لوّحت تركيا أخيراً بورقة اللاجئين السوريين بوجه أوروبا، ما أثار تساؤلات حول الأهداف التي تريد تحقيقها بعدما تحول اللاجئون إلى ورقة ضغط تشهر من أنقرة بين الحين والآخر. فقد قال نائب الرئيس التركي فؤاد أوقطاي، إن بلاده "ليست حارسة لأي دولة ولا مستودع مهاجرين، وليست أيضاً بلداً يدفع فاتورة الأزمات التي افتعلها الآخرون"، مشيراً في تصريحات صحافية، يوم الجمعة الماضي، على هامش مشاركته في منتدى "أمبروسيتي" بنسخته الـ 45 في مدينة تشيرنوبيو شمالي إيطاليا، إلى "أن الاعتقاد بأن تركيا ستحتضن موجة هجرة جديدة إذا بدأت، في جميع الأحوال، وعدم المبالاة إزاء هذه القضية، هي مقاربة خاطئة تماماً". وأكد أن تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن تركيا، ربما تضطر لفتح أبوابها "ليس تهديداً أو مخادعة بل حقيقة".
وكان أردوغان، قال يوم الخميس الماضي: "يجب علينا إقامة مثل هذه المنطقة الآمنة حيث تستطيع تركيا بناء بلدات فيها، بدلاً من مدن المخيمات هنا. دعونا ننقلهم إلى المناطق الآمنة هناك". وأضاف: "أعطونا دعماً لوجيستياً وسوف نستطيع بناء منازل في عمق 30 كيلومتراً في شمال سورية. بهذه الطريقة يمكننا أن نوفر لهم أوضاعاً معيشية إنسانية". وكشف أن "هدفنا هو إعادة مليون على الأقل من أشقائنا السوريين إلى المنطقة الآمنة التي سنقيمها على حدودنا الممتدة بطول 450 كيلومتراً". وتابع محذراً أوروبا من موجة لجوء جديدة "إما أن يحدث هذا، وإما سيكون علينا فتح الأبواب".
في السياق، خرج عشرات آلاف السوريين أخيراً في تظاهرات حاشدة في شمالي غرب سورية، مهددين باقتحام معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا للعبور إلى أوروبا في حال عدم إرساء هدنة دائمة في محافظة إدلب للحيلولة دون تقدم قوات النظام، والتي من المتوقع أن تنفذ عمليات انتقام واسعة النطاق بحق المدنيين في حال سيطرتها على المحافظة التي تعد المعقل البارز للمعارضة السورية و"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة). ولا تزال منطقة الشمال الغربي من سورية محكومة بتهدئة بانتظار قمة ثلاثية منتصف الشهر الحالي في تركيا تجمع رؤساء روسيا وتركيا وإيران للتباحث بمصير محافظة إدلب ومحيطها.
ومن المتوقع بروز موقف روسي متشدد حيال قضايا عدة، منها الإسراع بحل "هيئة تحرير الشام" من قبل الجانب التركي. وفي حال عدم حصول الروس على مطالبهم، من المرجح عودة العمليات العسكرية، وهو ما قد يدفع الجانب التركي إلى فتح الأبواب أمام تدفق السوريين ولاجئين آخرين على أراضيها للهجرة عبر البحر إلى أوروبا. وكانت تركيا غضت الطرف في منتصف عام 2015 عن تدفق اللاجئين لديها وجلهم من السوريين إلى أوروبا، من شواطئها على البحر المتوسط، وهو ما تسبب بأزمات جمة للدول الأوروبية قبل أن تستوعب ألمانيا والسويد ودول أخرى الصدمة من خلال فتح الحدود لهؤلاء اللاجئين. ولا تزال أوروبا تتخوف من موجة لجوء جديدة من المتوقع في حال حدوثها أن تكون أكبر من الموجة السابقة، وخاصة أنه لم يعد أمام نحو 4 مليون مدني من خيار إلا الهجرة للنجاة بأرواحهم من قوات النظام والطيران الروسي. كما من الواضح أن الجانب التركي يمارس المزيد من الضغط للحصول على أموال من أجل مواجهة أعباء استضافة أكثر من 5 ملايين لاجئ على أراضيها نحو 4 ملايين منهم سوريون ينتشرون في إسطنبول ومدن الجنوب التركي.
وكان الجانبان التركي والأميركي اتفقا في السادس من أغسطس/آب الماضي على إنشاء "مركز عمليات مشتركة" في تركيا، لتنسيق وإدارة إنشاء المنطقة الآمنة. وقال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، يوم الجمعة، إن تسيير الدوريات المشتركة بين الجنود الأتراك والأميركيين بما يخص المنطقة الآمنة في سورية، سيبدأ اليوم الأحد، مشيراً إلى أن مركز العمليات المشتركة بدأ أنشطته في قضاء أقجة قلعة، في ولاية شانلي أورفة (جنوب تركيا) ضمن نطاق الجدول الزمني. وكانت مصادر في "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) أكدت أن الأخيرة اشترطت عدم إدخال لاجئين أو نازحين إلى منطقة شرقي الفرات ليسوا من ضمن سكانها الأصليين، من أجل الموافقة على الاتفاق التركي الأميركي الخاص بالمنطقة الآمنة.
من جانبه قال الباحث السياسي المقرّب من "الإدارة الذاتية" الكردية في شرقي نهر الفرات، إدريس نعسان، في حديث مع "العربي الجديد": توجُّه الإدارة الذاتية وقسد واضح في هذا الاتجاه، وهو أن عودة اللاجئين السوريين من مناطق شمالي شرق سورية إليها كان دائماً مطلباً للإدارة، وهم يجب أن يعودوا إليها بعد الاستقرار الملحوظ الذي يسود هذه المناطق. وأشار إلى أن "عبور اللاجئين السوريين من المناطق الأخرى عبر شمالي شرق سورية هو أيضاً محط ترحيب كونهم سيعبرون أراضي سورية"، مضيفاً: لكن النية التركية هي تهجير السكان الأصليين لهذه المناطق وإسكان الآخرين عوضاً عنهم تطبيقاً لتغيير ديمغرافية شمالي شرق سورية لصالح أجنداتها، وهو بلا شك أمر مرفوض شعبياً بالدرجة الأولى.
وتسيطر "قسد" على منطقة شرقي الفرات، والتي يُنظر إليها باعتبارها "سورية المفيدة"، إذ تضم المنطقة التي تعادل ثلث مساحة سورية، أهم الثروات الطبيعية، فضلاً عن موقعها الجغرافي الاستثنائي. وعلى الرغم من أن الأكراد السوريين أقلية في هذه المنطقة، إذ يشكّل العرب الغالبية الساحقة من السكان، إلا أن الوحدات الكردية هي المتحكّمة بالمنطقة تحت قناع "قسد"، التي باتت الذراع البرية للولايات المتحدة في سورية. ويخشى الأكراد السوريون من خطة تركية غايتها دمجهم ديمغرافياً من خلال جلب مليون سوري عربي من خارج منطقة شرقي نهر الفرات، وإقامة مدن لهم وتجمعات سكنية. وفي هذا الصدد، رفضت "الإدارة الذاتية" الكردية في مناطق شمالي شرق سورية، الخطة التركية الرامية لإعادة اللاجئين السوريين إلى المنطقة الآمنة.