المجزرة الكبرى: يوم أباد النظام السوري شعبه بالكيماوي

إسطنبول

عدنان علي

avata
عدنان علي
21 اغسطس 2014
145133FF-B67A-49DA-B3B8-4ADB19BDA5D0
+ الخط -
فجر الحادي والعشرين من آب/أغسطس من العام الماضي، كان سكان الغوطتين الشرقية والغربية في ريف دمشق على موعد مع الموت بطعم جديد، طاول دفعة واحدة، المئات منهم وهم نيام في بيوتهم، إذ قصفت القوات السورية مناطقهم بالصواريخ والقذائف المحمّلة بالمواد الكيماوية، في جريمة لم يُحاسب عليها أحد حتى الآن، نتيجة تسوية عُقدت بين الولايات المتحدة وروسيا، انتهت بتسليم النظام السوري سلاحه الكيماوي (أو هكذا قيل إنه حصل)، وطيّ هذا الملف.

ووفق مصادر متطابقة، بدأ الهجوم الذي أسفر عن مقتل أكثر من 1200 شخص أكثر من نصفهم من النساء والأطفال، في الساعة 2.30 من فجر ذلك اليوم، عبر قصف بصواريخ كانت تحتوي على غاز السارين السام، إذ أطلقت قوات تابعة للحرس الجمهوري، بسرية كبيرة، وبحضور مدير إدارة الصواريخ في الجيش النظامي اللواء طاهر حامد خليل، وإشراف من العميد في الجيش النظامي غسان عباس، عدة صواريخ محمّلة برؤوس كيماوية، من مقر اللواء (155) في منطقة القلمون في ريف دمشق باتجاه الغوطتين الغربية والشرقية، وذلك بحسب معلومات قالت مصادر المعارضة السورية إنها حصلت عليها من مصادر عسكرية من داخل جيش النظام.

وفي الساعة 2:40 فجراً، طال القصف بلدة عين ترما، وبعد دقيقتين تمّ إطلاق 18 صاروخاً استهدفت مناطق أخرى في الغوطة الشرقية. أما في مدينة المعضمية في الغوطة الغربية، فقد سقط 17 صاروخاً في الساعة 5:21 فجراً، ومع بزوغ الشمس، تعرّضت المدينة لمئات قذائف المدفعية مما رفع أعداد القتلى، وكانت غالبيتهم من النساء والأطفال، إضافة إلى مئات الجرحى، ليبدأ وصول المصابين إلى المستشفيات الميدانية في السادسة صباحاً.

ورجّحت مصادر الجيش الحر أنّ يكون إطلاق الصواريخ قد حصل من جبل قاسيون المشرف على مدينة دمشق، والذي تتمركز فيه قوات من الحرس الجمهوري، إضافة إلى بعض الوحدات الخاصة، ويبعد بين ستة وعشرة كيلومترات، وهي المسافة اللازمة لوصول صواريخ الكاتيوشا إلى المنطقة، وهي منطقة مركز البحوث العلمية الذي يحتوي على تجهيزات تصنيع الأسلحة الكيماوية وخبرائها، كما يوجد فيه طريق خلفي يساعد على نقل المعدات بسرعة وسهولة إلى القطع العسكرية القريبة. وقال الأمين العام السابق للائتلاف الوطني المعارض بدر جاموس، في مؤتمر صحافي عقده عقب المجزرة بيومين، إنه بتاريخ 10 أغسطس/آب 2013، دخلت قافلة صواريخ يرجّح أنها نسخ سورية معدّلة لصواريخ (صقر ــ 15) المصرية، وزلزال الإيرانية، إلى مقر اللواء (155) في جبال القلمون، الذي هو مركز تخزين وإطلاق للصواريخ الباليستية. وفي 19 من الشهر نفسه، بدأت عملية نقل هذه الصواريخ، وهي قادرة على حمل رؤوس كيماوية، إلى منصّات الإطلاق لتذخيرها.

وبتاريخ 20 أغسطس/آب من العام الماضي، ومنذ ساعات الفجر، وحتى المساء، كانت تدور معارك عنيفة في مناطق عين ترما، وجوبر، وزملكا، في ريف دمشق، بين قوات النظام، وكتائب الجيش الحر، وقبل ساعات من القصف وبالتحديد قبل منتصف الليل بخمس دقائق، وبعد خمس غارات جوية متتالية على هذه الأحياء، توقف القصف فجأة من قبل الطيران الحربي، واستمر الطيران المروحي بالتحليق، حتى تم القصف بالسلاح الكيماوي.

عام مضى على المجزرة، إلا أن صورة تلك الليلة ما زالت راسخة في عقول أهالي المناطق المستهدفة، ويروي أحد الناجين في زملكا ما حدث معه في تلك الليلة، قائلاً: "كنا جالسين في منطقة البرج، وفجأة سمعنا صوت سقوط صاروخ، ثم سمعنا الناس تنادي أنه قصف بالمواد الكيماوية، طلبوا منّا الذهاب إلى أعلى البناء، فصعدنا إلى سطح البناء، وأثناء وجودنا سقط صاروخ آخر بالقرب منّا، انتشرت رائحة شبيهة برائحة الكبريت، لأغيب عن الوعي بعدها، وأستيقظ وأنا في أحد المراكز الطبية".

