19 نوفمبر 2024
الليرة السورية وأخواتها
من عدّة وجوه ذات دلالات مجازية، يشبه مقام الليرة السورية (وأخواتها)، وهن اليوم في عين العاصفة، حالة فعل "كان" الماضي الناقص في اللغة العربية، ففيما تنتمي الليرة إلى صنف العملات الرسمية، على اختلاف قيمها، وتعتبر وحدة قياسٍ معمولا بها لتبادل السلع والخدمات، إلا أنها، مثل "كان" وأخواتها غير القابلات للتصريف نحوياً، قاصر ومجزوءة وممنوعة من التداول في سوق القطع، مثل الأخوات السبع، اللواتي يندرجن في حقل الأفعال، لكنهن لا يرتقين إلى مستوى الفعل، حيث تفتقر الأخوات الفاضلات لخاصية الدلالة على وقوع حدثٍ بعينه، ولا ينطوي فحوى أي منهن على معنىً بذاته، كما لا تكتفي الواحدة منهن بمرفوع، بل تحتاج إلى منصوبٍ كي تستقيم جملتها المفيدة.
ومع أن هذه الليرة عملة قانونية معترف بها، منذ انفصالها عن نظيرتها الليرة اللبنانية عام 1946، غير أنها لم تعد، أخيرا، تتمتع بالملاءة وقوة إبراء العملة القابلة للصرف، وقد بات الحال من بعضه لدى العملتين الأختين، خصوصا بعد أن دخلتا معاً في طورٍ من التآكل التدريجي المزدوج، قبل أن تنهارا على نحو دراماتيكيٍّ لافت، وتهبطا معاً إلى قعر سلة العملات الرديئة، ونعني بهن، إلى جانب الليرتين هاتين، الدينار العراقي، والريال اليمني، وفوق ذلك كله الريال الإيراني، وهو الأب المؤسس لعملية انهيار الأخوات الخمس الشقيات بشقاء الطاعن في السقوط الحر.
ليست الغاية من هذه المطالعة عرض مسار التآكل المتزامن لعملات ما يسمى محور الممانعة، فهذا موضوعٌ آخر لا يتسع له المجال، ولا تنطوي هذه المقاربة على شعور بالتشفي بما آل إليه حال عملة قاعدة الارتكاز في طهران، وفي بقية العواصم الأربع المختطفة، فعامة الناس البسطاء، وليس الحكام، هم الذين يكتوون بنار الفقر والغلاء من دون ذنب لهم، وإنما الغاية من هذه القراءة التمثّل وأخذ العبر والدروس مما انتهت إليه الحصيلة غير النهائية لمغامرة مشروع التوسع الإمبراطوري الإيراني الذي أودى بحاضر شعوب المشرق العربي ومستقبلها، ومعهم شعب اليمن "السعيد" جداً بخلطة الحرب والفقر والجوع والكوليرا وكورونا، والبقية تأتي.
الذين يأخذون على محبّر بياض هذه الزاوية مبالغته في انتقاد سياسات الجمهورية الإسلامية بقسوةٍ شديدةٍ أحياناً، ويحذّرون من مغبة استبدال هذه العداء الطارئ بالعداء الدائم مع إسرائيل، مدعوون إلى فحص هذا الاستخلاص القائم على ملاحظةٍ واحدة فقط، تخصّ القاسم المشترك الأعظم بين عملات دول الممانعة هذه، لعلهم يرون، بأم العين، آثار أقدام الحرس الثوري الكارثية أين حلت، ويسمعون ملء السمع أوجاع شعوب أربع عواصم عربية، امتلأت فضاءاتها بالمزاعم الثورية، والفتن المذهبية، وافتقرت، في الوقت نفسه، إلى السلم الأهلي، الأمن الغذائي، وحدّث ولا حرج عن التقتيل والترويع والتهجير، وعرّج يا أخا العرب على المشهد البانورامي إن بقي لديك متسع من الوقت، للوقوف برهةً على جانبٍ ضئيل من مشهد الخراب العظيم.
والحق أنه لا داعي لبيان أسباب انهيار الليرة السورية وأخواتها الخمس المتلاشيات في أسواق الصرف، فالمكتوب يُقرأ من عنوانه، والبعرة تدل على البعير، حيث كلما استفحل التدخل الإيراني في أرض، استفحل معه الاضطراب والفساد والاستبداد، وجرّ معه الفشل والإفلاس، وغرق الناس في الفقر والفقر المدقع والانقسام الطائفي. فبحسب معطيات الأمم المتحدة، المنشورة قبل تجاوز الدولار سقف ثلاثة آلاف ليرة، دخل نحو 80% من المواطنين السوريين تحت خط الفقر، وبات تسعة ملايين يواجهون خطر المجاعة، فيما 2.5 مليون معرّضون للموت جوعاً، فما بالك عندما يدخل قانون قيصر حيّز التطبيق غداً؟
ولعل ما يجري في لبنان من انهياراتٍ نقديةٍ وماليةٍ ومصرفيةٍ متسارعة، وينذر بفوضى سياسية واقتصادية اجتماعية عارمة، يحكي لنا واقع الليرتين الشقيقتين، اللتين تنامان على وسادتين متجاورتين، في سريرٍ واحد ممتد عبر البلدين الواقعين في القبضة الإيرانية، حيث أدّى الانهيار في البلد الصغير إلى تعجيل الانهيار الأعمق في البلد الأكبر، وفيما أصبح راتب العميد في الجيش السوري (90% منهم علويون) لا يشتري غراماً واحداً من الذهب، باتت دخول السوريين الشهرية، كما دخول اللبنانيين، تكفيهم أسبوعا، وهو وضع لا يماثله سوى وضع مواطني الرفيق مادورو في فنزويلا، ذلك المجاهد الذي أدى صلاة النصر الافتراضية في المسجد الأقصى.
