16 نوفمبر 2024
المأزق الدرزي في سورية
لا يمكن وصف الحالة الحاصلة في جنوب سورية بغير المأزق، ذلك أنه، وبعد مرور أربع سنوات من الأحداث، تبين أن المكونين الأساسيين في المنطقة، السنة والدروز، لم يطوروا صيغاً للتنسيق والتفاهم، لتجاوز أي قطوع قد تحصل، كما أنهم لم يطوروا آليات لاحتواء النزاعات التي قد تحصل، وهي احتمالات واردة على الدوام، في ظل بيئة طائفية مستفزة ومستنفرة، وخلاف سياسي لا يخفي نفسه.
دروز سورية، شأنهم شأن غالبية الأقليات في سورية، وقف كثير منهم منذ بداية الثورة مع نظام الأسد، بسبب طبيعة فهمهم للثورة على أنها نوع من التقية السنية، للوصول إلى السلطة، ولكونها ستهدد امتيازاتهم السلطوية في الحاضر، ونمط حياتهم في المستقبل. لذا، لم تبهرهؤلاء كثيرا شعارات الحرية ولا الكرامة، وتمنوا، منذ البداية، وأد هذه الثورة بأسرع وقت ممكن، بشعاراتها وثوارها تجنباً للحرج الذي بدأ يزداد يوماً بعد آخر، حين لم تعد تكفي ذرائع محاربة الإرهاب والتصدي للمؤامرة، لتبرير السكوت عن المذبحة التي تتعرض لها الأكثرية في سورية.
وبالطبع، كان هناك أفراد الدروز من التنويريين واللامنتمين طائفياً، لكنهم، فضلا عن قلتهم، كانوا معزولين عن بيئاتهم وعديمي التأثير، ولا سلطة لهم أمام سلطة رجال الدين الذين أصروا على الوقوف ضد الثورة ومساندة نظام الأسد. ولكن، أمام حجم المقتلة الكبير والدمار الحاصل، لجأ الدروز والعلويون من قبلهم إلى فتح الأبواب لاستقبال اللاجئين، وذلك نوعاً من التعويض النفسي واستثمار مستقبلي، لإثبات أن وقوفهم ضد الثورة لم يكن يعني وقوفهم ضد البيئة التي أنتجتها، وربما شجع رجال الدين هذه الخطوة، لإسكات كل الأصوات المخالفة لهم في الطائفة.
غير أن الثورة التي ستعاند محاولات وأدها ستظهر تحدياً أمام المكون الدرزي، هو أن نتيجة استمرار دعم بشار الأسد ستكون خسائر صافية على مستوى القوة البشرية الدرزية، بعد أن قتل آلاف الشباب الدرزي في مواجهة الثوار، في حين أن الوضع الطبيعي هو احتفاظ الطائفة بمقاتليها لصد الأخطار المباشرة التي بدأت تلوح من جهة الشرق، حيث تتقدم داعش أمام تهاوي دفاعات نظام الأسد عن هذه المنطقة. ومن الجهة الغربية، حيث يقتنع الدروز أن المكون الأساسي لقوات المعارضة هي الكتائب الإسلامية، وتحديداً جبهة النصرة. من هنا، بدأت تظهر أصوات تطالب بمنح محافظة السويداء أسلحة ثقيلة، للدفاع في مواجهة القوى المتطرفة التي ستنتقم، يوماً ما، لقتلاها ولخذلانها. وفي هذا الإطار، ظهرت الحركة الاعتراضية للشيخ وحيد البلعوس، وهي حركة لا لها علاقة بالثورة من قريب أو بعيد، ولا تتعاطف مع الثوار، وليست معنية بمطالب الثورة السورية وأهدافها، بمقدار ما هي خلاف مع سلطة بشار الأسد، فيما يخص قضية تسليح الطائفة بأسلحة نوعية.
لكن، ليس ذلك وحده المأزق، بل تحتوي محافظة السويداء على قطع عسكرية عديدة يستخدمها نظام الأسد في حرب الإبادة الممنهجة ضد سكان الريف الشرقي لمحافظة درعا، في حين تبين أن أهل السويداء يعتبرونها نوعاً من الحماية لهم، وينظرون إلى تحرير الثوار لها بمثابة تهديد وإهانة لهم، وقد أضفت حادثة قلب لوزة مزيداً من التعقيد والشك في العلاقة بين الأطراف، ولا يلام الدروز في تحوطهم، في ظل حالة الفوضى وعدم وجود ضمانات تحميهم، وبعد إعلان زعيم جبهة النصرة، أبو محمد الجولاني، نيته تصحيح معتقداتهم! وربما هذه واحدة من أخطر المشكلات التي أفرزتها الثورة، وهي عدم القدرة على السيطرة على التفاعلات على الأرض، وتوحيد الخطاب والسلوك الثوري، ووضع الأقليات في مستقبل سورية بعد الأسد.
