هدى صادق (17 سنة)، تزوجت صغيرة ولم تكن تدري ما هو الزواج، وتعرضت للطلاق بعد وضع مولودها الأول مباشرة، ورغم أن طليقها سارع بالزواج من أخرى، وإنجاب طفل من زوجته الجديدة قبل تطليقها، إلا أنه حاول العودة إليها بعد أن أنجبت، محاولا انتزاع مولودها، فرفضت، ولجأت إلى المحكمة خشية حرمانها من رضيعها، وهذا ما جعل والدها يتحمل نفقات القضية إلى جانب نفقات الطفل الذي توقف والده عن الإنفاق عليه.
هدى ليست وحدها، هي واحدة من آلاف السعوديات اللاتي يذهبن إلى المحاكم، ويصرخن صرخة فاتن حمامة الشهيرة "أريد حلا".
وتعتبر مشكلتا النفقة وحضانة الأطفال من أبرز المشاكل المتنازع عليها في أروقة المحاكم السعودية، حيث تفيد إحصاءات محلية بأنها تتصدر قضايا المحاكم المعنية بنسبة 60 في المئة، وذلك بسبب ارتفاع نسبة الطلاق في المملكة، والتي نجم عنها مشكلات عديدة بين المطلقين حول النفقة وحضانة الأطفال، خاصة مع تعنت أحد الوالدين ومحاولة تصفية الحسابات بين المطلقين على حساب الأطفال، وتذكر تقارير أن قضايا النفقة في المحاكم السعودية بلغت العام الماضي 6386 قضية.
"أم فهد" تهَرّب طليقها من إرسال النفقة لأبنائه الخمسة، ورفض مساعدتها في تأمين سكن لائق بهم، وعندما ضاقت بها الدنيا، لم تجد حلا سوى رفع دعوى إلى المحكمة، لم يحكم فيها بعد، رغم مضي شهور طويلة.
حق الحضانة
ويوضح عضو برنامج الأمان الأسري، عبد الرحمن القراش، أنه بعد نقل الولاية للأب عادة ما يتم حرمان الأم من رؤية الأبناء، وتتعب المطلقة في المحاكم لكي تثبت حقها في اللقاء بأبنائها.
وقال إن الحضانة حق مشروع للأم، حتى يبلغ الأولاد والبنات سبع سنوات، ويلزم خلالها الأب بالنفقة والمسكن وكل ما يتعلق بهم من الرعاية، وبعد سن السابعة، يتم تخيير الولد بين أمه وأبيه، فإذا اختار الولد البقاء مع أمه، يلزم الأب بالمصاريف ويحق له رؤية ولده ومتابعته، وإن كانت بنتا فإن الأب ملزم بها إلا إذا أثبتت الأم عدم قدرتها على الحضانة، سواء ماديا أو اجتماعيا أو أخلاقيا.
وأضاف إن من حق الأم أن يحكم لها القضاء بالحضانة كاملة، ويدفع الأب قدر استطاعته من المصاريف، إن كان سبب سقوط الحضانة ماديا، وإن كان السبب اجتماعيا أو أخلاقيا، فيجب المصروف كاملًا للبنت، ولا يحق للأم منع الأب من رؤية ابنته.
المحاكم تتأخر
من جانبه، قال أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك سعود، الدكتور خالد الرديعان، إن هناك تأخراً من قبل المحاكم في البت في قضايا الحضانة والولاية بداعي سماع جميع الأطراف واكتمال الأوراق والمستندات الخاصة بالقضية، إضافة إلى ازدحام المحاكم بقضايا أخرى مما يترتب عليه بطء الإجراءات، وتباعد مواعيد الجلسات التي قد تمتد إلى أشهر عدة، يعاني خلالها الطرفان وكذلك الأطفال، الأمر الذي يجعل البت في قضايا الحضانة سريعا، وذلك للحد من معاناة جميع الأطراف في محاكم الأحوال الشخصية التي تتطلب تزويدها بالكوادر القضائية والفنية والأخصائيين النفسيين والاجتماعيين لمساعدة القاضي في إصدار الحكم المناسب حسب كل حالة.
ويتفاءل البعض بأن يسهم عمل المرأة السعودية أخيرا في المحاماة في نشر ثقافة الحقوق والقضاء على معوقات تواجه المرأة في البيئة العدلية.
وقد بدأت وزارة العدل السعودية في تفعيل مكاتب الخدمة الاجتماعية في محاكم الأحوال الشخصية والمحاكم العامة، وكذلك الجزئية، وأصدر وزير العدل قرارا وزاريا باستحداث مكاتب للخدمات الاجتماعية للمساعدة في دراسة الحالات قبل ورودها إلى القاضي، ولاسيما في مشكلات الحضانة وتقدير النفقة.
وقال رئيس الجمعية السعودية للدراسات الاجتماعية الدكتور عبد العزيز الدخيل "إن الجمعية سبق أن قدمت مقترحا لوزارة العدل حول الاستعانة بالأخصائيين الاجتماعيين داخل المحاكم". وأوضح أن "دور الأخصائي الاجتماعي مهم في القضايا العدلية، بحيث يكون طرفا مهنيا مساعدا للقاضي في اتخاذ القرار، فهو لا يتخذ قرارا، ولكنه يوضح الرؤية للقاضي، ليتمكن من معرفة خلفيات المشكلة من ناحية أسرية واجتماعية".