عند السادسة صباحاً يخرج البائع المتجول فضل المولى (18 عاماً)، من منطقته في أطراف الخرطوم ليأخذ دوره في صف الباحثين عن المانجو الخضراء (غير الناضجة)، ليبيعها إلى المواطنين خلال النهار.
فقد وجدت هذه الفاكهة رواجاً كبيراً في الشارع السوداني خلال الفترة الأخيرة، خاصة وسط طلاب الجامعات، حيث تطلق عليها تسمية "طعام الفقراء"، باعتبار أنها تُشبع الجائعين وتغني عن وجبة كاملة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد، لا سيما بعد انفصال جنوب السودان قبل ثلاثة أعوام وسحب إيرادات النفط الجنوبي من خزينة الدولة.
تجارة حديثة ومربحة
يقول المولى، لـ"العربي الجديد"، إن "بيع المانجو الخضراء بالشطة، يعتبر عملاً مربحاً بالنظر إلى زيادة مستهلكيها بشكل يومي"، ويوضح: "في البدء كان الزبائن من طلاب الجامعات، والآن تمددوا إلى فئات مختلفة بما فيهم كبار السن".
إذ تكاد لا تخلو جامعة في الخرطوم ومواقف المواصلات العامة من مجموعات كبيرة من الباعة يقفون خلف عربات خشبية صغيرة أسندت بإطارات صغيرة وضعت عليها كمية كبيرة من المانجو الخضراء بأشكالها وأحجامها المختلفة. وعلى زاوية من تلك "الترتبيزة" الخشبية، يوضع إناء بلاستيكي كبير بداخله مزيج من الشطة التي خلطت بالليمون والماء والفول السوداني المطحون، وهو ما يعرف محلياً بـ"الشطة بالدكوة ".
وفي إناء آخر يوضع الملح، فضلاً عن مجموعة أكياس تستخدم في بيع المانجو. فما إن يختار المشتري المانجو التي يريد حتى يتم تقطيعها في شكل شرائح ووضعها في الكيس مع قليل من الشطة أو الملح حسب الرغبة، وذلك مقابل مبلغ مادي يراوح بين جنيه إلى ثلاثة جنيهات، حسب نوع وحجم المانجو.
في البدء اقتصرت عملية الترويج للمانجو بالشطة عبر عدد من الصبية تراوح أعمارهم بين 11 إلى 16 عاماً، ليظهر أخيراً رجال ونساء يقبلون على بيعها باعتبارها أقل كلفة من الوجبات الغذائية الأخرى وأكثر ربحاً. ليتمدد انتشار هذه التجارة إلى الأحياء والطرقات الرئيسية.
ليست المانجو بالشطة الوجبة الوحيدة التي يتحايل فيها السودانيون على جوعهم، فقد سبق أن عرف الشارع سابقاً وجبة "التبش بالشطة"، و"التبش" هو أحد أنواع القرعيات يزرع في السودان وكان يباع في المدارس ويقدِم عليه الطلبة بنهم باعتباره وجبة مشبعة أيضاً.
ويذكر فضل المولى أنه عادة يبتاع "كرتونة" ونصف من المانجو الخضراء ليصل سعرها إلى ما بين 50 و90 جنيهاً ويحقق ربحاً في اليوم يصل إلى 150 جنيهاً. ويؤكد أنه نادراً ما يفشل في بيع كل الكمية، ويضيف: "الآن أصبحت المانجو غير الناضجة أعلى سعراً من الناضجة، بسبب الإقبال الكبير عليها". ويؤكد أن أسعار المانجو بالشطة زهيدة ويرتفع سعرها وفق حجمها. ويضيف: "درجت على بيعها في مواقف المواصلات، لتنوّع الزبائن، في حين أن أخوتي يبيعونها أمام الجامعات".
