مال "الأوليغارشية الروسية" يورط قادة أحزاب اليمين المتشدد بأوروبا... سالفيني ليس الأخير
يبدو أن دائرة توريط ساسة اليمين الأوروبي القومي المتطرف، من خلال مال النخبة الروسية، أو ما تطلق عليه الصحافة الغربية "أموال الأوليغارشية" المقربة من الكرملين، تتوسع أكثر فأكثر، فعين روسيا على الاتحاد الأوروبي "المنقسم والضعيف وغير المؤثر"، بحسب ما يذهب إليه المراقبون، تدفعها، بشكل غير مسبوق، لتبديل استراتيجية اتهامها بالتلاعب بالانتخابات وبث الأخبار الزائفة، إلى علاقات نشطة وباستخدام المال مع أقصى اليمين المتشدد، وترك حتى جماعات التطرف القومي الروسية، تحت عنوان "يورواسيا"، تقيم علاقات وثيقة مع جماعات فاشية غربية.
اليوم الثلاثاء، يجد زعيم حزب "الليغا" ونائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني، ومستشاره جيانلوكا سافويني، نفسَيهما في عين عاصفة سياسية وصحافية، مع توسع المطالبة حتى من حلفاء سالفيني الشعبويين بفتح تحقيق برلماني في ما ينسب إليه من تلقي أموال روسية.
وتبدو القضية أشبه من حيث الشكل والمضمون بفضيحة نائب مستشار النمسا، وزعيم حزب "الحرية" المضطر للاستقالة، هاينز كريستيان شتراخه، في مايو/ أيار الماضي، بفعل "فضيحة إيبيزا"، التي دارت أيضا حول عروض مالية لقاء تسهيل مصالح روسية في النمسا.
وبعد أيام قليلة على كشف الموقع الإخباري "بازفيد" وجود تسجيل صوتي بين ثلاثة من رجال الأعمال الروس وثلاثة من الإيطاليين في فندق "ميتروبول" في موسكو، حيث كان من المقرر رسميا التباحث في قضايا نفطية، إلا أن الاجتماع في حقيقته كان للتغطية على دعم غير قانوني لحزب "الرابطة"، بات الحزب وزعيمه سالفيني في موقع محاصر اليوم.
وإلى جانب مطالبة رئيسي وزراء سابقين، ومنهما ماتيو رينزي، تقديم سالفيني توضيحات رسمية أمام البرلمان، تتوتر اليوم علاقة الرجل بأطراف في حكومته.
بداية القضية..
القضية التي بدأت في موسكو، وهي على ما يبدو نتاج علاقة سياسية واضحة في تأييد اليمين الإيطالي المتشدد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في علاقته المتوترة مع الاتحاد الأوروبي، برفض صريح للعقوبات على موسكو من طرف سالفيني شخصيا، دارت بشكل رئيس حول الطريقة التي يمكن من خلالها تغطية الدعم المالي الروسي لحزب "الرابطة".
توتر العلاقة بين سالفيني من جهة، ورئيس الوزراء الإيطالي غيسبي كونتي، وحليفه في الحكم زعيم حركة "النجوم الخمس" لويجي دي مايو من جهة أخرى، لم يعد خافيا على الصحافة الإيطالية اليوم الثلاثاء في معرض عرضها لما يجري في كواليس البرلمان في روما.
ورغم أن الاجتماع المشار إليه حصل في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بحضور مستشار سالفيني، جيانلوكا سافويني، في الوقت ذاته حين كان ماتيو سالفيني بنفسه يجري لقاءات رسمية أخرى في موسكو، بعناوين "مباحثات مع شركة النفط الروسية".
وكشفت التسجيلات المشار إليها في لقاء سافويني وممثلي الجانب الروسي في الفندق، من بين أشياء أخرى، أن الهدف "تأسيس تحالف قوي بين روسيا والأحزاب القومية المحافظة (اليمين القومي المتشدد) حول أوروبا". وبالإضافة إلى ذلك، فقد عبر المستشار سافويني عن أن حزب الرابطة "سيعمل على تقوية الدولة الوطنية (وهو شعار يرفعه معارضي الاتحاد الأوروبي)، والحد من قوة الاتحاد الأوروبي، ولتنسيق ملايين اليوروات من أموال النفط إلى حزب ماتيو سالفيني دون أن تكتشفها السلطات"، وهو على الأقل ما احتواه تفريغ موقع "بازفيد" للتسجيل المشار إليه.
استراتيجية موسكو..
ومن بين ما يثير الانتباه أن الاستراتيجية الروسية في التعاطي مع دعم مواقف اليمين المتشدد تبدو متطابقة، لجهة تقوية موقعها الانتخابي.
وفي التسجيل، يذكر المستشار الإيطالي أن أوروبا ستشهد في "مايو المقبل (مايو/أيار الماضي 2019) انتخابات البرلمان الأوروبي، ونرغب في تغيير أوروبا، أوروبا جديدة تكون قريبة من روسيا كما في السابق، فنحن نود تأمين سيادتنا ونقرر مستقبلنا ومستقبل أطفالنا، ولا نريد أن نكون ملزمين بقرارات المتنورين في بروكسل وأميركا. إن سالفيني هو الأول الراغب في تغيير كل أوروبا".
