الليرة السورية في القعر والنظام يتفرّج: إنها المؤامرة

30 نوفمبر 2015
ضعف القدرة الشرائية السورية (جوزيف عيد/ فرانس برس)
+ الخط -
وصل تدني سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية مستويات قياسية إلى درجة بات من الصعب جداً على العمال والموظفين السوريين الذين يتلقون أجورهم ورواتبهم بالعملة المحلية التعايش مع الوضع القائم والمرشح لمزيد من التدهور.
تشعر سيرين (39 عاماً)، التي تقيم في العاصمة دمشق، أنها مقيّدة وهي تراقب الانحدار المتواصل في قيمة الدخل الحقيقي الذي تحصل عليه، وتقول لـ"العربي الجديد": "ارتفع راتبي خلال هذا العام بمعدل 15 في المئة، ولكن مع انهيار سعر صرف الليرة هذا العام، ارتفعت أسعار كل البضائع وصار راتبي، الذي كان يسد الحاجات الأساسية للأسرة، يتبخر في منتصف الشهر".

ارتفاع الأسعار

يصف منير (40 عاماً)، وهو أب لثلاثة أطفال، شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي بأنه "الأسوأ على الإطلاق، إذ تراجعت قيمة الليرة السورية بشكل مخيف فعلاً، لأن الأمر يتعلق بحياة عائلتي وأطفالي". ويضيف: "أتجول في الأسواق وأشاهد الأسعار تحلّق إلى مستويات تصيبني بالذهول، بل بالجنون".
الرعب والجنون هو حال مئات آلاف السوريين، إن لم يكن الملايين منهم، في الأسابيع الماضية التي شهدت تدهور سعر صرف الليرة السورية بشكل دراماتيكي منذ شهر نيسان/ أبريل لهذا العام، لتسجل الليرة السورية حالياً سعر صرف بلغ 390ليرة مقابل الدولار، وهو الأدنى في تاريخها. وبحسب تقرير صادر عن معهد "تشاتام هاوس" البريطاني، فقد بلغ التدهور في سعر صرف الليرة السورية منذ اندلاع الثورة وحتى منتصف العام الحالي 83 في المئة. ويشير التقرير إلى أن التدهور بلغ في العام 2011 نحو 20 في المئة، ليرتفع في 2012 إلى 25 في المئة ويتواصل الارتفاع في 2013 إلى 40 في المئة ومن ثم لينخفض في العام 2014 ويسجل تدهورا بمعدل 27 في المئة. لكن التدهور الحالي ليس له مثيل، ويظهر ذلك بوضوح بالنظر إلى أن سعر صرف الليرة سجل في مثل هذا الوقت من العام الماضي نحو 190 ليرة وهو يتخطى اليوم عتبه 390 ليرة، أي أن معدل انحدار الليرة تجاوز 50 في المئة.
الأزمة الكبيرة دفعت بعض أعضاء مجلس الشعب السوري إلى تقديم اقتراح بأن يُقَدَّمَ جزء من رواتب الموظفين السوريين بالعملة الأجنبية، لكن وزير المالية السوري إسماعيل إسماعيل، رفض المقترح، مبرراً ذلك بأنه "يعارض السيادة الوطنية".

يعتبر الباحث الاقتصادي عادل الفاضل الانهيار الحاصل حالياً للعملة المحلية "شديد الخطورة وسيدفع بمئات الآلاف إلى ما دون خط الفقر المدقع"، ويشير لـ"العربي الجديد"، إلى أن "نسبة كبيرة جدا من السوريين تلجأ اليوم للمساعدات الدولية باعتبارها السبيل الوحيد لتدعيم الدخل المتآكل والذي بات عاجزاً عن تأمين الحاجات الأساسية". ويعلّق الفاضل على حديث وزير المالية السوري: "تخلّت الحكومة السورية عن الموظفين والعمال الذين تتآكل أجورهم بشكل مريع بعد أن قامت بتدمير الاقتصاد، وهي لا تبالي بحقيقة أن شعباً كاملاً بات يتوسل المساعدة من المنظمات الدولية ودول العالم، وبعد كل ذلك يحدثنا عن السيادة!".
وبالتزامن مع الانهيار المتسارع في سعر صرف الليرة السورية، أشارت "جمعية حماية المستهلك" إلى أن القدرة الشرائية للفرد في سورية تراجعت بنسبة 80 في المئة منذ عام 2011". ويعتبر المحلل المالي نزار ديب، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة السورية "تعاني بشدة على مستوى الاقتصاد الكلي وعلى مستوى السياسة النقدية، ما يجعل خيارات وقف الانحدار محدودة للغاية". ويضيف: "من المرجح أن يتمكن المصرف المركزي من وقف التدهور عند نقطة معيّنة، وذلك عن طريق ضخ كميات جديدة من العملة الأجنبية في الأسواق، ولكن من المستبعد أن يتمكن من إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل منتصف العام الحالي".
في وقت بدا أن عجز الحكومة السورية عن تثبيت سعر الصرف دفعها لإنكار الواقع وإلقاء اللوم على "المؤامرة". فبحسب حاكم المصرف المركزي الدكتور أديب ميالة، فإن التراجع الأخير في سعر صرف الليرة هو "وهمي وغير مبرر"، أما سببه فيعود إلى ما تقوم به "بعض الصفحات الإلكترونية الصفراء المرتبطة بغرف عمليات متخصصة في المضاربة على سعر الصرف".

اقرأ أيضاً:استبدال الليرة السورية بالتركية سرّع في انهيارها؟
المساهمون