30 أكتوبر 2024
اللّيل الاستعماري الفرنسي في الجزائر: كل تلك الجرائم
على خلفية الجدال الجزائري - التّركي، بشأن الذّاكرة التاريخية الجزائرية للحقبة الاستعمارية الفرنسية، هناك حاجةٌ لوضع النّقاط على الحروف، لذكر حقائق لها صلة وثيقة بالجرائم المقترَفة، والتي لا يختلف الجزائريون في أنّ الاستعمار الفرنسي أوقع من جرّائها ملايين الشّهداء إبّان اللّيل الاستعماري، كما أطلق عليه المجاهد الرّاحل فرحات عبّاس (رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة، في أثناء الحرب التحريرية الكبرى 1954 - 1962)، التّي ذهب ضحيتها، وحدها، زهاء مليوني شهيد، باحتساب ضحايا التجارب النووية وضحايا الألغام التي ما زالت تنفجر تحت أقدام الرّعاة في مناطق عدّة، بسبب رفض السلطات الفرنسية تسليم خرائط زرعها، خصوصا في المناطق الحدودية الشرقية والغربية، لمنع دخول الأسلحة من تونس والمغرب، وكذا تسلل الرجال، في تلك الفترة. وقد دام ذلك الليل الاستعماري 132 سنة، كانت كلّها سنين الجمر، إذ لم تأت فرنسا إلى الجزائر لتغادرها، بل كانت نيّتها، منذ البداية، في عام 1830، اعتبار الجزائر جزءا من فرنسا. وحتّى يكون الأمر كما تريد، وتستتبّ لها الأوضاع، كانت عمليّاتها العسكرية تستهدف إحلال المعمّرين الأوروبيين مكان السّكان الأصليين، في إطار معادلةٍ مزعومة، سمعنا مفرداتها نفسها في قضية فلسطين، "إعطاء أرض بدون شعب لمعمّرين بدون أرض".
هناك مزاعم ينشرها أنصار الحنين إلى فرنسا وماضيها "الممجّد في الجزائر" (وفق نصّ
قانون "تمجيد الاستعمار" الذي أقرّه الرئيس الفرنسي الراحل شيراك عام 2005)، وهي مزاعم تدّعي نشر الإنسانية والحضارة في بلاد كانت تعيش القرون الوسطى، وفق الرواية الفرنسية، وادّعت فرنسا أنّها من بنت الطّرق وأنشأت المدارس وأسّست للسياسة الصحية ببناء مستشفيات. هذه نصف الحقيقة، وهي نفسها مُزيّفة، إذ كانت تلك المستشفيات والمدارس والمبادئ الإنسانية موجّهة لفئة المعمّرين من دون الجزائريين، أبناء البلاد الذين حاول الفرنسيون إحصاءهم، عندما دخلوا إلى البلاد، وتراوحت أعداد الجزائريين بين مليونين ونصف وثلاثة ملايين، في حين أنّ مصادر جزائرية، عايشت الفترة الاستعمارية، ذكرت أنّ العدد الإجمالي للجزائريين كان يُقدّر، في العام 1830، بحوالي عشرة ملايين نسمة. وبما أنّ الفرق كبير بين العددين، يمكن اللّجوء إلى رقم متوسّط لنقول ربّما كان العدد الإجمالي التقريبي يدور بين أربعة وخمسة ملايين نسمة، تناقص، شيئا فشيئا، عوض أن يزيد، بفعل التزاوج، لأنّ علم الإحصاء هو الذي سيؤكّد العدد التقريبي لمجمل ضحايا "المحرقة الجزائرية"، وفق التسمية الجديدة للرئيس الفرنسي الحالي ماكرون الذي عاد من الكيان الصهيوني، أخيرا، وتحدّث إلى الصحافيين واضعا خطا موازيا بين المحرقة اليهودية وما حدث في الحقبة الاستعمارية الفرنسية في الجزائر.
