منذ أن فتحت أبوابها للسوريين الهاربين من الحرب في سورية، استقبلت السويد رقماً قياسياً من اللاجئين وبات عدد صغير إنما متزايد منهم يحصل على وظائف في سوق العمل المحلية.
وفرّ رامي صباغ المحلل المالي البالغ 31 عاماً من العاصمة السورية، بعدما وضع نظام الرئيس بشار الأسد اسمه على قائمة المطلوبين لمساعدته لاجئين من ضواحي دمشق التي كانت تتعرض للقصف.
وبعد عامين يتولى رامي، الذي يرتدي سروال جينز داكن اللون وسترة من الجلد، رئاسة اجتماع في إحدى قاعات مقر شركة سبوتيفاي لخدمة الموسيقى الرقمية في ستوكهولم.
وقد وظفته الشركة العملاقة في مارس/آذار الماضي بعد فترة اختبار من أربعة أشهر.
وصرح لوكالة "فرانس برس" مستذكراً كيف أن حياته انقلبت رأساً على عقب جراء الحرب التي اندلعت في بلاده عام 2011: "قبل أربع سنوات لم أكن أتصور أبداً أن انتقل للعيش في السويد".
وأضاف: "كنت أتقدم بسرعة في وظيفتي وحصلت على ترقية في المصرف الذي كنت أعمل فيه وكان لدي شقتي وسيارتي وعائلتي.. كان لدي حياتي".
وتابع: "لكن هناك ظروفاً ترغمك على المضي قدماً وعلى ترك كل شيء وبدء حياة جديدة".
وعندما وصل إلى مدينة مالمو في جنوب السويد في ديسمبر/كانون الأول 2012، نقلته سلطات الهجرة إلى بلدة تبعد 1200 كلم إلى الشمال حيث انتظر الحصول على ترخيص إقامة وسط ملل وترقب للانتقال إلى المدينة.
وبعد حصوله على الأوراق اللازمة، استخدم معارف الأسرة لإيجار غرفة في ستوكهولم وتعلم السويدية لسنة أثناء قيامه بوظائف بسيطة وتقديمه طلبات لوظائف في شركات ناطقة بالإنكليزية، قبل أن يلتحق ببرنامج لخريجي الجامعات تموّله الدولة وضعه في شركة سبوتيفاي.
وفي سبتمبر/أيلول 2013 فتحت السويد أبوابها للسوريين ومنحتهم تراخيص إقامة تلقائياً ورفعت عدد طلبات اللجوء إلى مستويات قياسية تُعدّ الأعلى في دول الاتحاد الأوروبي، وفقاً لمكتب يوروستات.
ومنذ ذلك الوقت، وصل إلى السويد أكثر من 40 ألف سوري، بمن فيهم 30 ألفاً من اللاجئين الـ80 ألفاً الذين أتوا العام الماضي، وسط قلق متنامٍ من عدم توفر مساكن كافية ومن الطوابير الطويلة أمام مكاتب التوظيف.
وتزيد نسبة البطالة بين المقيمين غير السويديين عن الضعف تقريباً عن المعدل الوطني المقدر بـ7.8% وثلاثة أضعاف للاجئين من أفريقيا والشرق الأوسط، ما ساهم في دعم اليمين المتطرف المناهض للهجرة في بلد ذاع صيته بأنه الأكثر ليبرالية في أوروبا من ناحية استقبال طالبي اللجوء.
وغالبية اللاجئين الجدد يفتقرون إلى التعليم العالي وبالتالي يجدون صعوبة في الحصول على وظائف، إضافة إلى حاجز اللغة وقلة الوظائف لأصحاب المهارات المحدودة في اقتصاد يتميز بتكنولوجيته الحديثة.
كل هذه العوامل جعلت عملية اندماج المهاجرين في المجتمع صعبة، لكن هذه الصورة ستتغير إذ أن اللاجئين السوريين يأتون الآن بكفاءات عالية.
