المتمرّد على كل التصنيفات والألقاب

12 سبتمبر 2018
(Getty)
+ الخط -
هذه المرة يبدو الخبر حقيقياً. كل الشائعات التي لاحقت رشيد طه في حياته، كانت تسقط واحدة تلو الأخرى. إلا خبر الموت.
رحل رشيد طه إثر أزمة قلبية، رحل قبل خمسة أيام من ميلاده، قبل أن يكمل عامه الـ 60. عرف القسم الأكبر من الجمهور رشيد طه من خلال استعادته لأغنية "يا رايح وين مسافر"، ثمّ رسخ نجوميّته العربية مع "عبد القادر" التي استعادها بصحبة الثنائي الشاب خالد وفضيل، في حفلة من أهم الحفلات الموسيقية في التسعينيات، ليس في باريس فقط، ولا في الوطن العربي، بل في العالم: 1,2,3 Soleils.



رشيد طه ابن الجزائر، ولد عام 1958، يوم 18 سبتمبر/أيلول، وسافر مع عائلته إلى فرنسا. وبعد العمل في وظائف عدة بعيدة عن الموسيقى، انتفض على شكل حياته ومسارها وأعلن وجوده في الساحة الفنية مطلع الثمانينيات مع فرقة Carte de Séjour. بصوت جديد، استمر رشيد مع الفرقة حتى نهاية الثمانينيات، وكان في تلك الفترة يحاول اكتشاف نفسه، من خلال التعبير عن كل القضايا التي يؤمن بها، سياسية كانت أو اجتماعية، وبالطبع على رأسها العنصرية، العنصرية بكل أشكالها.
وجد طه نفسه في التسعينيات، في رحلة تدريجية في التعلم وإدراك العالم، تعلّم إخراج كل صراعات العالم في الموسيقى والأغاني، وقد تجلى ذلك بشكل واضح منتصف التسعينيات خاصة مع ألبوم "ديوان" (1998) وألبوم حفلة 1,2,3 Soleils. ألبوم "ديوان" وما حمله من موسيقى جزائرية شعبية مزجت بتوزيعات عالمية، ساعدت رشيد طه على ترسيخ هوية فنية معينة اقرب إلى شخصيته الحقيقية: أنا هنا لأصنع البهجة والموسيقى، لأصرخ في العالم بكل قوة. كانت النصف الثاني من التسعينيات ومطلع الألفية، الحقبة الذهبية لابن مدينة وهران.
يحكي رشيد طه في مقابلاته المختلفة، وفي فترات متباعدة نسبياً، عن كلاسيكيات الموسيقى العربية، التي كانت تتسلّل من راديو والده في منزلهم الفرنسي. أم كلثوم تحديداً. هذا الأثر وإن تأخّر إلا أنه عاد ليظهر في أعمال طه، فأعاد تقديم أغانٍ عربية قديمة، مثل "جانا الهوى"، لعبد الحليم حافظ، التي قدمها في ألبوم "ديوان 2"، في عام 2006، وفي الألبوم ذاته قدم طقطوقة أم كلثوم الرائعة، "غنيلي شوي". أم كلثوم التي سيعود ليحييها مرة ثانية في الألبوم الأخير له "زووم" (2013)، من خلال "زوم على أم" ومن خلال روح العمل كاملاً. هل توقّف هنا؟ طبعاً لا. أعاد بعدها تقديم "حبينا" لفريد الأطرش. يثور رشيد طه على كلاسيكيات الغناء العربي، يعيد تصويرها وتوزيعها وأداءها وفق ما يراه، العربي الذي هاجر إلى فرنسا. اختلاف وتمرّد ليس في التوزيع فقط، بل في الصوت أيضاً، أداء صوتي مختلف تماماً عن الأداء العربي التقليدي.


خلق رشيد طه صوته الخاص، حتى في غنائه الطربي، فمزج بين كل أنواع الموسيقى، كل ما صادفه في رحلاته، في غربته وعلاقته المتمردة مع الغرب، مع فرنسا، مع موطنه ومع العالم العربي.
سمّي رشيد طه زوراً بمغني "راي". لم يكن كذلك، غنّى الراي، وغنى الروك، وغنى البوب، وغنى الشعبي. في مقابلة مع موقع جزائري، يبدو رشيد طه غاضباً من تصنيفه من قبل عدد من المنتجين بمغني الراي: "بالنسبة للكثيرين هنا (فرنسا/الغرب)، لا يستطيع العربي تقديم أي موسيقى أخرى غير الراي. أنا زعزعتهم. مثلاً في أحد الأيام التقيت الكاتب والإعلامي الفرنسي الشهير فريديريك بيغبيدر. وكان هو الآخر يعتقد أنني مغني راي شرقي. وعندما علم أنني أعمل مع المنتج البريطاني المرموق Brian Eno أصبح على الفور من المعجبين بأعمالي، كما لو أنك تحتاج إلى توصية أو شهادة عندما تكون موسيقيًا عربيًا لتكسب الإعجاب". ويكمل حديثه عن موسيقى الراي، معلناً وفاة هذا النوع الموسيقي في فرنسا "الجميع أعاد تسجيل أغاني راي قديمة، من دون التمييز على أساس الجودة. لا أريد أن أدخل في لعبة الأسماء، لكن خذ الشاب مامي على سبيل المثال...".





المساهمون