ذكرت المراجع التاريخية الفرنسية أنّ العديد من الجرائم ارتكبها الجيش الفرنسي في الأربعين سنة الأولى من الاستعمار، في عمليات قتل جماعية في المدن التي غزتها بالرّجال والسّلاح،
في الشرق والغرب الجزائريين، قبل أن تبدأ عمليات غزو مدن الجنوب بعد انتهاء المعارك مع الأمير عبد القادر الجزائري في 1847، باستسلام الجزائريين، بالنظر إلى ضعف التسليح والتنظيم على مجاراة المعارك الحديثة لجيشٍ اكتسب كثيرا من التجربة في المغامرات النابليونية، ثم الحروب الأوروبية، في الربع الأول من القرن التاسع عشر.
تعدّدت الجرائم الاستعمارية في الجزائر بين المحارق، خصوصا في أقصى الشّرق أو بالقرب من المدية (وسط) والتل الأوسط (الساحلي والداخلي)، حيث كان الجيش الفرنسي يتعمّد جمع الجزائريين في المغارات، وإشعال النّار بما فيها من الرّجال والنّساء والأطفال، ليكون عدد الضحايا بالآلاف، وفق روايات مؤرّخين فرنسيين، نقلوا تلك الأحداث من مراسلات الجنود والقادة الفرنسيين، مجرمي الحرب المحتفين بارتكابهم تلك الجرائم. كما كان الجيش الفرنسي يتعمّد قتل جميع من تقع عليه أيديهم من الجزائريين بعد انتهاء المعارك، بل إنّ قرى ومدنا بأكملها تمّت إبادتها بعد دخولها، على غرار ما وقع في بداية النّصف الأول من القرن التاسع عشر في الجنوب الجزائري (الأغواط، ديسمبر/كانون الأول، 1853، مثالا).
يمكن الاعتماد، في هذا المجال، على الانتقام الفرنسي من مقاوماتٍ شعبيةٍ عديدة لم تتوقّف طوال القرن التاسع عشر، حيث عمدت، بعد إلحاق الهزيمة بالمدن والقرى والقبائل، إلى المحافظة على جماجم قادة تلك المقاومات، والتي لا تريد فرنسا إرجاعها إلى الجزائر، لتُدفن، وتنال شرف المرقد الأخير على أرض الجزائر. كما لا يمكن نسيان الانتقام بالنفي لقرى
بأكملها إلى جزر المحيط الهادي في مستعمرات فرنسا البعيدة، على غرار كاليدونيا الجديدة التي يوجد فيها، إلى الآن، جزائريون عديدون، كما يوجد مئات من آلاف من المنفيين في أرض الشام، ما زالت عائلات كثيرة تحمل اسم الجزائري، لتأكيد الانتماء إلى البلاد، وكلها عائلات نالت جزءا من الانتقام بسبب انتمائها إلى المقاومة.
وبسبب التوسّع الفرنسي في الاستيلاء على الأراضي الزّراعية، تم إلجاء الجزائريين إلى العمل في تلك المزارع، أو إبعادهم إلى أطراف الأراضي الجدباء، ما أدّى إلى مجاعاتٍ وأمراضٍ أتت على مئات الآلاف من الجزائريين، خصوصا في ستينيات القرن التّاسع عشر التي شهدت موت زهاء ثلاثة ملايين جزائري، بسبب المجاعة والمرض، في مدن وسط شرق الجزائر، وفق أرشيف فرنسي في باريس (المكتبة الوطنية). وأدّت تلك المحارق، وكذا القتل الجماعي للجزائريين، إلى تقلّص عدد السكان إلى أقلّ من ثلاثة ملايين في بداية القرن العشرين، أي أنّ نسبة نموّ عدد الجزائريين كان سلبيا لأجيال، مع العلم أنّ العائلة الجزائرية معروفة بكثرة الأولاد، ما يعني أنّ السياسات الفرنسية هي