من حين إلى آخر، يثار جدال في الكويت حول المباني الأثرية، خصوصاً حين يهدم بعضها لغايات تجارية أو غير ذلك، من دون تدخل من الدولة. ويسعى بعض الناشطين إلى حماية آثار البلاد، نظراً لقيمتها التاريخية.
يحاول الكويتيون المهتمون بالفنون والآثار الحفاظ على ما تبقى من مدينة الكويت القديمة، في ظل كثرة المباني الإسمنتية والأبراج الشاهقة التي تبنيها المصارف والشركات والوزارات التابعة للدولة. وأثار هدم "بيت لوذان"، وهو مبنى أثري بني مطلع القرن الماضي لصالح الشيخ صباح السالم الصباح، والذي أصبح أميراً للكويت، جدالاً في البلاد. بعد وفاته، تحوّل إلى مركز فني وثقافي لتعليم العزف والرسم والحرف. لكن الورثة قرروا التخلي عنه وبيعه لإقامة مجمع تجاري، خصوصاً أن الأرض تقع في منطقة مطلة على البحر.
ووقع مئات الكويتيين على عريضة تطالب ملاكي المبنى بالتراجع عن قرار البيع إلى شركة عقارية تنوي إقامة مجمع تجاري ضخم، ووقعوا عريضة أخرى تطالب الحكومة بشراء البيت الأثري. ويقول النائب محمد الدلال إن هدم بيت لوذان يمثل انتكاسة حضارية وإنسانية للبلاد، وإن الحكومة لا تملك أية خطة للحفاظ على المباني الأثرية في البلاد من الهدم والتفتت.
ونظم طلاب كلية العمارة في جامعة الكويت وقفة احتجاجية أمام بيت لوذان، أثناء قيام آلات الشركات التجارية بهدمه. وقالت هالة العيسى، إحدى المنظمات: "فشلنا في الحفاظ على بيت لوذان، لكننا نأمل أن تستمر هذه الاحتجاجات للحفاظ على بقية البيوت والأماكن الأثرية داخل العاصمة وخارجها".
ولم يكن قرار هدم بيت لوذان التعدي الوحيد على المباني الأثرية في الكويت، إذ سبق للحكومة الكويتية أن هدمت مسجد شملان الرومي الأثري، الذي بني في عام 1893، بهدف استكمال بناء طريق الدائري الأول من خلاله. ورفض الورثة قرار الحكومة، ورفعوا قضية في المحاكم الكويتية. لكن القاضي أمر بالصلح بين وزارة الأشغال المخولة بالبناء والورثة، من خلال نقل المسجد إلى مكان آخر داخل العاصمة.
مسجد العتيقي في العاصمة (العربي الجديد) |
ويقول مسؤول كبير في بلدية العاصمة لـ "العربي الجديد": "أحترم أولئك الذين يطالبون بعدم هدم المباني الأثرية، لكنني أراهم يحلمون أكثر من اللازم. في حالة مسجد شملان الرومي، أعيق تنفيذ مشروع الدائري الأول أكثر من 15 شهراً بسبب وقف أعمال الهدم وتحويل القضية إلى المحكمة قبل الصلح بين ورثة صاحب المسجد والحكومة. أما في ما يتعلق ببيت لوذان، فمن الصعب الذهاب إلى أصحاب المبنى، والمطالبة بالتخلي عن ملايين الدنانير التي سيحصلون عليها في مقابل الحفاظ على مرسم ومكان لعزف البيانو، إذ يمكن للآخرين أن يعزفوا في أي مكان".
إلا أن الناشط محمد الخالد وصف تصريحات مسؤول البلدية بـ "المستهترة". ويقول لـ "العربي الجديد": "المسؤولون يفكرون دوماً بالقيمة المالية على حساب القيمة الثقافية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال تقدير قيمة مكان تراثي جرت عليه آلاف القصص بأموال تأتي وتذهب".
ويحاول محمد بصحبة مجموعة تطوعية مرافقة تسجيل الأماكن الأثرية في العاصمة الكويت، على رأسها المساجد القديمة، بغية توثيقها وخشية اندثارها وضياعها لاحقاً على يد الحكومة التي استغلت في فترات متقطعة انشغال الحراك المدني في الكويت بالاحتجاجات السياسية، وعمدت إلى هدم عدد من المساجد القديمة بحجة بناء أماكن تابعة للحكومة مكانها.
توثيق بلقطة ليلية (العربي الجديد) |
ويملك المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب قائمة بأسماء الأماكن الأثرية في الكويت التي يحميها ويشرف عليها، كما أن لديه ميزانية خاصة بترميم هذه الأماكن وإعادة تأهيلها وافتتاحها كمتاحف للزوار، كما حدث مع القصر الأحمر الذي يقع شمال الكويت، وجرت فيه معركة الجهراء في عام 1920. وحوّل المجلس بيت المستشرق البريطاني السابق ديكسون إلى متحف وسط العاصمة، لكن ميزانية المجلس تبدو محدودة في ظل ارتفاع أسعار العقارات الأثرية الخاصة، ورغبة ملاكها في بيعها والحصول على ثمنها.
ويقول الكاتب والأديب مهدي سليمان لـ "العربي الجديد": "حال الآثار في الكويت مؤسف جداً بسبب الإهمال الحكومي وعدم رغبة الشركات في الحفاظ عليها جشعاً منها، وطمعاً في الحصول على مزيد من الأموال والأراضي. المباني الإسمنتية الشاهقة كثرت في المدينة على حساب كل ما هو مرتبط بالماضي. كما أن بعض الجماعات المتشددة دمرت القبور والأضرحة التاريخية بحجة الخوف من عبادتها.
ودمر مجهولون مقام نبي الله الخضر في جزيرة فيلكا شرق الكويت، بسبب بعض الأشخاص الذين يتبركون به طلباً للمعونة، ما يخالف التعاليم السلفية المتشددة التي ينتهجها التيار الإسلامي في البلاد. وبحسب المرسوم الأميري رقم 11 لعام 1960 ضمن قانون الآثار (11/ 1960)، فإنّ كل ما صنعه الإنسان أو أنتجه أو شيده قبل أربعين سنة ميلادية، يعدّ من الآثار الواجب دراستها وتسجيلها، وصيانة ما تجدر صيانته منها.
وينص القانون في مادته الخامسة: "كل الآثار المنقولة وغير المنقولة، الموجودة في باطن أراضي الكويت، تعد من أملاك الدولة العامة. أما الآثار الظاهرة على سطح الأراضي الكويتية، فتبقى في تصرف مالكيها إلى أن يتم لوزارة الإعلام استملاك ما ترى ضرورياً لاستملاكه منها.
إلا أن المحامي والخبير القانوني حسين العصفور، يقول لـ "العربي الجديد": "الدولة مقصرة في الحفاظ على الآثار ومتابعة أولئك الذين يهدمون المباني الأثرية لمصالح شخصية، أو يهملونها في محاولة لدفع الدولة لبيعها واستفادة التجار منها.