وجبة تسد الجوع
وتقول لبنى، (موظفة): "أنا من محبي المانجو الخضراء بالشطة، وأقدم على شرائها يومياً، فهي بمثابة وجبة دسمة تسند جوعي إلى أن أصل للمنزل"، وتوضح: "أحياناً أخرج من العمل بين السادسة والسابعة مساءً وأشعر بالجوع منتصف النهار، وما أتقاضاه من مرتبي لا يمكّنني سوى من شراء وجبة الفطور. لذا المانجو لا تشعرني بالجوع طوال النهار إلى أن أصل للمنزل". وتتابع: "كما أنها حادقة وطعمها لذيذ جداً وثقيلة في المعدة". وتردف: "وهناك من يتناولها كنوع من الفاكهة فقط".
أما إيمان (طالبة جامعية)، فتقول: "أنا شخصياً وجدت في المانجو اكتشافاً خطيراً، فهي تغنيني عن وجبة الإفطار في الجامعة. فبدلاً من شراء سندوتش فول أو فلافل بثلاثة جنيهات، وهو أصلاً غير مشبع، يمكن أن أشتري مانجو بالملح بجنيه واحد، وأشارك في صندوق مشترك (جمعية)، مع زميلاتي في الجامعة بالاثنين جنيه الباقية. وفي النهاية أستفيد من مبلغ الجمعية وأشتري به احتياجاتي كفتاة. إذ إن عائلتي بالكاد تستطيع أن توفر لي مصاريف الجامعة اليومية".
وتدخل ظاهرة المانجو بالشطة ضمن الاقتصاد الهامشي الذي عادة ما ينتشر ويتمدّد ويظهر بأساليب وابتكارات مختلفة في الدول الفقيرة والتي تشتكي من البطالة وتفتقر للتخطيط الاقتصادي السليم .
بين الفقر والبطالة
ويرى الخبير الاقتصادي، كمال كرار، أن "انتشار ظاهرة تجارة المانجو بالشطة أو ما يطلق عليه مجازاً لقب "طعام الفقراء"، يعود لعجز سوق العمل عن استيعاب العمال والخريجين بمختلف اختصاصاتهم، فضلاً عن تسرّب الطلاب من المدارس لعدم القدرة على مواصلة التعليم، إلى جانب الحرب ونزوح الآلاف نحو المدن بسبب التهميش وخلافه، ما يدفع السوق لاختراع سلع وفق حاجات المجتمع".
ويوضح: "عادة ينمو القطاع الهامشي والذي أخذ التسمية من تمركزه في الأنشطة غير المنتجة وغير المساهمة في الاقتصاد الفعلي، على حساب القطاع المنتج، باعتبار أن الأول يستهلك جهد وطاقات الفئات المنتجة والتي تمثل الموارد البشرية للبلاد". يذكر أن ظاهرة المانجو بالملح ترتبط بالفقر باعتبارها تمثل وجبة للبعض، إذ تحتوي على سعرات حرارية كثيرة وتتيح فترة طويلة قبل أن يشعر أحدهم بالجوع مرة أخرى.
ويقول مدير معهد الدراسات والبحوث الإنمائية في جامعة الخرطوم، الدكتور عثمان البدري، لـ"العربي الجديد"، إن "هذه الظاهرة تأتي في إطار البحث عن دخل مادي وبأقل كلفة". ويؤكد أن تناول المانجو بالشطة بشكل متكرر ومتواصل له أضرار كبيرة على الصحة، من حيث التأثير على الأمعاء وعلى الكلى، رغم أن متناوليها يؤكدون أنها تغنيهم عن الأكل. ويضيف: "عادة ما ينتشر باعة المانجو في الجامعات، باعتبار أن الطلاب أكثر فئة تعاني من الفقر وقلة المدخول، وتشكل عملية المواصلات أكبر مشكلة بالنسبة لهم، إذ ينفقون جل الأموال التي يحصلون عليها من أهلهم أو من أعمالهم في المواصلات، ما يصعّب توفير وجبة الإفطار".
ويتابع البدري: "يأتي ذلك برغم أن الوجبات في الجامعات تباع بأسعار أقل من الخارج باعتبارها مدعومة"، ويوضح: "عموماً اقتصاد الهامش يعتبر مرهقاً اقتصادياً وجسدياً وظهوره يدل على ارتفاع معدلات البطالة، فضلاً عن تداعيات الحروب والنزوح، ما جعل البعض يلجأ للحلول الطارئة والآنية لتوفير دخل مناسب".