ولعل المشكلة الأكبر أن جغرافية توزع الدروز تقع على طريق الثوار إلى دمشق، سواء من جهة درعا، عبر صحنايا، أو من جهة القنيطرة، حضر وقطنا، ما يضعهم درعاً لحماية دمشق من السقوط بيد الثوار، ويجعل إمكانية الصدام أكبر. ولا شك في أن استمرار التوتر وتراكماته بين الطرفين من شأنه أن يؤدي إلى ما هو غير محمود، ما لم يلجأ الطرفان، وبأسرع وقت، إلى إيجاد تفاهمات واضحة، وهو ما لا يبدو ممكناً حتى اللحظة؟ ويتزامن ذلك مع تدخلات خارجية قام بها حزب الله، وخصوصاً في منطقة السفح الشرقي لجبل الشيخ، وتحديداً في مثلث حضر- جباثا الخشب، حيث توجد سبع قرى درزية، وكتلة سكانية تبلغ الأربعين ألف نسمة، وقد شكّل حزب الله في هذه المناطق كتائب تحت مسمى "المقاومة السورية"، وهي، في حقيقتها، ليست سوى أنساق دفاعية في مواجهة الثوار، ولحماية ظهر الحزب في منطقة البقاع الغربي، ولقطع طرق الإمداد عن الثوار من لبنان، وتملك هذه المنطقة طرقاً مفتوحة مع مناطق الدروز في حاصبيا، تعمل على تغذية الكتائب الدرزية بمقاتلين وأسلحة من دروز لبنان، وخصوصاً المؤيدين لوئام وهاب وطلال أرسلان، اللذين لديهما موقف سلبي تجاه الثورة السورية.
المشكلة أيضا في المأزق الدرزي أنه قد يؤدي إلى اشتعال حريق واسع في المنطقة، يشمل مناطق في سورية ولبنان وفلسطين، وحتى الأردن، نظراً لتجاور السنة والدروز في هذه المناطق، والتداخل في أماكن انتشارهم، على امتداد حيز جغرافي، يمتد من الأزرق في الأردن إلى جبل العرب، وصولا إلى جبل الشيخ والجولان والبقاع الغربي، حتى جبل الكرمل وحيفا في فلسطين. والمشكلة أن المتطرفين الدروز في إسرائيل يضغطون، ليل نهار، لدفع الحكومة الإسرائيلية إلى التدخل ضد الثوار السوريين، بذريعة مواجهة القوى التكفيرية، كما يهددون بتشكيل فصيل محارب لمساعدة أشقائهم، والمعروف أنهم يخدمون في الجيش الإسرائيلي، واكتسبوا خبرات قتالية جيدة، سواء في مواجهة الانتفاضات الفلسطينية، أو عبر القتال في جنوب لبنان، والمشكلة أنهم لا يعيرون أدنى اهتمام لمأساة الأكثرية السورية، ولديهم تصورات مشوّهة عن الثورة السورية منذ بدايتها، وقد عبروا عن ذلك في تظاهرات مؤيدة لنظام الأسد، ودعواتهم لسحق الثورة السورية، حتى قبل أن تظهر مؤشرات الصدام بين الثوار والدروز في المناطق السورية.
حتى اللحظة، يرفض دروز السويداء أي مساعدة يكون مصدرها إسرائيل، حتى لو كانت من أشقائهم الدروز، لإدراكهم أن فتح هذا الباب سيوسع شقة الخلاف مع شركائهم في الوطن، كما يعتقد كثيرون منهم أن من شأن السير في هذا الاتجاه فتح الباب أمام خيارات وسيناريوهات، مثل الدولة الدرزية على الشريط الحدودي بين لبنان وسورية من جهة، وإسرائيل من جهة، وهذا أمر ترفضه الغالبية الدرزية السورية حتى الآن.
