اللعب مفتاح الإبداع

15 يونيو 2017
الآباء يحفزون الإبداع داخل أبنائهم(Getty)
+ الخط -
فتشتُ بداخل صندوق ذاكرتي لأعلم من قام بـ "رَي" خلايا الإبداع بداخله كي أنتهِج نهجهُ وأقوم بالمثل مع أبنائي، وجدتُه ذلك الموقف المُتكرر منذ نعومة أظفاري، كنت أسمع مُحرك سيارة أبي ينطفئ مُعلناً عودته إلى المنزل بعد يومٍ شاق، كانت تلك إشارة لي بالبدء لأهرع وأختبئ في أي جُحر ناء يستطيع تغطية حدود جسمي الطفولي الضئيل وأُخبر أمي أن تطلب منه أن يبحث عني.

كنت أنتقي الأماكن بعناية وحين أسمع أصوات أقدامه تقترب أقوم بحبس أنفاسي حتى لا يسمعها ويجدني، لايزال صوت ضحكاته الرنانة محفورا في صندوق ذاكرتي وهو يُثني على إبداع اختياري للأماكن قائلاً: "تلك الفتاة تحيرني بالأماكن التي تخفيها.." كانت تُشعرني تلك الكلمات بقدراتي الفذة وأن بمقدوري أن أختبئ من العالم بأكمله بكل براعة. 

وكيف لا وأنا أرى أعظم رجل تفتحت عيناي على رؤياه يقف أمامي حائراً، لم يكن يتذمر كونه عائدا متعبا من العمل ولم يكن يعتذر أنه لن يستطيع اللعب معي بعد عناء يوم طويل.. بل كان يأخذ اللُعبة بمنتهى الجدية، يظل يبحث ويبحث، يجوب المنزل ذهاباً وإياباً حتى يكل ثم يترجاني أن أظهر لأنه أصبح عاجزا أمام إبداع اختياري للمكان.

ربما كل ما يحتاج إليه أبناؤنا في ظل عالم يتسم بالقسوة واللامبالاة هو الأبوان اللذان يمثلان لأطفالهما المادة الخام لتنمية التفكير الإبداعي على مدار كافة مراحل نموهم؛ ومن ثم فإن الأسرة هي من يقع على عاتقها في المقام الأول استنباط مواهب وقدرات الأبناء المتنوعة.

تفيد العديد من الأبحاث التربوية أن السنوات الخمس الأولى من حياة الطفل هي الركيزة الأساسية في طريق تنمية قدراتهم الإبداعية؛ حيث يلاحظ عليهم في هذه السنوات سعة الخيال ومهارات البحث والتفتيش والأسئلة الفلسفية التي يطرحونها على الوالدين والمعلمين. وهذا لا يعني أن الإبداع ينتهي بمرور هذه المرحلة العمرية؛ حيث إن تنمية التفكير الإبداعي لا تتقيد بسن معينة وإن كان تحفيزها منذ الصغر هو الأسلوب الأكثر فاعلية. لذا إليكم بعض النصائح التي من الممكن أن تنمي قدرات ذكاء أبنائنا الإبداعي:

- مشاركة الآباء الأبناء في لُعبة من اختيارهم تخلق جوا من الإبداع المشترك، فليس من الضروري شراء لعب باهظة الثمن والتي تلقي على عاتق الأسرة أعباء زائدة بل وتحوّل الأبناء إلى مستهلكين من الدرجة الأولى لا يشعرون بالشبع بالرغم من تكدس أدراجهم باللعب الحديثة، ولذا أنصح الآباء بمشاركة أبنائهم اللحظة في ألعاب عفوية من نسج خيال الأطفال كالغميضة أو ألعاب الطاولة وغيرها.

- انتقاء ألفاظ حماسية صادقة من قبل الآباء يُشعر الأبناء بالخصوصية، فاستخدام ألفاظ عامة غير مرتبطة بما أحدثه الطفل من فعل أو قول مثل أحسنت أو ممتاز يختلف وقعها عن تلك التي تصف الفعل بعينه مثل أنت بارع في اختيار حركاتك أو يعجبني تناسق ألوان لوحتك... إلخ مما يشعر الأبناء بنقاط تميزهم ويزدادون ثقة بأنفسهم ويستشعرون أن آباءهم لا يقومون بجبر خاطرهم باستخدام كلمات إيجابية مطاطة فحسب.

- قهقهات الآباء التي تخرج بتلقائية وعفوية وإضفاء جو من البهجة في البيت لها مفعول ساحر حيث إن الابتسامة يوصي بها أطباء النفس لما لها من وقع على تحسين الحالة المزاجية للإنسان بصفة عامة، لذا فإن هذا التواصل المرح يجعل الأبناء أكثر قدرة على التلقي الإيجابي وتنمية قدراتهم الإبداعية.

- وأخيرا تخصيص أوقات للأبناء وسط مهام الآباء اليومية يشعرهم بأهميتهم ويعزز ثقتهم بأنفسهم ويحميهم ضد تسلل الوحدة إلى أنفسهم وطغيان الحياة المادية على جودة التواصل مع آبائهم.

المساهمون