تشهد اللغة الإسبانية في المغرب نوعاً من التقهقر أمام تعاظم انتشار اللغتين الفرنسية والإنكليزية، فبعد أن كانت هذه اللغة منتشرة ويقبل عليها الطلاب المغاربة في المعاهد والمدارس والجامعات، بدأت تعرف كثيرا من الانحدار، لأسباب اقتصادية وتعليمية وذاتية.
ورغم عدم وجود أرقام رسمية بخصوص مدى تراجع اللغة الإسبانية في المغرب، لكن هناك مؤشرات قوية تعزز هذا التراجع، من بينها حذف عدد من أقسام لغة "سيرفانتيس" في الثانويات والجامعات، خاصة في الجنوب المغربي، بدليل تسجيل أقل من 40 طالباً فقط في تخصص اللغة الإسبانية بجامعة مدينة أغادير هذا الموسم الدراسي، وهو نفس الوضع الذي تعيشه كليات في مدن أخرى.
ويزيد من تفاقم وضعية اللغة الإسبانية في المغرب كونها ليست مادة للتدريس في مستوى الإعدادي، بل تتم برمجتها في المستوى الثانوي، بخلاف اللغة الإنكليزية التي تدرس في مستويات تعليمية كثيرة، الشيء الذي يقلل من انتشار هذه اللغة الأجنبية في البلاد.
ويرى الخبير في مجال التربية والتعليم رشيد شاكري، أن واقع تدريس اللغات الأجنبية يُخضِعها للتراتبية بدءاً بالفرنسية، فالإنكليزية، ثم الإسبانية لتليها باقي اللغات من ألمانية وإيطالية وغيرهما"، مبرزاً أن "الإقبال على لغة ما يعود إلى قيمتها الرمزية والوظيفية في المجتمع، وليس إلى درجة سهولتها أو صعوبتها".
وعزا شاكيري في حديث لـ "العربي الجديد"، تراجع انتشار تدريس الإسبانية بالمغرب إلى عدة عوامل، الأول انحصار انتشارها في مناطق الشمال من المغرب دون قدرتها على التغلغل في باقي المناطق.
والعامل الثاني، وفق المتحدث، يتجسد في تأثر الاقتصاد الإسباني بالأزمة العالمية، مما أدى إلى تقليص الميزانيات المخصصة للدعم الثقافي واللغوي، إلى جانب ضعف جاذبية سوق الشغل بالنسبة للمغاربة، خاصة بعد تعرية الإعلام الإلكتروني لواقع المهاجرين بالمدن الإسبانية.
وأما العامل الثالث، يضيف الخبير، فهو اتجاه الاقتصاد المغربي نحو الاستثمارات الأجنبية من أقطاب اقتصادية متعددة، من قبيل الخليج، والصين، وروسيا، وألمانيا، وفرنسا، والقاسم المشترك بينها في الغالب هو اعتماد اللغة الإنكليزية، الشيء الذي يهمش اللغة الإسبانية في البلاد.
وزاد شاكيري عاملاً رابعاً يتمثل في تزايد الاهتمام باللغة الإنكليزية بحكم وعي فئات عديدة من المجتمع المغربي بأهميتها في التواصل العالمي، وفي متابعة الدراسة بالمراكز العلمية الدولية، والبحث العلمي، مشيراً إلى "تعاظم إقبال الشباب على الإنتاجات الفنية باللغة الإنكليزية، علاوة على انفتاح سوق الخليج على اليد العاملة المغربية وما يتطلبه ذلك من إتقان للغة الإنكليزية".
ولفت الخبير ذاته إلى أن "انتشار لغة أجنبية في مجتمع معين يعود إلى تضافر عدة أسباب أساسية تتمثل في السياسة الثقافية للدولة التي ترغب في نشر لغتها في باقي البلدان، من حيث إنشاء مراكز لتعلم اللغة، ودعم الأنشطة الثقافية والفنية التي تعزز وجودها في المجتمعات المستقبلة لها.
وهناك دافع آخر، بحسب المتحدث عينه، هو السياسة الاقتصادية التي تجعل من تملك لغة ما تمنح أفضلية أكبر في ولوج عالم الشغل، أو في متابعة الدراسة بالخارج؛ ثم سياسة الأنظمة التعليمية في علاقتها باللغات الأجنبية، ويتحدد ذلك في عدد السنوات الدراسية التي تبرمج فيه لغة ما، أو الحيز الزمني المخصص لها في كل سلك دراسي، أو عدد الأساتذة، أو المسالك التعليمية العليا التي تسمح بالولوج إليها".