اللاجئون الفلسطينيون في العراق.. التحريض والحقوق المستهدفة

04 يناير 2018

خيمة لاجئين فلسطينيين من العراق في سورية (18/6/2010/فرانس برس)

+ الخط -
أظهرت الوثيقة رقم 76 ديسمبر/ كانون الأول 2017، الصادرة عن مكتب الرئيس العراقي، فؤاد معصوم، إقراره القانون الذي ينص على إلغاء القانون 202، الصادر عن مجلس قيادة الثورة المنحل في 2001، وكل ما يترتب عليه من امتيازات، والمتمثلة في إعطاء للاجئ الفلسطيني المقيم في العراق، حقوقاً موازية للمواطن العراقي باستثناء التجنيس. وصار القرار الذي رفع من البرلمان، بعد مناقشته والتصويت عليه، نافذاً بعد نشره في جريدة الوقائع العراقية الرسمية بالعدد 4466. وجرت تسريباتٌ توحي باستهداف الفلسطينيين في العراق بهذا القانون باعتبارهم أجانب. وبعد أيام من صدور القرار، أصدرت الأمانة العامة لرئاسة الوزراء العراقية بياناً توضيحياً أن القانون الجديد لا يشمل اللاجئين الفلسطينيين، أو من هم تحت بند اللجوء، وأنه يخص شريحة "الأجانب" فقط، موضحاً أن اللاجئين الفلسطينيين يخضعون للقانون 51 للعام 1971، وقانون آخر جديد لم يتم التفصيل بشأنه، تم إقراره أخيرا، وأبقى القرارات التي تحدّد حقوقهم نافذة. بيد أن هذا التوضيح لا يسقط التخوفات التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون الباقون في العراق. فما هي أوضاع هذه الفئة من اللاجئين بعد نحو سبعين عاماً على النكبة، حيث تساوق هذا القرار مع تنامي تخوفات هؤلاء الناس من وجود أعمال انتقاميّة ضدّهم من عراقيّين، بسبب أنباء تحدّثت عن انضمام أعداد كبيرة من الفلسطينيين من خارج العراق إلى تنظيم داعش، وقيامهم بأعمال انتحاريّة في العراق.
ما هي الأوضاع الحرجة الراهنة لهذه الفئة من اللاجئين الفلسطينيين؟ معلوم أن نكبة 1948 أدت إلى تهجير الفلسطينيّين من وطنهم، وتحويلهم إلى فئات متنوّعة من اللاجئين. وكانت لذلك تداعيات كارثية على مستقبلهم، ومسارات حياتهم التي اتصفت بعدم الاستقرار، والغياب الدائم لكلّ أشكال الحماية، علاوةً على تفتيت هويّتهم الوطنيّة، وفقدانهم أرضهم وممتلكاتهم، إثر إقامة الكيان الصهيوني. كما أدت النكبة إلى تحويل هذا الشعب إلى مجموعات لها هوياتٌ مختلفةٌ في المحيط العربي، حيث عمدت كلّ دولة من التي لجأ إليها الفلسطينيّون إلى وضع معايير محدّدة لكيفية التعاطي مع الفلسطينيّين على أراضيها، فاضطرّ اللاجئون الفلسطينيّون إلى التكيّف مع طبيعة عيشهم وحياتهم في الدول التي لجأوا إليها. وقد أدّى الفشل في توفير عودة اللاجئين 
الفلسطينيين إلى وطنهم وبيوتهم التي طردوا منها إلى تقسيمهم في الدول العربية المحيطة بوطنهم المحتلّ إلى فئتين: فئة تتابع شؤونها هيئةُ (أو وكالة) الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا)، بالتنسيق مع الدول المضيفة. وفئة تتولّى شؤونها الدول المُضيفة من دون تدخُّل "أونروا" أو مؤسسات الأمم المتحدة، إلى أن تحصل نزاعات تؤدّي إلى مخاطر تواجه هذه الفئة من اللاجئين. وبسبب غياب معايير ملزمة في ما يتعلق بمعاملة اللاجئين الفلسطينيين في البلاد العربية المضيفة، فإن ماهية وضعهم القانوني خضعت للتشريعات الوطنية في كل دولة. وتمثل القيود المفروضة على حقوق الإقامة، وحرية الحركة، والتوظيف، والتملك، والانتفاع بالخدمات الحكومية؛ قيوداً توضع، بدرجاتٍ مختلفة، على الفلسطينيين الحاملين وثائق لاجئين في الدول العربية. ويزيد على ما سبق أن شؤون الفلسطينيين في الدول العربية المضيفة، غالباً ما تنظمها الدول عبر مراسيم وزارية، أو قراراتٍ إدارية، والتي يمكن بسهولة الرجوع عنها استجابةً للظروف السياسية المتغيرة. بيد أن هذا الوضع لم يحْمِهم من تأثيرات الحروب والنزاعات الداخليه في المنطقة العربية، ولاسيّما عندما تتجاوز هذه النزاعات الطابع الوطني، وتتحول إلى حروب لها طابع إقليمي ودولي.
وبالنسبة للاجئين الفلسطينيين الذين لجأوا إلى العراق، وكانوا، في غالبيتهم، من قضاء حيفا الساحلي، مثل عين غزال وإجزم والطيرة والطنطورة وجبع وأم الزينات وغيرها، فقد قدم أكثرهم مع الجيش العراقي عند انسحابه من فلسطين المحتلة، وتولت وزارة الدفاع العراقية الإشراف على شؤونهم، وتوفير مأوى لهم، وتوزيع الطعام عليهم يومياً في أماكن سكنهم، كما كان يوزّع على الجنود. وقد استمر هذا الوضع حتى عام 1950، حين نقلت مسؤولية الإشراف على اللاجئين إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، والتي استحدثت قسما لمتابعة أوضاعهم باسم "مديرية شؤون اللاجئين الفلسطينيين في العراق". واللاجئ في تعريف المديرية هو من دخل إلى العراق وأقام فيه قبل 25/9/1948. وبالتالي، لم يدخل اللاجئون الفلسطينيون الذين قدموا إلى العراق، أو لجأوا إليه، بعد هذا التاريخ، في سجلات مديرية شؤون اللاجئين الفلسطينيين في العراق، كما لم يدخلوا في نطاق رعايتها لهم.