ما أدّت، حتما، إلى ذلك التقلّص في عدد السّكان. ويؤكّد أن الأعداد التي تم قتلها فاقت الملايين، طوال القرن التاسع عشر ثمّ القرن العشرين، مع سياسة التّجنيد الإجباري في الجيش الفرنسي في الحربين الكونيتين، الأولى والثانية، ثمّ الحرب الهندية الصينية في خمسينيات القرن العشرين. وقد وصف باحثون ما أصاب الجزائر بالكارثة الديموغرافية التي يمكن الاعتماد عليها لتأكيد وصول عدد قتلى الجزائر إلى زهاء عشرة ملايين، بحساب المتوسّط المذكور (4 إلى 5 ملايين نسمة)، لعدد سكان الجزائر، بما أن أوّل عملية إحصاء للجزائر المستقلة (1966) وصل إلى إجمالي 9 ملايين جزائري، أي أنّ العدد تضاعف مرّة واحدة (أو تقلّص إذا أخذنا بعدد سكان قارب عشرة ملايين نسمة في 1830 وفق روايات الفقيه والمؤرخ حمدان خوجة)، يمكن استنتاج أنّ إجمالي ضحايا الاستعمار يكون قد بلغ عشرة ملايين، أخذا بالاعتبار معطيات معروفة ومؤكّدة، وهي عدد المجاعات والحروب، إضافة إلى أرقام أكّدها مؤرّخون فرنسيون. وبحساب معطى مهم، هو أنّ سبعة أعوام من الحرب التحريرية الكبرى (1954 - 1962) أوقعت، وحدها، زهاء مليوني ضحية، وأنّ أياما قليلة من المظاهرات، في مايو/أيار 1945، في عدّة مدن جزائرية، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، أوقعت، وفق أرقام رسمية، زهاء 45 ألف ضحية، ما يعني أن رقم العشرة ملايين من ضحايا الاستعمار الفرنسي تقريبي، يكاد يكون صحيحا يمكن الأخذ به، والعمل على تأكيده بعمل تاريخي توثيقي جاد من المؤرّخين الجزائريين.
على هذا، نصل إلى استنتاجٍ يفيد بأنّ الذّاكرة الجزائرية بشأن الجرائم الاستعمارية الفرنسية تفوق بكثير أية جريمة. وعلى الجزائريين القيام، وجوبا، بعمل توثيقي وأكاديمي جاد، إضافة إلى تحضير مشروع نهضة حقيقي، يصل بالجزائر إلى قوة يمكنها فرض الاعتذار عن تلك الجرائم من فرنسا، بل والتعويض عليها، يوما ما.
ذكرت المراجع التاريخية الفرنسية أنّ العديد من الجرائم ارتكبها الجيش الفرنسي في الأربعين سنة الأولى من الاستعمار، في عمليات قتل جماعية في المدن التي غزتها بالرّجال والسّلاح،
تعدّدت الجرائم الاستعمارية في الجزائر بين المحارق، خصوصا في أقصى الشّرق أو بالقرب من المدية (وسط) والتل الأوسط (الساحلي والداخلي)، حيث كان الجيش الفرنسي يتعمّد جمع الجزائريين في المغارات، وإشعال النّار بما فيها من الرّجال والنّساء والأطفال، ليكون عدد الضحايا بالآلاف، وفق روايات مؤرّخين فرنسيين، نقلوا تلك الأحداث من مراسلات الجنود والقادة الفرنسيين، مجرمي الحرب المحتفين بارتكابهم تلك الجرائم. كما كان الجيش الفرنسي يتعمّد قتل جميع من تقع عليه أيديهم من الجزائريين بعد انتهاء المعارك، بل إنّ قرى ومدنا بأكملها تمّت إبادتها بعد دخولها، على غرار ما وقع في بداية النّصف الأول من القرن التاسع عشر في الجنوب الجزائري (الأغواط، ديسمبر/كانون الأول، 1853، مثالا).
