هو شعور بالكرب وبالضيق الشديد، ذاك الذي يسكننا.. فينغّص علينا الحياة. هو شكوى مُعاش عصرنا هذا. ويسأل كثيرون في زحمة هذا المُعاش، "كيف السعادة؟".
بعضنا لا يسأل. بعضنا يجد نفسه غير أهلٍ لتلك السعادة. ويحرّم حتى السؤال. بعضنا هذا، قد يخاف من فقدان السيطرة على نفسه، قد يخاف من الانجراف في شعور "البهجة والاستمتاع المنصهرَين". كأنه كَتب على نفسه الغمّ والآلام.
ويتحوّل مُعاش بعضنا هذا، إلى درب جلجلة.. يجهل من أين بدأ ومتى ينتهي. هو شعور دائم بالذنب، ذاك الذي يمنعنا من بلوغ تلك السعادة.. كأننا لا نستأهلها.
لكلّ مُعاش حقيقته التي تختلف عن سواها. لكنْ لشعور الذنب ذاك - في أغلب الأحيان - جذور تمتدّ إلى سنوات الطفولة الأولى. هو مألوف لدى هؤلاء الذين لم يرغب فيهم أهلهم ولم يحتضنوهم كما يحتضن الأهل أولادهم، أو هؤلاء الذين تربّوا على أيدي أهلٍ صارمين متطلّبين. هم وبعدما شعروا بأنهم يشكّلون عبئاً ثقيلاً على محيطهم، ومن دون تقدير لذواتهم، جهدوا لاسترضائه وتلبية متطلباته، من دون أن يسمحوا لأنفسهم بالتطلّع إلى "رفاهيّتهم". وفيما يأملون بتلقّي الحبّ والحنان، تكيّفوا مع إهمال ذواتهم. واكتفوا بالعيش من أجل الآخرين، لعلّهم يظفرون بذلك الحبّ وذلك الحنان.
ويأتي الشعور بالامتنان، ليعوّق سعادتنا أكثر فأكثر. الأهل، لطالما ردّدوا أنهم يسعون إلى تأمين الأفضل لأولادهم. وعند التباهي بذلك، كأنهم يقولون: "هم يملكون كل شيء. وما من سبب يدفعهم إلى الشكوى". وتُحرَّم الشكوى. نحفظ هذا الكلام، ونكبر مع فكرة امتلاكنا "كل شيء" لنكون سعداء. ونشعر بالذنب أو نرى الشكوى في غير محلّها، إذا خطرت لنا. كثيرون منا يقنعون بذلك - ألم نلقَّن أن القناعة كنز لا يفنى -، ولا يسمحون لأنفسهم بالبحث عن بواعث أخرى للسعادة أو حتى بالإفادة من باعث سعادة قد يصادفونه.
كثيرون هؤلاء، في حين أن قليلين يحسمون أمورهم ويقرّرون إعطاء معنى لحيواتهم.
ويزيد هؤلاء الذين احترفوا الغوص في الذات البشريّة أسباباً أخرى لعجزنا عن الشعور بالسعادة، لا بل لعدم تصنيف أنفسنا أهلاً لذلك الشعور. ولعلّ ذلك مألوف ومتواتر ومضخّم في مجتمعاتنا. هي وإن لم نشأ الإقرار، تحرّم علينا الاستهناء بلحظاتنا. في متوارثنا، نزوات ومَيل نحو التشاؤم والتطيّر. كم من مرّة ردّدنا "الله يكفينا شرّ هالضحك". كم من مرّة منعنا أنفسنا من التعبير عن سرور عابر أو عن آخر يملأنا، إذ إن مصيبة كبرى قد تلحق بنا أو بأحد الأعزاء في حال فعلنا.
السعادة.. ما من حلّ شامل أو حتى سحريّ، يتيحها لنا. ربما يستلزم الأمر قبل كلّ شيء، ألا تحرّم مجتمعاتنا على ذكورها المشاعر والأحاسيس وألا تعيبها على إناثها.
اقرأ أيضاً: سعادات صغيرة