لكن، لا يمكن الركون إلى المشاعر وحدها، فهي لا تشكل ضمانة حقيقية، كما أن الوقائع على الأرض، والتداعيات المصاحبة لها، ذات قوة تقريرية أكبر لمسارات الأزمة، ولها فاعلية أكثر وضوحاً في إحداث تحولاتها. عليه، المقصود بالمأزق الدرزي الوضعية التي يجد الدروز أنفسهم تجاهها، وكيفية مواجهة التحديات التي ستواجههم، والضغوط التي يتعرضون لها من أكثر من جهة، وكذلك الوضعية التي ستؤول إليها التطورات اللاحقة، وكيف يمكن إدارة الأزمة بطريقة لا تؤثر على ميزان العلاقة الهش بين الأطراف، وقد رأينا أن حادثة قلب لوزة أوقفت العلاقات السنية الدرزية على قدم واحدة؟ وهي حادثة مرشحة لإعادة التكرار في مناطق التماس العديدة، نتيجة خطأ ما أو سوء تقدير، أو حتى سوء نيات بعض الأطراف. نعم ثمة مأزق درزي، صنعته الأحداث وخليط من الظروف، وهو يزداد توسعاً بسرعة خيالية، لن يخفيه السكوت عنه، وتحتاج معالجته إلى صبر وعقل، وترفّع عن الحساسيات، فهل ثمة من ينتبه قبل فوات الأوان؟
وبالطبع، كان هناك أفراد الدروز من التنويريين واللامنتمين طائفياً، لكنهم، فضلا عن قلتهم، كانوا معزولين عن بيئاتهم وعديمي التأثير، ولا سلطة لهم أمام سلطة رجال الدين الذين أصروا على الوقوف ضد الثورة ومساندة نظام الأسد. ولكن، أمام حجم المقتلة الكبير والدمار الحاصل، لجأ الدروز والعلويون من قبلهم إلى فتح الأبواب لاستقبال اللاجئين، وذلك نوعاً من التعويض النفسي واستثمار مستقبلي، لإثبات أن وقوفهم ضد الثورة لم يكن يعني وقوفهم ضد البيئة التي أنتجتها، وربما شجع رجال الدين هذه الخطوة، لإسكات كل الأصوات المخالفة لهم في الطائفة.
غير أن الثورة التي ستعاند محاولات وأدها ستظهر تحدياً أمام المكون الدرزي، هو أن نتيجة استمرار دعم بشار الأسد ستكون خسائر صافية على مستوى القوة البشرية الدرزية، بعد أن قتل آلاف الشباب الدرزي في مواجهة الثوار، في حين أن الوضع الطبيعي هو احتفاظ الطائفة بمقاتليها لصد الأخطار المباشرة التي بدأت تلوح من جهة الشرق، حيث تتقدم داعش أمام تهاوي دفاعات نظام الأسد عن هذه المنطقة. ومن الجهة الغربية، حيث يقتنع الدروز أن المكون الأساسي لقوات المعارضة هي الكتائب الإسلامية، وتحديداً جبهة النصرة. من هنا، بدأت تظهر أصوات تطالب بمنح محافظة السويداء أسلحة ثقيلة، للدفاع في مواجهة القوى المتطرفة التي ستنتقم، يوماً ما، لقتلاها ولخذلانها. وفي هذا الإطار، ظهرت الحركة الاعتراضية للشيخ وحيد البلعوس، وهي حركة لا لها علاقة بالثورة من قريب أو بعيد، ولا تتعاطف مع الثوار، وليست معنية بمطالب الثورة السورية وأهدافها، بمقدار ما هي خلاف مع سلطة بشار الأسد، فيما يخص قضية تسليح الطائفة بأسلحة نوعية.
لكن، ليس ذلك وحده المأزق، بل تحتوي محافظة السويداء على قطع عسكرية عديدة يستخدمها نظام الأسد في حرب الإبادة الممنهجة ضد سكان الريف الشرقي لمحافظة درعا، في حين تبين أن أهل السويداء يعتبرونها نوعاً من الحماية لهم، وينظرون إلى تحرير الثوار لها بمثابة تهديد وإهانة لهم، وقد أضفت حادثة قلب لوزة مزيداً من التعقيد والشك في العلاقة بين الأطراف، ولا يلام الدروز في تحوطهم، في ظل حالة الفوضى وعدم وجود ضمانات تحميهم، وبعد إعلان زعيم جبهة النصرة، أبو محمد الجولاني، نيته تصحيح معتقداتهم! وربما هذه واحدة من أخطر المشكلات التي أفرزتها الثورة، وهي عدم القدرة على السيطرة على التفاعلات على الأرض، وتوحيد الخطاب والسلوك الثوري، ووضع الأقليات في مستقبل سورية بعد الأسد.