والواضح من الحديث أن التنسيق الذي قام به ماتيو سالفيني في فترة لاحقة، أي في إبريل/نيسان، بعد ذلك اللقاء وقبيل انتخابات البرلمان الأوروبي، في ميلانو الإيطالية، مع الأحزاب اليمينية المتشددة، يبدو وكأنه في سياق ما جرت مناقشته في لقاء موسكو، حيث يقول المستشار جيانلوكا سافويني عن حزبه، الرابطة وسالفيني: "لسنا وحدنا، لدينا حلفاؤنا في حزب البديل لأجل ألمانيا، والتجمع الوطني من فرنسا، وفيديز في المجر، وديمقراطيو السويد، فنحن نريد فعلا بناء تحالف من هذه الأحزاب المؤيدة لروسيا (وانضم بالطبع لتحالف ميلانو أحزاب وشخصيات من أحزاب أخرى من غير الذين أشار إليهم المستشار سافويني في أكتوبر الماضي)".
ولنحو ساعة وربع، جرت مناقشات فندق موسكو ودارت حول كيفية التلاعب بالنظام المصرفي في إيطاليا لتحويل ملايين الأموال التي يمنع القانون الإيطالي إرسالها كمنح من دول أجنبية للأحزاب السياسية.
ويبدو أن لعبة المقايضة حضرت مرة ثانية في الطريقة الروسية لضخ المال لتقوية اليمين المتطرف عن طريق تصديرات نفطية بقيمة كبيرة، يخصم منها ما يصل إلى 65 مليون يورو التي "ستختفي عن القنوات الرسمية وتذهب لحزب سالفيني"، بحسب التسريب، والتي اعتبر المستشار الإيطالي أنه "يمكن استخدامها لدعم الحملات الانتخابية (للبرلمان الأوروبي)".
الروس على ما يبدو يراهنون على ماتيو سالفيني، الذي عبر في أكثر من مناسبة عن إعجابه أيضا بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، معتبرين أنه "ترامب أوروبي".
ورغم أن الشخصيات الروسية التي شاركت في اللقاء لم تُعرف هويتها، إلا أن الموقع "بازفيد" ذكر "معرفة الحكومة الروسية بوقوعه، بمن في ذلك نائب رئيس الوزراء الروسي ديمتري كوزاك".
تفاعلات مستقبلية
اليوم الثلاثاء، وبعد أن وصل التوتر إلى ما وصل إليه، وتعالي الدعوات في روما إلى جلسة استماع برلمانية، حتى من حليف سالفيني لويجي دي مايو، الذي تتوتر أصلا علاقته مع سالفيني على وقع نتائج الانتخابات الأوروبية، يعود الرجل لينفي: "لم أحصل ولا على روبل أو يورو واحد أو ليتر فودكا واحد"، وهو تكرار لنفي سابق.
ورغم النفي المتكرر، تنقل الصحافة الإيطالية أن المدعي العام في ميلانو ذاهب نحو فتح تحقيق قضائي في القضية.
ورغم النفي من سالفيني أو مستشاريه، بمن فيهم الشخصية الرئيسية في القضية سافويني، إلا أن الشكوك تتوسع دائرتها ويزداد الضغط الداخلي على تحالف الحكم الإيطالي، بعد أن بدأت الصحف الإيطالية تنبش علاقة ما جرى، وزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى روما قبل نحو 10 أيام، مستعيدين قول بوتين لصحيفة "كوريرا ديلا سيرا": "تواصلنا دائم مع الليغا (حزب الرابطة)، ولدى سالفيني موقف قلبي حار تجاه بلدنا (روسيا)".
ويذكر أنه في فبراير/شباط الماضي ذهبت أسبوعية "لي اسبرسو" الإيطالية إلى اتهام صريح لسالفيني بتلقي 3 ملايين يورو من الكرملين، لكن عنوان غلافها وتقريرها لم يثر الرأي العام كما أثاره تسريب بالصوت خرج قبل أيام عن "تنسيق أوسع وأقدم" (من أكتوبر الماضي) من كشف الصحيفة لتلك العلاقة بانتخابات البرلمان الأوروبي.
وبعيدا أيضا عن السجال الإيطالي، باتت روابط الكرملين، وعبر "الأوليغارشية الروسية"، تثير الكثير من علامات الاستفهام لدى ساسة يمين ويسار الوسط والصحافة، وخصوصا لجهة إصرار الكرملين على التأثير على سياسات أوروبا ووحدتها من خلال اليمين المتطرف وقوميين متعصبين.
ويعيد إلى الأذهان أن فضيحة نائب المستشار النمساوي هاينز كريستيان شتراخه لم يمض عليها شهران.
ورغم نفي الرجل تلقي رشى روسية، إلا أن الأسلوب نفسه اتبع مع سالفيني.
وفي السياق، يستحضر في كل السجال الأخير ما أثير أيضا عن علاقة مارين لوبين التي حصلت على ما يسمى "قرض 11 مليون يورو" من أحد بنوك روسيا في 2014، وهو بنك شبه حكومي، إثر موقف واضح مارين لوبين بعكس التيار الأوروبي، أيدت فيه ضم الكرملين لشبه جزيرة القرم، ورغم ذلك نفت أن القرض مشروط سياسيا.
الآن تتجه الأنظار إلى "تحالف ميلانو"، الذي وسعه ماتيو سالفيني في إبريل/ نيسان، وقبيل الذهاب إلى الانتخابات الأوروبية.
ويبدو أن توسع دائرة العلاقة الروسية بتلك الأحزاب سيلقي المزيد من الأضواء على ما يجري من تكتلات في البرلمان الأوروبي الجديد. فمجموعة الأحزاب حصلت على مسمى "الهوية والديمقراطية"، حيث يسعى التكتل لضم والتنسيق مع أحزاب أخرى متشددة للتأثير مع أحزاب صديقة لموسكو على تطبيق سياسة مستقبلية تتعلق بمجمل توجهات الاتحاد الأوروبي وعلاقاته شرقا.