يمكن الاعتماد، في هذا المجال، على الانتقام الفرنسي من مقاوماتٍ شعبيةٍ عديدة لم تتوقّف طوال القرن التاسع عشر، حيث عمدت، بعد إلحاق الهزيمة بالمدن والقرى والقبائل، إلى المحافظة على جماجم قادة تلك المقاومات، والتي لا تريد فرنسا إرجاعها إلى الجزائر، لتُدفن، وتنال شرف المرقد الأخير على أرض الجزائر. كما لا يمكن نسيان الانتقام بالنفي لقرى
وبسبب التوسّع الفرنسي في الاستيلاء على الأراضي الزّراعية، تم إلجاء الجزائريين إلى العمل في تلك المزارع، أو إبعادهم إلى أطراف الأراضي الجدباء، ما أدّى إلى مجاعاتٍ وأمراضٍ أتت على مئات الآلاف من الجزائريين، خصوصا في ستينيات القرن التّاسع عشر التي شهدت موت زهاء ثلاثة ملايين جزائري، بسبب المجاعة والمرض، في مدن وسط شرق الجزائر، وفق أرشيف فرنسي في باريس (المكتبة الوطنية). وأدّت تلك المحارق، وكذا القتل الجماعي للجزائريين، إلى تقلّص عدد السكان إلى أقلّ من ثلاثة ملايين في بداية القرن العشرين، أي أنّ نسبة نموّ عدد الجزائريين كان سلبيا لأجيال، مع العلم أنّ العائلة الجزائرية معروفة بكثرة الأولاد، ما يعني أنّ السياسات الفرنسية هي ما أدّت، حتما، إلى ذلك التقلّص في عدد السّكان. ويؤكّد أن الأعداد التي تم قتلها فاقت الملايين، طوال القرن التاسع عشر ثمّ القرن العشرين، مع سياسة التّجنيد الإجباري في الجيش الفرنسي في الحربين الكونيتين، الأولى والثانية، ثمّ الحرب الهندية الصينية في خمسينيات القرن العشرين. وقد وصف باحثون ما أصاب الجزائر بالكارثة الديموغرافية التي يمكن الاعتماد عليها لتأكيد وصول عدد قتلى الجزائر إلى زهاء عشرة ملايين، بحساب المتوسّط المذكور (4 إلى 5 ملايين نسمة)، لعدد سكان الجزائر، بما أن أوّل عملية إحصاء للجزائر المستقلة (1966) وصل إلى إجمالي 9 ملايين جزائري، أي أنّ العدد تضاعف مرّة واحدة (أو تقلّص إذا أخذنا بعدد سكان قارب عشرة ملايين نسمة في 1830 وفق روايات الفقيه والمؤرخ حمدان خوجة)، يمكن استنتاج أنّ إجمالي ضحايا الاستعمار يكون قد بلغ عشرة ملايين، أخذا بالاعتبار معطيات معروفة ومؤكّدة، وهي عدد المجاعات والحروب، إضافة إلى أرقام أكّدها مؤرّخون فرنسيون. وبحساب معطى مهم، هو أنّ سبعة أعوام من الحرب التحريرية الكبرى (1954 - 1962) أوقعت، وحدها، زهاء مليوني ضحية، وأنّ أياما قليلة من المظاهرات، في مايو/أيار 1945، في عدّة مدن جزائرية، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، أوقعت، وفق أرقام رسمية، زهاء 45 ألف ضحية، ما يعني أن رقم العشرة ملايين من ضحايا الاستعمار الفرنسي تقريبي، يكاد يكون صحيحا يمكن الأخذ به، والعمل على تأكيده بعمل تاريخي توثيقي جاد من المؤرّخين الجزائريين.
على هذا، نصل إلى استنتاجٍ يفيد بأنّ الذّاكرة الجزائرية بشأن الجرائم الاستعمارية الفرنسية تفوق بكثير أية جريمة. وعلى الجزائريين القيام، وجوبا، بعمل توثيقي وأكاديمي جاد، إضافة إلى تحضير مشروع نهضة حقيقي، يصل بالجزائر إلى قوة يمكنها فرض الاعتذار عن تلك الجرائم من فرنسا، بل والتعويض عليها، يوما ما.