر أمه.
ولكن نحن الذين في حاجة إلى أسرار كبيرة كهذه،
نحن الذين لنا الحزن منبع
لتقدّم سعيد: هل نقدر أن نستمر بدونهم؟
هل الأسطورة عبثاً: أنه مرة بالنّحيب على لينوس
نغمٌ أولي جريء خَرَقَ اليباس الجاف
وفي الفضاء الخائف الذي تركه فجأة فتى يكاد يكون إلهيّاً
أحس الفراغ بتلك الرعشة التي الآن
تسحرنا، تعزينا وتعيننا؟

* مقطع من "مراثي دوينو".
** ترجمة عن الألمانية: فؤاد رفقة

المساهمون