إقرأ أيضا: السوق السوداء تقبض على الاقتصاد الليبي
فقد وجدت هذه الفاكهة رواجاً كبيراً في الشارع السوداني خلال الفترة الأخيرة، خاصة وسط طلاب الجامعات، حيث تطلق عليها تسمية "طعام الفقراء"، باعتبار أنها تُشبع الجائعين وتغني عن وجبة كاملة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد، لا سيما بعد انفصال جنوب السودان قبل ثلاثة أعوام وسحب إيرادات النفط الجنوبي من خزينة الدولة.
تجارة حديثة ومربحة
يقول المولى، لـ"العربي الجديد"، إن "بيع المانجو الخضراء بالشطة، يعتبر عملاً مربحاً بالنظر إلى زيادة مستهلكيها بشكل يومي"، ويوضح: "في البدء كان الزبائن من طلاب الجامعات، والآن تمددوا إلى فئات مختلفة بما فيهم كبار السن".
إذ تكاد لا تخلو جامعة في الخرطوم ومواقف المواصلات العامة من مجموعات كبيرة من الباعة يقفون خلف عربات خشبية صغيرة أسندت بإطارات صغيرة وضعت عليها كمية كبيرة من المانجو الخضراء بأشكالها وأحجامها المختلفة. وعلى زاوية من تلك "الترتبيزة" الخشبية، يوضع إناء بلاستيكي كبير بداخله مزيج من الشطة التي خلطت بالليمون والماء والفول السوداني المطحون، وهو ما يعرف محلياً بـ"الشطة بالدكوة ".
وفي إناء آخر يوضع الملح، فضلاً عن مجموعة أكياس تستخدم في بيع المانجو. فما إن يختار المشتري المانجو التي يريد حتى يتم تقطيعها في شكل شرائح ووضعها في الكيس مع قليل من الشطة أو الملح حسب الرغبة، وذلك مقابل مبلغ مادي يراوح بين جنيه إلى ثلاثة جنيهات، حسب نوع وحجم المانجو.
في البدء اقتصرت عملية الترويج للمانجو بالشطة عبر عدد من الصبية تراوح أعمارهم بين 11 إلى 16 عاماً، ليظهر أخيراً رجال ونساء يقبلون على بيعها باعتبارها أقل كلفة من الوجبات الغذائية الأخرى وأكثر ربحاً. ليتمدد انتشار هذه التجارة إلى الأحياء والطرقات الرئيسية.
ليست المانجو بالشطة الوجبة الوحيدة التي يتحايل فيها السودانيون على جوعهم، فقد سبق أن عرف الشارع سابقاً وجبة "التبش بالشطة"، و"التبش" هو أحد أنواع القرعيات يزرع في السودان وكان يباع في المدارس ويقدِم عليه الطلبة بنهم باعتباره وجبة مشبعة أيضاً.
ويذكر فضل المولى أنه عادة يبتاع "كرتونة" ونصف من المانجو الخضراء ليصل سعرها إلى ما بين 50 و90 جنيهاً ويحقق ربحاً في اليوم يصل إلى 150 جنيهاً. ويؤكد أنه نادراً ما يفشل في بيع كل الكمية، ويضيف: "الآن أصبحت المانجو غير الناضجة أعلى سعراً من الناضجة، بسبب الإقبال الكبير عليها". ويؤكد أن أسعار المانجو بالشطة زهيدة ويرتفع سعرها وفق حجمها. ويضيف: "درجت على بيعها في مواقف المواصلات، لتنوّع الزبائن، في حين أن أخوتي يبيعونها أمام الجامعات".
وجبة تسد الجوع
وتقول لبنى، (موظفة): "أنا من محبي المانجو الخضراء بالشطة، وأقدم على شرائها يومياً، فهي بمثابة وجبة دسمة تسند جوعي إلى أن أصل للمنزل"، وتوضح: "أحياناً أخرج من العمل بين السادسة والسابعة مساءً وأشعر بالجوع منتصف النهار، وما أتقاضاه من مرتبي لا يمكّنني سوى من شراء وجبة الفطور. لذا المانجو لا تشعرني بالجوع طوال النهار إلى أن أصل للمنزل". وتتابع: "كما أنها حادقة وطعمها لذيذ جداً وثقيلة في المعدة". وتردف: "وهناك من يتناولها كنوع من الفاكهة فقط".
