"لطيف، متواضع، محب، مفعم بالهدوء والسكينة" هي الصفات التي أجمع كل مَن عرف المحامي الحقوقي المصري محمد الباقر عن قرب، أو حتى معرفة سطحية، على أنه يتحلى بها.
فمنذ لحظة القبض على الباقر من داخل نيابة أمن الدولة، أول من أمس الأحد، أثناء دفاعه عن الناشط السياسي البارز علاء عبد الفتاح، لم يدخر محبوه جهدًا في الحديث عنه وعن صفاته الطيبة، ولم يغفلوا موقفًا عن "جدعنة" هذا الحقوقي الأصيل، الذي دافع عن الجميع باختلاف أيديولوجياتهم، ولم يتركوا من جميل الصفات إلا وصفوه بها.
محمد الباقر، ابن قرية ابريم النوبية جنوبي مصر، مدير مركز عدالة للحقوق والحريات، عُرف في أوساط الحقوقيين المصريين بملامحه السمراء الأصيلة، وابتسامته الهادئة الرزينة، وانتمائه السلفي الذي لم يكن أبدًا حاجزًا بينه وبين كل من دافع عنهم باختلاف أيديولوجياتهم وانتماءاتهم المذهبية والفكرية والسياسية.
أُدرج الباقر، مع موكله علاء عبد الفتاح، على ذمة قضية جديدة، رقمها 1356 لسنة 2019، وتم حبسهما 15 يومًا على ذمة التحقيقات.
عن الباقر، كتب الباحث والكاتب المفرَج عنه مؤخرًا، هشام جعفر، أن "فيه من صفات الرسول محمد"، وحكى عبْر وسم "الحرية لمحمد الباقر" "هناك أشخاص يحمل المرء لهم جميلاً في عنقه وشكرا مهما بذل فيه لا يوفيهم حقهم؛ لأنهم أقدموا حين تأخر الأصدقاء، وبذلوا حين امتنع الأحباب، وخاطروا حين جبُن الشجعان".
وأضاف "كان الباقر أول من أتى إلى المكتب ليلة 21 أكتوبر/تشرين الأول 2015، ليلة التفتيش واحتجاز الأسرة. وكان أول من لقيته في نيابة أمن الدولة، وحرص على حضور التحقيقات التي استمرت لأكثر من اثنتي عشرة ساعة. وكان المرء، عندما يلقاه في النيابات أو المحاكم، يشعر بالطمأنينة والدفء الذي يبثه في نفسك بهدوئه وسماحته وشجاعته في مواجهة القضاة والنيابة الذين أصروا على تجاوز القانون باستمرار حبسي، متجاوزين أقصى مدة للحبس الاحتياطي. وقد استمرت جهود الباقر معي -ومع كثيرين غيري- لمدة ثلاث سنوات ونصف امتدت من ليلة التفتيش حتى ليلة خروجي من قسم أول أكتوبر في 6 إبريل/نيسان الماضي. واستمرت حتى الآن لمتابعة جلسات نظر التدابير الاحترازية".
وتابع جعفر "الباقر فيه صفة من صفات الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فما سمع المسلمون هيعة إلا وجدوا رسول الله قادما من ناحيتها مطمئنًا لهم: لا تخافوا لا تراعوا. الباقر رمز لكثير من الناس يقفون اليوم موقفا صلبا في وجه المظالم، ويدفعون ثمن ذلك راضين محتسبين، بل إنه فاقهم وكان في الصفوف الأولى".
وكتب عنه المحامي الحقوقي البارز نجاد البرعي "محمد الباقر هو أول حقوقي يدخل إلى السجن منذ محمد سيد سعيد، وأمير سالم وهشام مبارك ومحمد مندور ثم حافظ أبو سعدة. وربما لن يكون آخرهم. ولكن ذلك كله لن يثنيهم عن موقف اختاروه؛ شهود عدول لا يحملون ضغينة ولا يرجون مغنما؛ ويتصدقون بحريتهم وعرضهم على الناس".
