المرأة التي تسمى سورية والوحش الذي يسمى "حرباً"

03 ديسمبر 2015
لاجئة على الحدود الصربية (Getty)
+ الخط -
"لنضرب صفحا" عن كل تبديات العنف الموجه ضد المرأة في مستوياته التاريخية وتلك المبثوثة في ثنايا الحياة شبه الهادئة وشبه المستقرة، حيث يبدو العنف فيها مستتراً تقديره الغياب أو الحضور عند الطلب.


"لكننا الأن نشهد عنفا" أقصى يضرب البلاد (سورية) من كل حدب وصوب، عنف مدمر لا يبقي ولا يذر، إنها الحرب التي ابتلعتنا "بشرا وحجرا وشجرا"، "روحا ومادة" ثم ولدتنا "أمواتا أو معتقلين أو معطوبين أو مشردين أو مشوهين أو كل هذا معا".

لا بدّ لنا ونحن نتحدث عن الحرب وضحاياها من الحديث عما أصاب المرأة باعتبارها إحدى الضحايا الأكثر تعرضا للإيذاء الجسدي والنفسي - المادي والرمزي، مأساة المرأة هي أكثر ثمار الحرب نضوجا ومرارة، فهي القتيلة والمعتقلة والمغتصبة والمهجرة وأم القتيل أو ابنته أو زوجه أو أخته، لربما كانت المرأة وهي تتخذ صفة القتيل أكثر حظا في الحرب، فإنها إن لم تكن كذلك، فستكون جميع ما تبقى من صفات، ما يعني أنها ستكون أكثر موضوعات الحرب معاناة ومأساوية.

قد لا يمكن من الناحية النظرية وحتى العملية أن نضع فروقا بين ضحايا الحرب لأن جميعهم ثمار الحرب، زرعها وحصادها، هم شهودها كما شهود الحق الغائب فيها وعنها، يتماثلون وهم ثمار العبث، مشاريع محالة إلى العدم، ولا يصح والحال هذه الدخول في جدال التصنيف، فأنا ممن يؤمنون بكوننا جميعا قابضين على جمار المآسي، وإننا شهود على الغائب من ضمير الإنسان.

أحبّذ في هذا السياق أن أقارب موضوعة العنف ضد المرأة من زاوية غير تقليدية، ذلك أن المرأة عانت وتعاني في كل الحروب من عنف مركب له مستويين: يتمثل الأول في كونها إحدى ضحايا الحرب الأكثر هشاشة، بما هي أم وزوجة وحبيبة وأخت، فإذا ما قضى الرجل (مهما كانت صفته) في الحرب أو في السجن، فعليها أن ترعى وأن تحافظ على الأسرة من الأبناء أو الأشقاء، وما يعنيه ذلك من مآسٍ في تأمين الحياة والمعاش في الحلّ والترحال، في الاستقرار والتهجير، الأمر الذي يدفعها إلى أكثر الاحتمالات شقاء وألما وتضحية، حيث تضطر أحيانا إلى بيع جسدها والمتبقي من كرامتها أو تحمل مكنسة تجمع بها القمامة، طبعا هذا كله على فرض أنها بقيت على قيد الحياة ولم يغيّبها الموت ببرميل أو صاروخ أو شظية أو طلقة هادفة أو طائشة.

أما المستوى الثاني من مركب العنف والمظلومية فيتمثل في أنها ضحية حرب ليست حربها تماما، وإن بدت لها أنها كذلك.

في جذر المسألة أي في ما وراء الوعي المباشر (وعي السطح) فإن هذه الحرب هي حرب الرجل من أجل كرامته وحريته وسلطته ومجده هو، وكذا كان الأمر عبر التاريخ، يأتي الرجل بالمرأة إلى الحرب ويزج بها حاملة آماله وآلامه وأحلامه ورؤاه، هذا على الرغم من وعينا لطبيعة التعقيد في جدل العلاقة بين الرجل والمرأة، فالأمر يكاد يستعصي على الفصل في سياق وحدة المجتمع ووحدة مصيره، فتبدو الحرب في هذه الحالة هي حرب الرجل والمرأة معا.

من أمثلة العنف المركب الذي تمارسه الحرب ضد المرأة تحضرني قصة العائلة التي هربت بسبب الحرب في حي التضامن الدمشقي إلى مدينة الحسكة فتلحق بها الحرب، وبعد تعرض الزوج للاعتقال ووضعه مجددا تحت الطلب، تقرر العائلة الخروج من سورية، فيبقى الأب والولد في تركيا وتكمل الأم رحلتها إلى ألمانيا بعد أن واجهت هي وطفلتها احتمال الموت غرقا أكثر من مرة، فتصل وتبدأ بجمع المبلغ اللازم كي تلتحق بها بقية العائلة. تلك هي مأساة المرأة السورية.

(سورية)
المساهمون