لا خلاف على أن حضور وأهمية المجلات الثقافية قد تراجع عموماً في العالم العربي، وربما في العالم ككل، نظراً لرواج المواقع الثقافية التي بدورها لم تعد رائجة مثل بداية ظهورها بسبب هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي، التي منحت لكل جماعة بل وكل صوت موقعه الخاص.
لكن يظلّ لدى الكاتب العربي عموماً حنين إلى شكل من الاعتراف الورقي من خلال المجلة الأدبية أو الثقافية التي لعبت هذا الدور تاريخياً، لنقل إنه نوع من النوستالجيا الثقافية التي تجد من يسعى لإشباعها.
في هذا السياق، تنظّم "المندوبية الجهوية للثقافة" في تونس، تظاهرة تتضمّن العديد من الفعاليات من بينها لقاء حول المجلات الأدبية في البلاد، يقام في "خيمة الآداب والكتاب" في شارع الحبيب بورقيبة عند الثالثة من بعد ظهر الأربعاء الثالث من الشهر الجاري.
اللقاء يناقش ثلاث مجلات حاضرة في المشهد الثقافي التونسي، "الحياة الثقافية"، و"المسار"، و"قصص"، حيث يتناول ممثلو هذه المجلات واقعها اليوم والصعوبات التي تواجهها وأثرها في الوسط الثقافي اليوم.
بالنسبة إلى مجلة "الحياة الثقافية"، فهي مطبوعة تصدر عن وزارة الشؤون الثقافية التونسية، صدر منها 286 عدداً آخرها في كانون الأول/ ديسمبر الفائت، وتتضمّن عادة حواراً مع شخصية ثقافية، وملفاً أدبياً حول قضية ما بين فترة وأخرى، أحدثها ملف خاص بالمسرح التونسي في العدد الأخير. كما تتطرق المجلة إلى فضاء التشكيل في تونس، وتنشر بعض الترجمات والنصوص الأدبية.
مثلها مثل معظم البلدان العربية، فإن المجلة الأدبية التي تعيش أطول عمرٍ ممكن لها، عادة ما تكون صادرة عن المؤسسة الرسمية، إذ يستمر تمويلها سواء خسرت أم ربحت، على العكس من مجلات الثقافة التي تصدرها جهات خاصة.
غير أن هذا النوع من المطبوعات، في أي بلد عربي، يبدأ مع الوقت في اعتماد أسماء بعينها ويصعب فيه دمج السياسي بالثقافي، أو النظر إلى السياسي من منظور نقدي يطرحه المثقف، لذلك فمضمونها مسالم ومتوقّع ومحافظ في كثير من الأحيان.
أما بالنسبة إلى مجلة "المسار"، فيصدرها "اتحاد الكتاب التونسيين"، وتتضمّن دراسات نقدية وحوارات أدبية وبحوثاً ونصوصاً، وتلتفت إلى الأدب العربي أكثر من "الحياة الثقافية" المعنية بالواقع الأدبي المحلي.
مجلة "قصص"، تصدر كلّ ثلاثة أشهر عن "النادي الثقافي أبو القاسم الشابي"، ومضمونها يتعلق بالسرد والقصة القصيرة في تونس، وهي واحدة من أقدم المجلات الثقافية في البلاد، حيث أسّسها الكاتب والسياسي محمد العروسي المطوي عام 1966.
يذكر أن تونس لها باع طويل مع المجلات الثقافية، كانت فيه نواة لصحافة جهوية متطوّرة، ومن أهم المجلات التي صدرت منذ منتصف القرن العشرين "الثقافة" و"الإلهام"، و"المعارف"، و"الفنون" وغيرها، وإن كان أصحاب تلك المجلات ومؤسسيها قد غامروا في ذلك الوقت وعانوا من أجل تأسيس مجلات يكون لها وقع وأثر، فإن المجلات اليوم تعاني أكثر من السابق إذ تبدو عاجزة عن المنافسة في السوق الافتراضي الكبير.