ليست الغاية من هذه المطالعة عرض مسار التآكل المتزامن لعملات ما يسمى محور الممانعة، فهذا موضوعٌ آخر لا يتسع له المجال، ولا تنطوي هذه المقاربة على شعور بالتشفي بما آل إليه حال عملة قاعدة الارتكاز في طهران، وفي بقية العواصم الأربع المختطفة، فعامة الناس البسطاء، وليس الحكام، هم الذين يكتوون بنار الفقر والغلاء من دون ذنب لهم، وإنما الغاية من هذه القراءة التمثّل وأخذ العبر والدروس مما انتهت إليه الحصيلة غير النهائية لمغامرة مشروع التوسع الإمبراطوري الإيراني الذي أودى بحاضر شعوب المشرق العربي ومستقبلها، ومعهم شعب اليمن "السعيد" جداً بخلطة الحرب والفقر والجوع والكوليرا وكورونا، والبقية تأتي.
الذين يأخذون على محبّر بياض هذه الزاوية مبالغته في انتقاد سياسات الجمهورية الإسلامية بقسوةٍ شديدةٍ أحياناً، ويحذّرون من مغبة استبدال هذه العداء الطارئ بالعداء الدائم مع إسرائيل، مدعوون إلى فحص هذا الاستخلاص القائم على ملاحظةٍ واحدة فقط، تخصّ القاسم المشترك الأعظم بين عملات دول الممانعة هذه، لعلهم يرون، بأم العين، آثار أقدام الحرس الثوري الكارثية أين حلت، ويسمعون ملء السمع أوجاع شعوب أربع عواصم عربية، امتلأت فضاءاتها بالمزاعم الثورية، والفتن المذهبية، وافتقرت، في الوقت نفسه، إلى السلم الأهلي، الأمن الغذائي، وحدّث ولا حرج عن التقتيل والترويع والتهجير، وعرّج يا أخا العرب على المشهد البانورامي إن بقي لديك متسع من الوقت، للوقوف برهةً على جانبٍ ضئيل من مشهد الخراب العظيم.
والحق أنه لا داعي لبيان أسباب انهيار الليرة السورية وأخواتها الخمس المتلاشيات في أسواق الصرف، فالمكتوب يُقرأ من عنوانه، والبعرة تدل على البعير، حيث كلما استفحل التدخل الإيراني في أرض، استفحل معه الاضطراب والفساد والاستبداد، وجرّ معه الفشل والإفلاس، وغرق الناس في الفقر والفقر المدقع والانقسام الطائفي. فبحسب معطيات الأمم المتحدة، المنشورة قبل تجاوز الدولار سقف ثلاثة آلاف ليرة، دخل نحو 80% من المواطنين السوريين تحت خط الفقر، وبات تسعة ملايين يواجهون خطر المجاعة، فيما 2.5 مليون معرّضون للموت جوعاً، فما بالك عندما يدخل قانون قيصر حيّز التطبيق غداً؟
ولعل ما يجري في لبنان من انهياراتٍ نقديةٍ وماليةٍ ومصرفيةٍ متسارعة، وينذر بفوضى سياسية واقتصادية اجتماعية عارمة، يحكي لنا واقع الليرتين الشقيقتين، اللتين تنامان على وسادتين متجاورتين، في سريرٍ واحد ممتد عبر البلدين الواقعين في القبضة الإيرانية، حيث أدّى الانهيار في البلد الصغير إلى تعجيل الانهيار الأعمق في البلد الأكبر، وفيما أصبح راتب العميد في الجيش السوري (90% منهم علويون) لا يشتري غراماً واحداً من الذهب، باتت دخول السوريين الشهرية، كما دخول اللبنانيين، تكفيهم أسبوعا، وهو وضع لا يماثله سوى وضع مواطني الرفيق مادورو في فنزويلا، ذلك المجاهد الذي أدى صلاة النصر الافتراضية في المسجد الأقصى.
مقالات أخرى
12 نوفمبر 2024
05 نوفمبر 2024
29 أكتوبر 2024