يكمُن التحدي في إيجاد وسيلة واضحةٍ للقياس، تُعطي قيمًا دقيقةً وصورةً أقرب للواقع، فالمحتوى لا يقتصر على المواقع العربية، بل يُضاف إليه جميع الصفحات المكتوبة بالعربية كالكتب والمقالات والموسيقى ومقاطع الفيديو، ويحدث الخلط بين المحتوى وعدد المستخدمين ومدى تغلغل الظاهرة (Pentration)، لكن جميع الإحصائيات باختلاف المحدّدات التي تدرسها تدلل على تواضع المحتوى العربي كمًا وكيفًا وتصفحًا، فعلى سبيل المثال تبيّن أن المواقع الأجنبية أو التي لا تحمل واجهة عربية افتراضية تشكل 30% من المواقع الخمسين الأكثر زيارة في مصر.
يُشكّل المحتوى المخفي الذي لا يظهر في عمليات البحث التقليدي نسبة كبيرة من المحتوى العربي، وبالتالي لا يظهر أثره في طرق قياس المحتوى المتّبعة من قبل محركات البحث، كما أن الحساب على عدد المواقع دون عدد صفحاتها لا يبدو منطقيًا، كتصنيف موقع "ويكيبيديا" مع أي موقع يحوي بضع صفحات.
تكرار وسرقة
وأكدت نتائج دراسة أجرتها موسوعة "موضوع"، أن المحتوى العربي يشكل 0.89% من المحتوى الكلي على الإنترنت، بعد إسقاط الأنماط المتكرّرة والمتشابهة، التي تعتبر أكبر مشاكل المحتوى العربي من ناحية التكرار وسرقة المجهود الفردي نظرًا لغياب تشريعات تحمي حقوق الملكية.
يعتبر موقع ويكيبيديا أهم تجمّع يعمل على زيادة محتوى الشبكة بكل اللغات، الأمر الذي يزودنا ببيانات واضحة عن كمية الموضوعات ومعدّل التعديلات عليها ووثوقيتها.
تحتل ويكيبيديا العربية المركز 20 بحسب عدد المقالات، بمعدل عمق 217، وانطلقت ويكيبيديا العربية عام 2003، تلى ذلك فترة خمول ليزيد الاهتمام باللغة العربية بحلول عام 2009، وإطلاق أغلب المواقع الكبرى لواجهات عربية لتعميق التواصل مع المتصفّحين العرب، وفي عام 2012 أصبحت اللغة العربية موجودة على تويتر، وهي الآن من بين اللغات الخمس الأكثر تداولًا على الموقع.
تمتلك 4 في المائة من الشركات الـ 500 الكبرى في مجال الصناعة المصنفة حسب مجلة " FORTUNE" واجهة عربية، معظم هذه الخطوات كانت نتاجًا لحملات تطوّعية مثل مبادرة "تغريدات" التي قامت بترجمة موقع تويتر، هنا، يقول علي محمد، المؤسس والمدير التنفيذي لمؤسسة "الأرابيك" المتخصصة بالمحتوى العربي عن دور التمويل وتشريعات حقوق الملكية، في حديث إلى "جيل": "يمثل ضعف التمويل عائقًا أمام التخصّص والتفرّغ للمحتوى، فنجد أن المتخصّصين في المحتوى في اللغات العالمية مثل الإنكليزية والفرنسية والألمانية يحظون بمستويات عالية من الدعم، ما يتيح لهم التفرغ لهذا القطاع، على عكس المتخصّصين العرب الذين يعملون في الغالب بصفة تطوّعية".
