كلّ إنجاز حقّقته المرأة على صعيد حقوقها، لا بدّ من أن يأتي بعد نضال طويل. هذا ما وثّقه المؤرّخون حول العالم. والأمور ما زالت على حالها، خصوصاً في البلدان العربية.
أعلنت صحف كويتية أنّ المجلس الأعلى للقضاء في الكويت قرّر في اجتماع له ترقية 40 وكيل نيابة، من بينهم ثلاث نساء، ليصيروا قضاة في المحاكم الكويتية في شهر أغسطس/آب المقبل، ما يعني تعيين القاضيات الأوَل في تاريخ البلاد بعد عقود من المنع. ونقلت صحيفة "القبس" الكويتية عن المجلس الأعلى للقضاء إقراره ترقية وكلاء ووكيلات النيابة، على أن تتم ترقية وكيلات النيابة الباقيات في العام المقبل.
تقول المحامية والناشطة في مجال حقوق المرأة آلاء السعيدي لـ"العربي الجديد" إنّ "تمكّن المرأة الكويتية من الوصول إلى سلك القضاء يمثل انتصاراً كبيراً لها، بعد نضال طويل خاضته لنيل بقيّة حقوقها، بعدما حصلت على حقوقها السياسية في عام 2005، إثر صراع مع الأغلبية المحافظة في البرلمان. تضيف السعيدي أنّ "المرأة نجحت في سلك النيابة العامة ونجحت في مواقع أخرى عُيّنت فيها، وستنجح في القضاء جنباً إلى جنب مع الرجل الكويتي".
من جهتها، تقول الناشطة شيخة العلي، وعلى الرغم من تفاؤلها بدخول المرأة الكويتية إلى سلك القضاء للمرة الأولى، لـ"العربي الجديد" إنّ "الطريق ما زال طويلاً أمامها للحصول على كلّ حقوقها والمساواة التامة والقضاء على التمييز في الدولة والمجتمع تجاه المرأة". تضيف العلي أنّ "دخول المرأة إلى سلك القضاء انتصار كبير على الأعراف المجتمعية والتفسير الضيّق للنص الديني، كذلك هو انتصار للدستور الكويتي الذي نصّ على المساواة بين الجنسَين". وترى العلي أنّ "دخول المرأة إلى القضاء لا يُعَدّ انتصاراً نهائياً، لأنّه محصور في طبقة معيّنة من نساء المجتمع، لكنّ الانتصار النهائي يتمثل في إمكانية تمرير المرأة الكويتية جنسيّتها لأبنائها أسوة بالرجل، وهو مطلب يبدو بعيد المنال في ظل رفض الدولة القاطع له".
ويأمل نشطاء آخرون وقانونيون وقانونيات في أن يؤثّر وجود المرأة في سلك القضاء على الشقَّين القانوني والدستوري في البلاد. فيقول المحامي والخبير القانوني سعود المطيري لـ"العربي الجديد" إنّ "وجود المرأة في القضاء سينعكس على أحكام قانونية مفصلية كثيرة". ويشرح المطيري أنّه "في فلسفة القانون، لا بدّ لشخصية القاضي من أن تنعكس على جزء من الأحكام، لذلك نجد أنّ القاضي الذي يميل إلى تفسير النص تفسيراً ليبرالياً يحكم بحكم هو أقرب إلى الليبرالية، وكذلك القاضي الذي ينحاز إلى تفسير النص تفسيراً محافظاً ينحاز إلى أفكاره في الأحكام، وأمّا المرأة فلا بدّ لها من أن تفسّر النص انطلاقاً من مفهومها كامرأة، وهو أمر طبيعي واعتيادي في القانون". ويدعو المطيري المرأة الكويتية إلى "التفاؤل أكثر، لأن القضاء سيضع وزناً سياسياً أكبر لها في داخل مؤسسات الدولة في الأيام المقبلة، ما يعجّل بحصولها على بقيّة حقوقها".
والمرأة الكويتية خاضت صراعاً طويلاً للحصول على حقوقها السياسية والاجتماعية. وبعدما أسقط البرلمان مرّات عدّة قوانين مقدّمة من قبل الحكومة لتمكين المرأة من الحصول على حقوقها السياسية والترشّح للانتخابات البرلمانية والترشيح فيها، نجحت الحكومة في عام 2005 في تمرير قانون "حقوق المرأة السياسية" بأغلبية ضئيلة، وهو ما أدّى إلى وصول أربع نساء دفعة واحدة في الانتخابات البرلمانية في عام 2009. لكنّ هذه التجربة لم تكن ناجحة وفق ما يقول الكويتيون؛ إذ ضاعت المطالبات النسائية وسط التناحر السياسي الذي ميّز تلك الدورة البرلمانية. وعلى الصعيد الاجتماعي، حققت المرأة الكويتية نجاحاً كبيراً عندما حكمت المحكمة الدستورية في عام 2009 بأحقيتها في استخراج جواز سفر بنفسها من دون إذن وليّ أمرها، وهو ما مكّنها من السفر وحدها بعدما كانت مقيّدة بموافقة وليّ الأمر.
لكنّ مناصب القضاء الكويتي والمؤسسات القانونية الكبرى ظلت بعيدة عن المرأة الكويتية بسبب قيام المجلس الأعلى للقضاء بحصر التقديم على وظائف النيابة العامة المؤهلة لدخول القضاء على الذكور حتى عام 2012، عندما حرّكت طالبة في كلية الحقوق دعوى قضائية أمام المحكمة الدستورية طالبت فيها بحقها في الدخول إلى النيابة العامة وهو ما يؤهّلها لدخول سلك القضاء. وبعدها أتى حكم المحكمة الدستورية بإلغاء شرط حصر الوظائف القضائية في الذكور بناء على المادة 29 من الدستور الكويتي التي تنص على أنّ " الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين". وقبلت وزارة العدل 22 وكيلة نيابة في عام 2014 استجابة للحكم القضائي التاريخي الذي أقرّته المحكمة الإدارية بوجوب السماح للمرأة بتولي المناصب القضائية.
في السياق، تقول المحامية نجلاء الشمري لـ"العربي الجديد" إنّ "انخراط المرأة في سلك القضاء وحصولها على ترقياتها مع مرور السنين سيحسّن وضع المرأة ووضع الأقليات في الكويت، وقد نشهد قريباً وجود رئيسة للمجلس الأعلى للقضاء أو قاضية في المحكمة الدستورية وهو تقدّم كبير جداً". وترى الشمري أنّ "المجتمع الكويتي رفض في البداية تولي المرأة المناصب العامة بناء على رؤية فقهية محددة وضيقة، لكنّه اضطر لاحقاً إلى التأقلم مع وجود المرأة، بل وصار المعارضون لتولي المرأة القضاء في عام 2014 يسعون اليوم إلى إدخال بناتهم في الوظائف القانونية طمعاً في مكاسبها المادية والاجتماعية".
تجدر الإشارة إلى أنّ الكويت تُعَدّ رابع دولة خليجية تعمد إلى تعيين المرأة كقاض بعد قطر والإمارات والبحرين، في حين أنّ السعودية ما زالت تبحث توصية رفعها مجلس الشورى في عام 2018 لتمكين المرأة من العمل كقاضية في المحاكم، على الرغم من سيطرة التيار الديني على السلك القضائي في البلاد.