أما إيمان (طالبة جامعية)، فتقول: "أنا شخصياً وجدت في المانجو اكتشافاً خطيراً، فهي تغنيني عن وجبة الإفطار في الجامعة. فبدلاً من شراء سندوتش فول أو فلافل بثلاثة جنيهات، وهو أصلاً غير مشبع، يمكن أن أشتري مانجو بالملح بجنيه واحد، وأشارك في صندوق مشترك (جمعية)، مع زميلاتي في الجامعة بالاثنين جنيه الباقية. وفي النهاية أستفيد من مبلغ الجمعية وأشتري به احتياجاتي كفتاة. إذ إن عائلتي بالكاد تستطيع أن توفر لي مصاريف الجامعة اليومية".
وتدخل ظاهرة المانجو بالشطة ضمن الاقتصاد الهامشي الذي عادة ما ينتشر ويتمدّد ويظهر بأساليب وابتكارات مختلفة في الدول الفقيرة والتي تشتكي من البطالة وتفتقر للتخطيط الاقتصادي السليم .
بين الفقر والبطالة
ويرى الخبير الاقتصادي، كمال كرار، أن "انتشار ظاهرة تجارة المانجو بالشطة أو ما يطلق عليه مجازاً لقب "طعام الفقراء"، يعود لعجز سوق العمل عن استيعاب العمال والخريجين بمختلف اختصاصاتهم، فضلاً عن تسرّب الطلاب من المدارس لعدم القدرة على مواصلة التعليم، إلى جانب الحرب ونزوح الآلاف نحو المدن بسبب التهميش وخلافه، ما يدفع السوق لاختراع سلع وفق حاجات المجتمع".
ويوضح: "عادة ينمو القطاع الهامشي والذي أخذ التسمية من تمركزه في الأنشطة غير المنتجة وغير المساهمة في الاقتصاد الفعلي، على حساب القطاع المنتج، باعتبار أن الأول يستهلك جهد وطاقات الفئات المنتجة والتي تمثل الموارد البشرية للبلاد". يذكر أن ظاهرة المانجو بالملح ترتبط بالفقر باعتبارها تمثل وجبة للبعض، إذ تحتوي على سعرات حرارية كثيرة وتتيح فترة طويلة قبل أن يشعر أحدهم بالجوع مرة أخرى.
ويقول مدير معهد الدراسات والبحوث الإنمائية في جامعة الخرطوم، الدكتور عثمان البدري، لـ"العربي الجديد"، إن "هذه الظاهرة تأتي في إطار البحث عن دخل مادي وبأقل كلفة". ويؤكد أن تناول المانجو بالشطة بشكل متكرر ومتواصل له أضرار كبيرة على الصحة، من حيث التأثير على الأمعاء وعلى الكلى، رغم أن متناوليها يؤكدون أنها تغنيهم عن الأكل. ويضيف: "عادة ما ينتشر باعة المانجو في الجامعات، باعتبار أن الطلاب أكثر فئة تعاني من الفقر وقلة المدخول، وتشكل عملية المواصلات أكبر مشكلة بالنسبة لهم، إذ ينفقون جل الأموال التي يحصلون عليها من أهلهم أو من أعمالهم في المواصلات، ما يصعّب توفير وجبة الإفطار".
ويتابع البدري: "يأتي ذلك برغم أن الوجبات في الجامعات تباع بأسعار أقل من الخارج باعتبارها مدعومة"، ويوضح: "عموماً اقتصاد الهامش يعتبر مرهقاً اقتصادياً وجسدياً وظهوره يدل على ارتفاع معدلات البطالة، فضلاً عن تداعيات الحروب والنزوح، ما جعل البعض يلجأ للحلول الطارئة والآنية لتوفير دخل مناسب".
إقرأ أيضا: السوق السوداء تقبض على الاقتصاد الليبي