ولعل المشكلة الأكبر أن جغرافية توزع الدروز تقع على طريق الثوار إلى دمشق، سواء من جهة درعا، عبر صحنايا، أو من جهة القنيطرة، حضر وقطنا، ما يضعهم درعاً لحماية دمشق من السقوط بيد الثوار، ويجعل إمكانية الصدام أكبر. ولا شك في أن استمرار التوتر وتراكماته بين الطرفين من شأنه أن يؤدي إلى ما هو غير محمود، ما لم يلجأ الطرفان، وبأسرع وقت، إلى إيجاد تفاهمات واضحة، وهو ما لا يبدو ممكناً حتى اللحظة؟ ويتزامن ذلك مع تدخلات خارجية قام بها حزب الله، وخصوصاً في منطقة السفح الشرقي لجبل الشيخ، وتحديداً في مثلث حضر- جباثا الخشب، حيث توجد سبع قرى درزية، وكتلة سكانية تبلغ الأربعين ألف نسمة، وقد شكّل حزب الله في هذه المناطق كتائب تحت مسمى "المقاومة السورية"، وهي، في حقيقتها، ليست سوى أنساق دفاعية في مواجهة الثوار، ولحماية ظهر الحزب في منطقة البقاع الغربي، ولقطع طرق الإمداد عن الثوار من لبنان، وتملك هذه المنطقة طرقاً مفتوحة مع مناطق الدروز في حاصبيا، تعمل على تغذية الكتائب الدرزية بمقاتلين وأسلحة من دروز لبنان، وخصوصاً المؤيدين لوئام وهاب وطلال أرسلان، اللذين لديهما موقف سلبي تجاه الثورة السورية.
المشكلة أيضا في المأزق الدرزي أنه قد يؤدي إلى اشتعال حريق واسع في المنطقة، يشمل مناطق في سورية ولبنان وفلسطين، وحتى الأردن، نظراً لتجاور السنة والدروز في هذه المناطق، والتداخل في أماكن انتشارهم، على امتداد حيز جغرافي، يمتد من الأزرق في الأردن إلى جبل العرب، وصولا إلى جبل الشيخ والجولان والبقاع الغربي، حتى جبل الكرمل وحيفا في فلسطين. والمشكلة أن المتطرفين الدروز في إسرائيل يضغطون، ليل نهار، لدفع الحكومة الإسرائيلية إلى التدخل ضد الثوار السوريين، بذريعة مواجهة القوى التكفيرية، كما يهددون بتشكيل فصيل محارب لمساعدة أشقائهم، والمعروف أنهم يخدمون في الجيش الإسرائيلي، واكتسبوا خبرات قتالية جيدة، سواء في مواجهة الانتفاضات الفلسطينية، أو عبر القتال في جنوب لبنان، والمشكلة أنهم لا يعيرون أدنى اهتمام لمأساة الأكثرية السورية، ولديهم تصورات مشوّهة عن الثورة السورية منذ بدايتها، وقد عبروا عن ذلك في تظاهرات مؤيدة لنظام الأسد، ودعواتهم لسحق الثورة السورية، حتى قبل أن تظهر مؤشرات الصدام بين الثوار والدروز في المناطق السورية.
حتى اللحظة، يرفض دروز السويداء أي مساعدة يكون مصدرها إسرائيل، حتى لو كانت من أشقائهم الدروز، لإدراكهم أن فتح هذا الباب سيوسع شقة الخلاف مع شركائهم في الوطن، كما يعتقد كثيرون منهم أن من شأن السير في هذا الاتجاه فتح الباب أمام خيارات وسيناريوهات، مثل الدولة الدرزية على الشريط الحدودي بين لبنان وسورية من جهة، وإسرائيل من جهة، وهذا أمر ترفضه الغالبية الدرزية السورية حتى الآن.
لكن، لا يمكن الركون إلى المشاعر وحدها، فهي لا تشكل ضمانة حقيقية، كما أن الوقائع على الأرض، والتداعيات المصاحبة لها، ذات قوة تقريرية أكبر لمسارات الأزمة، ولها فاعلية أكثر وضوحاً في إحداث تحولاتها. عليه، المقصود بالمأزق الدرزي الوضعية التي يجد الدروز أنفسهم تجاهها، وكيفية مواجهة التحديات التي ستواجههم، والضغوط التي يتعرضون لها من أكثر من جهة، وكذلك الوضعية التي ستؤول إليها التطورات اللاحقة، وكيف يمكن إدارة الأزمة بطريقة لا تؤثر على ميزان العلاقة الهش بين الأطراف، وقد رأينا أن حادثة قلب لوزة أوقفت العلاقات السنية الدرزية على قدم واحدة؟ وهي حادثة مرشحة لإعادة التكرار في مناطق التماس العديدة، نتيجة خطأ ما أو سوء تقدير، أو حتى سوء نيات بعض الأطراف. نعم ثمة مأزق درزي، صنعته الأحداث وخليط من الظروف، وهو يزداد توسعاً بسرعة خيالية، لن يخفيه السكوت عنه، وتحتاج معالجته إلى صبر وعقل، وترفّع عن الحساسيات، فهل ثمة من ينتبه قبل فوات الأوان؟