استثناء "الأونروا"
وعند تأسيس "أونروا"، جرى استثناء العراق من نطاق عمل الوكالة، نتيجة اتفاق ما بين الحكومة العراقية والأمم المتحدة، إذ تعهدت الحكومة العراقيه بتوفير كل احتياجات اللاجئين الفلسطينيين المقيمين على أراضيها، في مقابل عدم مساهمتها في تمويل وكالة الغوث وأنشطتها. وقد عمدت مديرية شؤون اللاجئين الفلسطينيين في العراق إلى منح اللاجئ الفلسطيني "بطاقة هوية شخصية" للذين سجلوا لديها، ووثيقة سفر تمكّنه من السفر إلى البلدان العربية والأجنبية. وأعفتهم المديرية من دفع رسوم التسجيل في المدارس (مقابل شهادة فقر حال). وبدأت صرف مساعدات مالية لهم، بدلا من المساعدات العينية التي كانت تُمنح لهم منذ نزوحهم إلى العراق، وكانت المساعدة المالية تساوي آنذاك الحد الأدنى لدخل العائلة العراقية، كما منحت عوائل 
اللاجئين الفلسطينيين سكنا مجانيا، هو غرفة واحدة لكل عائلة. أما بقية الفلسطينيين من حاملي جوازات سفر غير عراقية، أو وثائق سفر فلسطينية تعطى من السلطات العربيه الأخرى في سورية ولبنان وغزة، فكانوا يقيمون في العراق بموجب إقامة سنوية تتجدّد حسب الطلب. وإذا تزوجت الأنثى من هذه الفئات فلسطينيا معترفا به لاجئا في العراق يجري ضمها إلى سجل زوجها المسجل في المديرية قبل عام 1961 الذي صدر فيه قرار رقم ب 26، ينظم عملية منح الفلسطينيين في العراق وثائق سفر خاصة، ويحدد مدة صلاحيتها. وفي 1964 صدر قرار بمعاملة الفلسطيني معاملة العراقي في الوظائف الحكومية من حيث الرواتب والعلاوات، لكن الفلسطيني استثني بموجب هذا القرار، من حصوله على امتياز الخدمة التقاعدية، بحجة أن ذلك قد يدفعه للتمسك بالبقاء في العراق والتفريط بحق العودة، ومنح الفلسطيني المنتهية خدمته راتب شهر عن كل سنة من خدمته. ولم تعترف الدولة العراقية باللاجئين من غزة ومن الضفة الغربيه بعد عدوان 1967، التزاماً منها بقرار جامعة الدول العربية الذي يقضي بعدم السماح للنازحين الفلسطينيين بترك أراضيهم تحت نير الاحتلال الإسرائيلي، ونزوحهم إلى الأقطار العربية. وفي 1973، صدر قرار من مجلس قيادة الثورة يقضي بمعاملة اللاجئ الفلسطيني معاملة المواطن العراقي في حقوقه المدنية والاجتماعية (ما عدا السياسية). وبالتالي أصبح من حق اللاجئ الفلسطيني أن يشغل وظيفة حكومية، أو يمتلك عقارا أو سيارة أو محلا تجاريا، كما صار في إمكانه مزاولة المهن الحرة، كالتجارة والصناعة، وأن يمتلك رصيدا في المصارف. وبناء على القرار المذكور، استبدلت الوثائق الخاصة بالفلسطينيين، وشطب عنها كلمة لاجئ، ومنح اللاجئون هوياتٍ ووثائق سفر عراقية خاصة بالفلسطينيين. واستنادا لهذا التغيير، توقفت عام 1975 المساعدة المالية التي كانت تمنح للاجئ الفلسطيني.
ويمكن القول عموما إن أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في العراق تحسّنت بين 1973 و1993، بيد أن الحصار الذي فرض على العراق بعد حرب الخليج الثانية أسقط قرار مجلس قيادة الثورة عام 1973، حين أصدرت الحكومة قرارات منعت بموجبها غير العراقيين من مزاولة كل أنواع النشاط التجاري والصناعي في العراق، "بما في ذلك امتلاك عقار أو سيارة أو حتى الحصول على اشتراك هاتف". وقد شمل القرار جميع الفلسطينيين في العراق من لاجئين، ومهاجرين، إضافة إلى الفلسطينيين المبعدين من الكويت. وعاش الفلسطينيون اللاجئون في العراق سنوات عجافا، إلى أن تمت الاستجابة لشكاوى اللاجئين أنفسهم، وتوسطات بعض القوى الفلسطينية، فأصدر مجلس قيادة الثورة عام 2000 قرارا يهدف إلى استثناء اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في العراق بين عامي 1948-1950 فقط، من إجراءات الحماية الاقتصادية المتخذة عام 1993، إلا إن قرار الاستثناء هذا لم يأخذ طريقه إلى التنفيذ. وبقي وضعهم القانوني ضبابيا قابلا للتأويل، حتى صدور القرار 202 عن مجلس قيادة الثورة، في جلسته في 12/9/2001، وفيه: يعامل الفلسطيني المقيم إقامة دائمة في العراق معاملة العراقي في جميع الحقوق والواجبات، باستثناء الحق في الحصول على الجنسية العراقية، إلا أن الفلسطينيين في العراق لم يقدّر لهم أن يتمتعوا بأول امتياز قانوني واضح لهم منذ 1948.