ويضيف: "لم أكن أعرف أين زوجتي أو أطفالي، وبعد عدة ساعات استعدت وعيي وبدأت رحلة البحث عن الأهل، والأقارب في المستشفيات والنقاط الطبية، منهم من كان استشهد مع عائلته، ومنهم من بحثنا عنه دون جدوى". كما يروي أحد الأطباء في المستشفى الميداني في معضمية الشام، أن "المستشفى استقبل أكثر من 500 حالة مصابة بغاز السارين السام، ومما كان يدل على ذلك حالات الاختناق، وازرقاق الوجه، والحدقات الدبوسية، إضافة الى خروج الزبد من الفم".

ويتابع قائلاً: "قدّمنا ما نستطيع من علاج للمصابين، غير أنّ كثيراً من الصعوبات حالت دون إتمام العمل بالشكل اللازم، ومن أهمها تأثير السارين على الكادر الطبي، إذ تأثر معظمهم بذلك الغاز نتيجة تعاملهم مع المصابين". ويقول طبيب آخر في الغوطة الشرقية إنه "مع وصول أولى الإصابات، اتصلنا بكافة النقاط الطبية في الغوطة الشرقية ونبّهناهم لوجود إصابات بغاز السارين"، مشيراً الى أن "حجم الضحايا والإصابات كان كبيراً جداً، وقد استنفدنا كل مخزوننا من "الأتروبين" و"الهيدروكورتيزون"، وأخرجنا من مستودع جوبر وحده 25 ألف إبرة "أتروبين" وما يقارب سبعة آلاف إبرة "هيدروكورتيزون" وما يقارب 35 ألف "سرنك" بمختلف القياسات، وتمّ توزيع تلك الإبر على النقاط الطبية في جوبر وعين ترما"، لافتاً الى أن "حجم الإصابات من المدنيين قارب الـ90 في المئة، وأكثر من 60 في المئة منهم من النساء والاطفال".

ورغم تزامن وقوع المجزرة مع وجود لجنة التحقيق الأممية حول استخدام الأسلحة الكيماوية في دمشق للتحقيق بعدد من الاتهامات من قبل المعارضة لنظام الرئيس بشار الأسد بشن هجمات بالأسلحة الكيماوية في وقت سابق، أبرزها في منطقة خان العسل في ريف حلب شمالي البلاد، إلا أن أعضاء تلك اللجنة لم يتمكنوا من الوصول إلى مسرح الجريمة إلا بعد وقت طويل نسبياً بسبب العراقيل التي وضعها النظام لكي يكسب الوقت ويتمكن من محو آثار المجزرة.

حاول النظام أولاً نفي وقوع أي هجوم كيماوي، لكن مع توارد صور الضحايا والمصابين جراء القصف بالكيماوي، حاول توجيه الاتهام لقوات المعارضة، مُدّعياً عثور قواته على مواد كيماوية مصنوعة في السعودية في منطقة جوبر، في رواية اعتُبرت أقرب الى الهزلية منها للجَد. وبعدما أثارت هذه الجريمة غضب العالم، وبدا أن هناك توجهاً جدياً لدى إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لتوجيه ضربة عسكرية للنظام السوري بعد تجاوزه "الخط الأحمر" الذي حدده له أوباما سابقاً، سارعت روسيا إلى التحرك، وأبرمت بسرعة كبيرة تثير الشكوك، صفقة مع واشنطن يسلّم بموجبها نظام الأسد كل سلاحه الكيماوي مقابل تفادي الضربة المحتملة.

وقبل أيام قليلة، أعلنت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية أنه تم تدمير كل مخزون النظام من السلاح الكيماوي الذي جرى تسليمه للمجتمع الدولي والمقدّر بنحو 1300 طن، لتنتهي بذلك بالنسبة إلى هذا المجتمع قضية الكيماوي السوري، وكأن من قُتل بسبب استخدام نظام الأسد لهذا السلاح، لم يكن موجوداً ولا يعني شيئاً للمجتمع الدولي.

ذات صلة

الصورة
من مجلس العزاء بالشهيد يحيى السنوار في إدلب (العربي الجديد)

سياسة

أقيم في بلدة أطمة بريف إدلب الشمالي وفي مدينة إدلب، شمال غربي سورية، مجلسا عزاء لرئيس حركة حماس يحيى السنوار الذي استشهد الأربعاء الماضي.
الصورة
غارات روسية على ريف إدلب شمال غرب سورية (منصة إكس)

سياسة

 قُتل مدني وأصيب 8 آخرون مساء اليوم الثلاثاء جراء قصف مدفعي من مناطق سيطرة قوات النظام السوري استهدف مدينة الأتارب الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة
الصورة
قبور الموتى للبيع في سورية / 6 فبراير 2024 (Getty)

اقتصاد

تزداد أعباء معيشة السوريين بواقع ارتفاع الأسعار الذي زاد عن 30% خلال الشهر الأخير، حتى أن بعض السوريين لجأوا لبيع قبور ذويهم المتوارثة ليدفنوا فيها.
الصورة
قوات روسية في درعا البلد، 2021 (سام حريري/فرانس برس)

سياسة

لا حلّ للأزمة السورية بعد تسع سنوات من عمر التدخل الروسي في سورية الذي بدأ في 2015، وقد تكون نقطة الضعف الأكبر لموسكو في هذا البلد.