ويعتبر المتحدّث في سياق آخر، أن قوانين حقوق الملكية، تلعب دورًا أصغر في لجم المحتوى العربي، لأن غالبية المحتوى الرقمي الحديث تأتي تحت رخصة المشاع الإبداعي، مضيفًا أن الإعلانات تمثل مصدر الاستثمار التجاري الحقيقي في القطاع الرقمي، وليس بيع المحتوى ذاته، وهذا ما يحتاج إلى جهود توعوية أكثر مما يحتاج لجهود تشريعية، ويشير محمد إلى أن وجود قوانين حماية قويّة ومحترمة للملكية الفكرية سيساعد حتمًا في تعزيز المحتوى الرقمي العربي على حدّ تعبيره.
بعيدًا عن الطموح
تلعب مواقع التواصل الاجتماعي دورًا مزدوجًا، فهي مليئة بالمحتوى غير المفيد، وغالبًا ما يكون باللهجات الدارجة التي تفتقر للأسلوب العلمي، وتحدّ من الجمهور الذي يستطيع استيعابها على صعيد البلد الواحد، لكنها تُغْني المحتوى عبر الدور الإعلاني والتجاري الكبير في ظل غياب الشركات كونها تحظى بنسب تصفح مرتفعة.
أطلق مركز "حملة"، مشروع ويكيبيديا فلسطين الذي يهدف لإثراء المحتوى العربي العام وتعزيز الصوت الفلسطيني في ويكيبيديا، ويختلف هذا المشروع عن ويكيبيديا مصري الذي رأى النور قبل 8 أعوام، فهو ليس تحديًا للغة العربية، على حدّ تعبير فرح مستكلم، محرّر ناشط في ويكيبيديا العربية، إذ يعتبر أن مجموعة ويكيبيديا فلسطين هدفه تشكيل نواة لعدد من المحرّرين من فلسطين، لإثراء مصادر المعرفة بشكل عام، وبالأخص في ما يتعلّق بفلسطين، والكتابة عنها بلغات أخرى لا تقلّ أهمية عن الكتابة بالعربية، لكن تركيزنا سيكون على العربية.
تحتل ويكيبيديا العبرية المركز 40 من ناحية المقالات، بمعدل عمق 255، أما ويكيبيديا المصرية فهي في المرتبة 113، بحجم وتأثير لا يقارنان باللغة العربية حسب تعبير مستكلم، ويستطرد المتحدّث أن أسباب ذلك تعود إلى: "صعوبة فهم اللهجة، وكثرة النسخ واللصق، وغياب موضوعية الطرح".
ما جاء في وكيبيديا مصري من تعريفات مثلًا النص التالي: "مصر دولة أراضيها في قارتين، الشرق في شمال أفريقيا والغرب في غرب آسيا، أهلها بيتكلموا مصري"، وهو ما يدل على رداءة المحتوى الذي تنشره هذه المواقع باللغة العربية، أضف إلى هذا، لم ينجح مشروعا "ويكيبديا لبنان" و"ويكيبيديا مغربي جزائري" في حجز مكان لهما في الموسوعة الحرّة بعد رفض الطلبات المقدمة.
يفضّل ثلث مستخدمي صفحات التواصل الاجتماعي العرب الواجهة العربية، حيث يردى مدير مؤسسة "الأرابيك" أن المحتوى العربي تحسّن في السنوات الخمس الأخيرة، لكنه لايزال بعيدًا عن الطموح، ويؤكّد أن اللغة ليست قاصرة في حدّ ذاتها عن اللحاق بركب اللغات العالمية في مجال المحتوى الرقمي، فهي تمتلك مقوّمات التطوّر والنمو واستيعاب علوم العصر الحديث، "لكن يكمن القصور في غياب آليات التحديث وتبني معايير المصطلحات الحديثة، بسبب الغياب شبه الكامل، وحتى الدور السلبي الذي تلعبه مجامع اللغة العربية التقليدية، التي عجزت من ثمانينيات القرن الماضي عن اللحاق بركب التطور العالمي. نحن بحاجة ماسّة لجهة ناظمة تشرف على مسألة المصطلحات الحديثة، وتوحيد معايير المحتوى الرقمي، والانفتاح تجاه مصطلحات العصر".