اقرأ أيضاً: السويد تمنح تصاريح عمل للاجئين السوريين حاملي الشهادات
وقال المسؤول عن عملية دمج اللاجئين في مكتب التوظيف السويدي العام، يوهان نيلاندر: "منذ بدء الأزمة في سورية لاحظنا ارتفاعاً مستمراً في مستوى التعليم للأشخاص في برامج الدمج".
وأضاف: "في 2014 كان ربع عدد اللاجئين من أصحاب التعليم العالي بزيادة نسبتها 5% مقارنة بالعام 2013.. وكان لدى أكثر من ثلثي اللاجئين مهارات تتناسب مع الوظائف المخصصة لحملة الشهادات".
وتابع: "من السهل مواجهة المشاكل والتحديات، لكن هذا الأمر يشكل أيضاً فرصة مهمة للسويد"، مضيفاً أن البلاد تعتمد على الموظفين الأجانب لسد حاجاتها في سوق العمل جراء نسبة المسنين بين السكان.
وكلف إصلاح حكومي أجري عام 2010 مكتبه بمهمة دمج اللاجئين الجدد التي كانت تتولاها سابقاً البلديات المحلية، ويمكّن تعديل أساسي الآن في أن يبدأ الوافدون الجدد برامج التوظيف مع متابعة حصص تعلم السويدية التي تمولها الدولة في آن، بدلاً من الانتظار لسنوات لتعلم اللغة أولاً.
لكن بغض النظر عن المهارات، يشكل عدم توفر مساكن عقبة رئيسية للوافدين الجدد، ولا يزال أكثر من 10 آلاف شخص في مراكز اللاجئين بعد أشهر على حصولهم على تراخيص الإقامة، ويبقى المئات منهم مع أقارب وأصدقاء في مساكن ضيقة ومكتظة.
وقال نيلاندر: "هناك عدد متزايد من الأشخاص ينتظر إيجاد مكان للسكن وفي الأثناء تكون عملية الدمج مجمدة... كل شيء يشير إلى أن فترات الانتظار الطويلة من شأنها التأثير على فرص إيجاد وظيفة مستقبلاً".
ويقيم جورج زيدان (45 عاماً) الصيدلاني من حماة في وسط سورية، المحافظة التي نفذ فيها تنظيم الدولة الإسلامية عمليات قتل وحشية في نهاية مارس/آذار، مع أصدقاء في إحدى ضواحي ستوكهولم مع زوجته وأولاده الثلاثة الصغار.
وفي فبراير/شباط، دفع لمهربين مبلغ 25 ألف دولار (23 ألف يورو) لينتقل في زورق من تركيا إلى اليونان حيث استقل الطائرة إلى السويد، والآن يعمل مساعداً في صيدلية محلية في إطار برنامج ممول حكومياً بانتظار التصديق على شهادته.
وقال: "لقد كان لدي صيدليتي لـ10 سنوات وقبل مغادرتنا سورية لم يكن بوسعي العمل إطلاقاً.. حاصر الإرهابيون بلدتنا وتساقطت القنابل في الشوارع، وعندما كنت أتوجه إلى المدينة للتبضع، لم أكن أعرف ما قد يحصل".
وأضاف بابتسامة حزينة "إنني سعيد جداً للعودة لما أعرفه... لتجديد معرفتي".
وشكا الاتحاد السويدي للصيادلة للحكومة بأن عملية المصادقة على شهادات 200 إلى 400 صيدلاني سوري تتأخر كثيراً، وأنه بحاجة ماسة إليهم ليحلوا مكان ربع عدد الصيادلة الذين سيتقاعدون قريباً.
وأضاف زيدان: "هناك فرص عمل هنا. أعلم أنه في وسعي العمل وأن أعيش حياة كريمة.. كل شيء سيكون على ما يرام إذا وجدنا مسكناً.. نحتاج إلى الاستقرار للتركيز على العمل وتعلم السويدية".
اقرأ أيضاً: لاجئو سورية في ألمانيا يواجهون أزمة سكن