وكتب عنه الكاتب والباحث خالد منصور "محمد الباقر محامٍ ومدافع عن حقوق الإنسان ورجل مثال في اللطف والتواضع. والحقيقة أني رأيت محمدا كثيرا يؤثِر الناس على نفسه ولا ينفك يُدهش كثيرون لرؤيته بلحيته السلفية المنظر يدافع عمن يختلفون عنه أيديولوجيّا.. ولكنهم لا يعرفون محمدا، ولا يعرفون من يدافع عنهم، ويضعون الناس في خانات ضيقة وتحت أعلام مهترئة".
وتابع "للباقر تلك القدرة الاستثنائية على نشر الهدوء والطمأنينة أينما حل، فبحق كل من ساعدهم وكل من هدأ من روّعهم في مواقف حزن وموت وترويع وكرب، أن ينزل على قلبه وقلب أسرته وأحبائه أملا وقوة. هو الآن في موقف خطر عابث أو عبث خطر من جانب نظام قرر أن يشد أجزاء أسلحته النارية ويصوبها ضد الجميع طمعا في أن يخرسوا، بل ألا تكون لديهم نية أو عزم أو قدرة على الكلام. وهذا طريق أوله سيّء للبعض وآخره مأساة للجميع".
كان الباقر، يشعر منذ فترة بقرب لحظة التنكيل به، ومع ذلك لم يتأخر يومًا عن الدفاع عن جميع معتقلي احتجاجات 20 سبتمبر/أيلول الجاري، وكان يتنقل بين المحاكم والنيابات، بينما تحاربه آلة إعلام النظام المصري، بتقارير صحافية تنال منه بشكل شخصي، ومن عدد كبير من الحقوقيين، كما فعلت جريدة الدستور، في تقرير بعنوان "دكاكين حقوق الإخوان" نشر عبر موقعها الرسمي بتاريخ 25 سبتمبر/أيلول الجاري، تناول فيه تحريضا علنيا على مركز عدالة للحقوق والحريات، الذي يديره الباقر. وذكر التقرير "اهتم مركز عدالة بتغطية أحداث 20 و21 سبتمبر/أيلول الجاري، من خلال نقله عددًا من الفيديوهات المفبركة حول الأحداث في الشارع، لتصدير صورة غير حقيقية عن الأوضاع في مصر".
حسب صديقه الكاتب الصحافي أحمد عبد الجواد، فإن والد الباقر مريض ومودَع في قسم الرعاية المركزة منذ فترة، ومع ذلك لم يتوقف الباقر عن أداء مهمته في الدفاع عن المظلومين والتنقل ليلًا ونهارًا بين المستشفى المحاكم والنيابات.
وتابع صديقه "باقر كان في منحة دراسية خارج مصر منذ أكثر من عامين. ونصحه كثيرون بالبقاء في الخارج للعمل والدراسة. لكنه رفض وقرر العودة والعمل في المجال الحقوقي رغم كونه مجالًا مهددًا طوال الوقت".
وكان الباقر رجل أعمال لديه شركة ناجحة منذ حوالي خمس سنوات، حسب صديقه، الذي أكد أنه قرر أن يترك هذا العمل الناجح ويتفرغ للعمل القانوني والحقوقي، ونجح بالفعل خلال الأعوام القليلة الماضية بأن يبدأ من نقطة الصفر في مجال المحاماة والعمل الحقوقي، ويفسح لنفسه مساحة رغم كل التضييقات والظروف الأمنية التي تشهدها مصر منذ 2013.
وتابع صديقه "كثيرون احتاروا في تصنيفه سلفي أم يساري. لكن الجميع اتفقوا على أنه شجاع وجريء وصاحب كلمة حق. لم يخن ولم يضعف أمام أي تهديد".