تتغلغل المخدّرات في البلدان العربية بمعظمها. ليبيا واحدة منها، ويطاول الضرر مواطنيها ومواطناتها على حدّ سواء، وسط خشية من انفضاح أمرهم وأمرهنّ على وجه الخصوص
لا توفّر المخدّرات، باختلاف أنواعها، النساء في المجتمع الليبي المحافظ، في حين تسعى عائلاتهنّ إلى التعامل مع إدمانهنّ بسريّة تامّة. لكن تأزّم حالة هؤلاء يدفع في اتجاه اصطحابهنّ إلى عيادات خاصة بالأمراض النفسية والعقلية، بهدف متابعة علاجاتهنّ والحدّ من المضاعفات.
سهام (22 عاماً) مدمنة ترامادول، تتلقى علاجها في "كلينيكا ساي كير للرعاية النفسية" في العاصمة الليبية طرابلس، بحسب ما تخبر والدتها "العربي الجديد". تقول: "لم تكن ابنتي تعلم بطبيعة الدواء، فزميلتها في الجامعة بدأت تزوّدها بتلك الأقراص على أساس أنّها تمنحها الراحة، وأنّها وصفة طبيب". وسهام كانت في حاجة إلى ما يهدّئها، في ظلّ ظروف أسرتها الصعبة، لا سيّما طلاق والدَيها. تضيف الوالدة: "لم أكتشف تعاطي ابنتي إلا بعد عام من ذلك، فهي كانت توفّر ثمن الجرعة من مصروفها اليومي. لكنّ الإرهاق الدائم وتقلّب مزاجها جعلاني أكتشف إدمانها".
تقرّ والدة سهام بأنّها أخطأت كثيراً وساهمت في تفاقم أزمة ابنتها، وتوضح: "كنت مرتبكة جداً ومتخوّفة من فضيحة أخرى في العائلة. هل تعلمون ماذا يعني أن يصف المجتمع ابنتي بالمدمنة؟ ورحت أحاول معالجة الوضع بنفسي، وأبحث عن أيّ معلومة تساعد في إنقاذها. وبعد عام تقريباً، رأيت أنّه لا مفرّ من مراجعة طبيب". وتتابع أنّه "بين المنع وبين غضّ الطرف أحياناً، وقعت الكارثة". وتشير إلى أنّ "الناس يظنّون أنّ ابنتي تعاني الاكتئاب وليس الإدمان، والطبيبة وعدتني بالتكتّم على حالتها إلى حين شفائها".
في سياق متصل، يقول الضابط ساسي بو عرقوب، من جهاز مكافحة الجريمة التابع لوزارة الداخلية في ليبيا، إنّ "القانون الليبي يفرض على المستشفيات التبليغ عن حالات الإدمان التي تصلها من الجنسَين، ويوضع بالتالي المدمن أو المدمنة تحت المراقبة في مصحات متخصصة. وتتشكل لجان المراقبة في تلك المصحات من مندوبين عن النيابة العامة ووزارة الصحة، لتقييم الوضع الصحي للمدمنين". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "الأمر لا يتعلق بوضع المدمن صحياً، بل بمتابعة من ورّطه في التعاطي، وهو أمر قد يقود إلى تفكيك شبكات خطرة"، مشيراً إلى أنّ "قانون العقوبات الليبي يؤجّل تنفيذ العقوبة على المدمن إلى حين شفائه".
من جهته، يتحدّث الطبيب رافع بوسيف، من "مركز إشراقات للطب النفسي الحديث" في العاصمة طرابلس، عن "ارتفاع عدد المدمنات بين الشابات الليبيات"، مشيراً إلى "خشية عائلاتهنّ من الفضيحة الاجتماعية. وهو ما يدفع تلك العائلات، بعد التأكّد من حالات إدمان بناتها، إلى إخفائهنّ بهدف علاجهنّ في مصحّات بدول الجوار، وتحديداً مصر وتونس". ويؤكد بوسيف لـ"العربي الجديد" أنّه "لا يمكن الكشف عن هويات مريضاتنا. وفي المصحات، نعمد إلى تسجيلهنّ بأسماء وهميّة، وتطلق على حالاتهنّ أسماء أمراض أخرى". يضيف بوسيف: "في حال كُشِف أمر مدمنة ما، فإنّ عائلتها سوف تخرجها من المصحّة ولن تعود مجدداً إلى العلاج، فتضيع الشابة". ويتابع: "لا نعرف حجم معاناة الشابات المدمنات ومصيرهنّ، في ظل تقاليد بدوية تعدّ المدمنة فضيحة كبرى، وبالتالي لا بدّ من التخلص منها"، لافتاً إلى "معلومات حول انتحار شابة مدمنة بسبب الضغط الأسري عليها الذي فاقم مشكلتها النفسية".
ويوضح بوسيف أنّ "الإدمان يكون في معظمه على أقراص الترامادول، وهي مسكّنات ألم تتوفّر في الصيدليات وبأسعار رخيصة". وعن حجم إدمان الشابات الليبيات، يقول إنّه "من غير الممكن تحديد ذلك، في ظل عدم توفّر قاعدة بيانات لدى الجهات الحكومية وظروف البلد الأمنية المتأزمة وتقاليدها". ويشدّد على أنّه "بصفتي إنساناً، تتوجّب عليّ المساعدة في شفاء مريض، وليس التبليغ عنه"، ويسأل: "من أبلّغ؟ أنتم تعلمون أنّ الجهات الرسمية مغيّبة، وعمل القضاء معلّق، والمسلحين هم الذين يحكمون اليوم وهم غير مؤهلين، بالتالي لا نعرف أين يوضع المدمن". ويتابع أنّ "نصوص القانون الليبي معروفة لدينا، لكنّ المصحات الحكومية الخاصة بعلاج المدمنين متوقّفة عن العمل منذ وقت طويل. وهي ثلاث مصحات، واحدة في بنغازي وثانية في طرابلس وثالثة في سبها. بالتالي، إلى أين يُنقل المريض؟ نتيجة التبليغ تكون فضيحة اجتماعية، وحينها أكون سبباً في مزيد من الضياع".
ويؤكد بوسيف أنّ "ثماني شابات شفينَ كلياً على يدَيّ وعادت كلّ واحدة منهنّ إلى حياتها الطبيعية، في حين أنّ خمسا أخريات ما زلنَ يتلقّينَ العلاج لديّ". ويلفت إلى أنّ "ذلك يكون بناءً على اتفاق مع الأهل، مع التعهّد بكتمان مرض الشابة". لكنّ بوسيف يقول إنّ "العدد في مصحّتنا لا يمثّل سوى نسبة قليلة من عدد الحالات في المصحّات النفسية الأخرى في طرابلس وغيرها"، شارحاً أنّ "حجم تعاطي النساء في تزايد، بالتالي يتوجّب علينا البحث في أسبابه. وكشف تلك الأسباب يُعَدّ جزءاً من العلاج". ويكمل: "ولا بدّ من أن تتحمّل العائلات مسؤوليتها، في حين يتوجّب على الجهات الحكومية المسؤولة تقدير الظروف الاجتماعية التي تضع المدمن والمدمنة في خانة المجرمين، وتوفير الظروف المناسبة مؤقتاً لتشجيع العائلات على علاج المدمنات فيها".