المخرج أسامة رزق... كسر الصورة النمطية للدراما الليبية

09 مايو 2020
يعرض مسلسله حالياً في رمضان (تويتر)
+ الخط -
أسامة رزق هو واحد من الأسماء الإخراجية الليبية الجديدة، بالرغم من الضعف والوهن الذي يسيطر على هذه الدراما، والذي يجعلها تحتل مراتب متدنيّة إلى جانب المغربية، داخل الدراما العربية. يُحاول رزق تكسير نمطية هذه الصورة والغوص في هذه المغامرة الإبداعية والحفر عميقاً في جذورها الثقافية والجمالية، في سبيل العثور على بعض الموضوعات التي من شأنها إغناء هذه الدراما، وضخّ دماء جديدة في شرايينها. وجاءت نتيجة التفكير عند رزق في مسلسله الجديد "الزعيمان" (2020) الذي يُعرض حالياً في شهر رمضان، والذي يقوم بسبر أغوار التاريخ الليبي وفهم بعض من أسراره. عن تجربته وآخر مسلسل له، التقت "العربي الجديد" مع رزق، وأجرت معه الحوار الآتي.


يعرض لك حالياً مسلسلك التاريخي الجديد "الزعيمان". ماذا يمكن أن تقول للمشاهد العربي عن هذا المسلسل، وكم استغرق منك من الوقت لتحضير كتابته وتصوير مشاهده التاريخية؟
"الزعيمان" مسلسل يتحدث عن صفحة من صفحات الجهاد الليبي ضد إيطاليا، مُجسّدة في شخصيتين، هما سليمان الباروني والبشير السعداوي، وهُما مناضلان مهمّان في التاريخ الليبي والنضالي. الأول من الأمازيغ بجبل نفوسة، والثاني من الخمس، وهي من مدن الساحل في ليبيا. الاثنان تسلحا بالعلم، لكنهما في ذات الوقت كانا مجاهدين ومقاتلين ومتعلمين في آن واحد. وعملا على نشر قضية الاحتلال والتحرر من الاستعمار الإيطالي لليبيا في العالم، نظراً لانتمائهما إلى شخصيات وطنية، أثرت كثيراً في وعي النضال الليبي.

المسلسلات التاريخية كثيرة، بل أصبحت موضة داخل الدراما العربية، مع أنَّ الكثير منها سطحي، ولا يراعي الشروط الفنية والسياقات التاريخية التي تتبلور داخل مشاهد العمل. كيف استطعت البحث والتنقيب عن المادة التاريخية وتعاملك معها من أجل تحويلها إلى مادة بصرية قوامها الخيال؟
استغرقت منا ما يُقارب 4 أشهر، من ناحية تجميع المادة البحثية من عدة دول في العالم، مثل أميركا والجزائر وتونس وعمان. وبعدها كتبنا النص، وقمنا بالتحضيرات في 4 أشهر تقريباً، لأنَّ الأعمال التاريخية صعبة، وفي العادة تأخذ وقتاً طويلاً في البحث والتقصي وجمع المعلومات والتحضير للتصوير. عندنا في ليبيا فقرٌ شديد بالدراما التاريخيّة. ومسلسل "الزعيمان" رابع عمل تاريخي في الدراما الليبية. لذلك، هناك شحٌّ كبير عند المشاهد الليبي. لكن أعتقد أن الناس هذه المرة سيرون سيناريو مختلفاً فيه جزء كبير من الخيال، وإسقاطات مهمة على الوضع الحالي في ليبيا. وكما أنَّ هذا العمل التاريخي، فقد جاء في توقيت مهم بسبب الحرب الأهلية والصراعات، وهنا تكمن قيمة المسلسل. إذْ يُظهر لليبيين كيف كانت أمجادهم وأجدادهم وهمهم الأساس هو الوطن، قبل أيّ شيء، ورفعوا بذلك اسم الوطن فوق مصالحهم الشخصية وكيف توحدوا، بالرغم من الظروف الصعبة للاحتلال الإيطالي. واستطاعوا أيضاً أن يجدوا لغة مشتركة ويوحّدوا كلمتهم.

كيف نستطيع أن نميز في مسلسلك "الزعيمان" بين التاريخي والتخيُّلي؟
طبعاً، هنالك مجال كبير للخيال داخل المسلسل. وبإمكانك أن تميز ذلك بشكل عام من خلال المَشاهِد. ووضحنا ذلك جيداً من خلال الصورة، حين نكون في حقبة تاريخية معينة، نكتب الحقبة واسم المكان، حتى يستطيع المشاهد أن يعرف حيثيات الصورة الفنية، ويفهم طبيعة الموضوع وتسلسله. إضافة إلى حجم الخيال الموجود على مستوى الكتابة لدى كاتِبَي السيناريو، إذْ استطاعا خلق حوارات لم تكن موجودة، من أجل أن تمشي في ذات السياق، وتعطي للسلسلة نكهة درامية مشوقة، حتى لا يسقط العمل في الوثائقي.

تتطلّب مشاهِد المسلسلات التاريخية وعياً كبيرة بحيثيات المرحلة التاريخية لفهم طبيعتها والغوص في متخيلها، من أجل فهم دقيق للخصائص الجمالية للديكور. كيف جاء تعاملك على مستوى التخطيط لمثل طبيعة هذه المشاهد، ثمَّ لحظة التصوير؟
منذ الفترة التحضيرية للبحث كنا نجلس مع الكتّاب ونظهر لهم بعض التفاصيل ذات العلاقة بالزيّ والملابس الليبية، حتى يتشبعوا بهذه التفاصيل والموضوعات. لذلك، يمكن أن أقول إن فترة البحث في التفاصيل قد استغرقت نحو 7 أشهر في موضوع الملابس والأكسسوارات والمكياج النسائي. وتطلب منا البحث كثيراً حتى نصل إلى الصورة المتخيّلة أو الواقعية التي نريدها، خاصة أننا قمنا بحياكة أغلب الملابس التي كانت موجودة في المسلسل. وبحكم أن الأعمال التاريخية في ليبيا قليلة، كما ذكرت، كانت هذه بمثابة فرصة، لنظهر للعالم ملابسنا وعاداتنا وتقاليدنا.



من خلال مشاهدتنا للحلقة الأولى، يتبدى المجهود الكبير لكاتب السيناريو أحمد نبيل وعزة شلبي، وقدرتهما على التقاط بعض التفاصيل الصغيرة من التاريخ الليبي، وإعادة الاهتمام بها داخل عرش النص والصورة معاً. لماذا هذا الاهتمام الكبير الذي أوليته التاريخ الليبي في مسلسلك الجديد، هل يمكن أن نقول إن التاريخ الليبي الحق لم يكتب بعد؟
التاريخ حقيقة لا نستطيع أخذها إلا من الكتب، وليس من الدراما. لكن هذه الأخيرة تأخذ التاريخ وتعطيه نكهة درامية مشوقة، حتى لا يملّ المشاهد. ومن ضمن هذه الأشياء، الديكور والملابس والتعريف أكثر بالتاريخ الليبي بالعالم العربي، ليس لأن التاريخ لم يُكتَب، بل كُتب، ولكن لا أحد يعرفه، لأن صورة ليبيا ظلت مرتبطة بالقذافي الذي كان يبثّ في التلفزيون الليبي فقط. ولم يكن الناس يعرفون تقاليدنا ولباسنا وطباعنا وفننا وثقافتنا. لذلك، فهذه فرصة لتوثيقه من خلال المسلسل.
دلالات
المساهمون