بعد الاحتلال الأميركي
احتلت بغداد بعد عامين، وسقط معها هذا القرار، لتحل مكانه قرارات الطائفية والعنصرية، حيث واجه اللّاجئون الفلسطينيون في العراق مأساة حقيقيّة بعد الاجتياح الأميركي في 2003، بحجة دعمهم نظام صدام حسين، حين تمّ استهداف الفلسطينيّين أكثر من الأقلّيات الأخرى. وعانى الفلسطينيون الذين بقوا من اضطهاد فئاتٍ من الشعب العراقي، وأضحوا هدفا للعنف والمضايقات والطرد من المنازل عقب سقوط العراق، وتدهورت أحوال حوالى 34 ألف لاجئ فلسطيني في العراق، ودأبت جماعات مسلّحة على تهديدهم، إن لم يغادروا العراق فوراً، فاضطر أكثرهم للفرار إلى الحدود الأردنية والسورية والسعودية، حيث عاشوا في مخيّمات بدائية مرّة أخرى. وواجه الذين حاولوا الفرار من العراق عقبات أكبر بكثير ممّا واجهه
 المواطنون العراقيون من الأقلّيات الأخرى المعرّضون للخطر كالمندائيّين والكلدان، وزاد الأمر سوءا رفض استقبال الدول الأخرى، العربية والأجنبية، لهم، حيث تركوا سنوات عالقين على الحدود، فقد أغلقت دول المنطقة، مع استثناءات قليلة عارضة، حدودها بإحكام أمام الفلسطينيين الفارّين من العراق، حيث رفضت البلدان المجاورة، كالأردن والكويت والسعودية وسورية استقبالهم. ما أدى إلى جعلهم يعانون سنوات في مخيمات لجوء جديدة تفتقر لأبسط الخدمات، إلى أن أعادت توزيع معظمهم على دول أجنبية مفوضية الأمم المتحده لشؤون اللاجئين. ففي أكتوبر/ تشرين الأول 2007، سمح لألف منهم بالهجرة إلى البرازيل، وحصل بعض مئات منهم على حق اللجوء في السودان، وسمحت أيسلندا لنحو مائة منهم باللجوء إليها، وكذلك تشيلي. إضافة إلى هذه الدول، هنالك ما يزيد عن 30 دولة أخرى استقبلت اللاجئين الفلسطينيين على أراضيها، منها الولايات المتحدة (استقبلت ألف لاجئ) وأستراليا وفنلندا وتشيكيا وتركيا وبريطانيا وسويسرا وإيطاليا وفرنسا وغيرها. وما جرى وقتها مع فلسطينيي العراق هو تهجير وإعادة توطين جديد.
وبعد سنوات من المعاناة لمن بقوا من فلسطينيي العراق، صدر في مارس/ آذار 2015 قرار عن مجلس القضاء الأعلى العراقي، يقضي بمعاملة اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في العراق معاملة المواطنين العراقيين في كل المعاملات الرسمية، ما عدا الحصول على الجنسية العراقية. ولذا، فإن ما يعانيه من تبقوا من اللاجئين الفلسطينيين في الوقت الراهن، وكذا المخاوف من فقدان حقوقهم، يؤكدان ما قاله النائب العراقيّ، محمّد الخالدي، لـموقع مونيتور، إنّ هناك اعتداءات حقيقيّة على الفلسطينيّين في العراق، تهدف إلى ترحيلهم. وأبرز أسباب ذلك، البعد الطائفيّ، إذ ينظر إليهم بعض الشيعة على أنّهم سنّة يؤيّدون التطرّف. وقال النائب نفسه إن ما يقف وراء ذلك هو السعي إلى ترحيلهم، لتستولي على عقاراتهم وأملاكهم جماعات مسلّحة. وأفاد بأنّ التهديدات سريّة، وتصعب متابعتها كلّها من الجهات الأمنيّة. وحسب معلومات، انخفض عدد الفلسطينيين الباقين في العراق إلى درجة كبيرة، فلا يتجاوز الآن 3500 شخص، والتحرّكات والقرارات المعادية لهم، بما فيها عدم منحهم الحقوق الإنسانية المعطاة للمواطن العراقي إن كانت صحيحة، سيؤدي لتهجير هذه المجموعة القليلة.
وباعتبار أن اللاجئين الفلسطينيين في العراق يقعون خارج صلاحية "أونروا"، وأن مكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يعمد إلى تطبيق بنود الفقرة الثانية من المادة د التي قرّرت أنه إذا توقفت الحماية أو المساعدة عن اللاجئين الفلسطينيين، لأي سبب، من دون أن يكون هناك حل واقعي لمشكلة اللاجئين، يصبح هؤلاء الأشخاص مؤهلين للتمتع بمزايا تلك الاتفاقية، والتي تستند إلى تطبيق أحد الحلول الثلاثة: العودة الطوعية إلى أوطانهم وإعادة الاندماج فيها بشكل آمن وبكرامة. الاندماج في البلدان التي لجأوا إليها. إعادة التوطين في بلد ثالث. والمؤسف أن المفوّضية العليا لشؤون اللاجئين فشلت في توفير الخيار الأوّل للفارين من العراق. ولذا، لم تؤد حاله الفلسطينيين في العراق إلى تفتيت وجودهم، وتبديد وحدتهم الكيانية فحسب، بل ساهمت في تنفيذ ترتيبات إسقاط مبدأ العودة إلى فلسطين. وهكذا، في ظل فشل المجتمع الدولي في تنفيذ قرارات الأمم المتحدة التي تفضي إلى عودة اللاجئين إلى بيوتهم وديارهم حسب القرار 194 الصادر في 1948، والقرار 3236 عام 1974 القاضي بربط العودة وتقرير المصير بإقامة دولة فلسطينية، وذكرت فيه أن حق العودة غير قابل للتصرف؛ في ظل هذا الفشل، هناك حاجة، على مستوى الكرامة والمساواة الإنسانية، للعمل المشترك على الأصعدة الإقليمية والدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، ومنها حق لاجئيه في العودة.
E64A09A2-8DB9-4CBB-887F-F1218463AA87
E64A09A2-8DB9-4CBB-887F-F1218463AA87
محمود العلي

باحث فلسطيني، دكتوراه في علم الاجتماع. عمل استاذاً مساعداً في معهد العلوم الاجتماعية - الجامعة اللبنانية، وفي عدّة وظائف في "الأونروا"، باحث ومنسق مركز حقوق اللاجئين – عائدون.

محمود العلي