الكيان الكردي شمالي سورية: بين القلق التركي وصعوبة التطبيق

23 ديسمبر 2014
الأكراد سيطروا على المعبر الحدودي برأس العين (فرانس برس)
+ الخط -

يكشف تحذير الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أيام من وجود مشروع لتأسيس كيان كردي جديد شمالي سورية، جزءاً من الهواجس التي تحكم الموقف التركي، ليس إزاء تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) فقط بل مجمل التطورات السورية، مثلما يُلقي الضوء على جانب من الخريطة الجديدة لسورية التي قد يقود إليها المخاض الراهن في غمرة انهماك كل من النظام والمعارضة في الصراع بينهما، والتركيز الإعلامي الدولي على محاربة "داعش".

أردوغان قال خلال اجتماع لمجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية في إسطنبول، إن المشروع الذي يُعدّ لإقامة كيان كردي في شمالي سورية يشكل تهديداً لأمن تركيا، فيما نقلت صحف تركية عن أردوغان قوله إن مسؤولي الاستخبارات سيحذرون زعيم حزب "الاتحاد الديمقراطي" صالح مسلم، الذي وصل السبت إلى إسطنبول قادماً من أربيل، من أي خطوة أحادية لإنشاء كيان كردي مستقل شمالي سورية قرب الحدود التركية.

وكان المقاتلون الأكراد سيطروا على المعبر الحدودي الذي يربط مدينة رأس العين السورية في محافظة الحسكة مع تركيا، إثر اشتباكات مع "جبهة النصرة"، وسط تقارير عن نية "الاتحاد الديمقراطي" تشكيل حكومة في المناطق الخاضعة لسيطرته، وهي خطوة برزت مؤشرات على أنها تحظى بدعم بعض القوى في الغرب على خلفية المصالح النفطية، إذ تضم محافظة الحسكة أهم الحقول النفطية السورية.

وبعد هجوم "داعش" على منطقة عين العرب السورية، بدأ ما يشبه التحوّل في العلاقة مع حزب "الاتحاد الديمقراطي" والقوى الكردية المسلّحة الأخرى في سورية، التي بدأت تتلقى دعماً سياسياً وعسكرياً معلناً من جانب الغرب بما فيه الولايات المتحدة، التي ألقت طائراتها أسلحة للمسلّحين الأكراد في عين العرب خلال قتالهم "داعش".

كما أن هذا التحول طال العلاقة بين "الاتحاد الديمقراطي" و"المجلس الوطني الكردي" الذي يُعتبر من أهم الكتل في الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية، إذ طلب المجلس من الحزب فك ارتباطه مع النظام السوري كشرط لدعم أكراد سورية وتشكيل حالة شبيهة بشمال العراق.

والواقع أن الدعم الغربي بدأ يصل لـ"الاتحاد الديمقراطي" حتى قبل أن يعلن تركه للقتال إلى جانب النظام، والسماح لمن هجّرهم من المنطقة بتهمة دعم الجيش الحر بالعودة إلى منازلهم.

وزار مسؤولون غربيون محافظة الحسكة، عن طريق شمال العراق، وطالب بعضهم بتوحيد الجهود والتقارب مع كردستان العراق لإقامة حكم ذاتي للأكراد في شمال سورية.

ومن بين الشخصيات التي ضمّتها الوفود الغربية التي زارت المنطقة، وزير الخارجية الفرنسي السابق برنارد كوشنير المتهم باستغلال منصبه لتأمين عقود لشركات أصدقائه مع دول أفريقية، والسفير الأميركي السابق في كرواتيا بيتر غالبريث، وهو صاحب شركات نفط، ويُعدّ أحد عرابي تجربة حكومة كردستان العراق.

ويرى مراقبون أن معطيات مختلفة قد لا تساعد على إقامة كيان خاص بالأكراد في سورية يضم تجمعاتهم الرئيسية في البلاد، نظراً لعدم وجود تواصل جغرافي بين هذه التجمعات، كما أن عدد الأكراد في سورية هو الأقل بين دول المنطقة، إذ تشير التقديرات إلى أن عدد الأكراد في جميع بلدان العالم يبلغ حوالي ثلاثين مليون نسمة، منهم حوالي ستة عشر مليوناً في تركيا وستة ملايين في إيران وخمسة ملايين في العراق ومليون ونصف المليون في سورية ونصف المليون في بلاد الاتحاد السوفييتي السابق وثلاثة أرباع المليون في البلدان الأوروبية.

وتقع التجمعات الكردية الرئيسية في سورية في ثلاث مناطق رئيسية، هي شمال شرق البلاد (القامشلي، الحسكة، عامودا، القحطانية، المالكية، عين العرب)، ومنطقة عفرين (جبل الأكراد) شمال حلب، وهاتان المنطقتان تقعان على الحدود السورية-التركية والسورية-العراقية، أما التجمّع الثالث فهو في مدينة دمشق (حي الأكراد)، وينتشر بعضهم في المدن الأخرى لكنهم لا يسكنون في تجمعات أو أحياء محددة، وإنما يختلطون بالسكان الآخرين.

وبناء على هذا التوزع، فإن الحكومات السورية المتعاقبة لم تتعامل معهم كتجمّع قومي، وسهل ذلك أمامها التضييق عليهم وعدم الاعتراف بحقوقهم. وبالنتيجة لم يتم الاعتراف بلغتهم أو بتدريسها ولم يُسمح لهم بإقامة مدارس خاصة بهم، ولم تُفتح أمامهم أبواب وظائف الدولة كما يجب وخصوصاً في المناطق الشمالية الشرقية من سورية، وتفاقم الامر مع هجرة أكراد من العراق وتركيا إلى سورية، فتكدس الآلاف منهم من دون أن يحصلوا على بطاقات شخصية أو يُعاملوا كالسوريين.

لكن في العموم، يمكن القول إن العلاقات بين الأكراد والعرب كانت دائماً طبيعية، وكان منهم في سورية رؤساء دولة ووزراء وقادة وضباط كبار ونواب وسياسيون، فليس هناك رفض مسبق لهم ولحقوقهم، ولعل مشكلتهم تفاقمت بتأثير أوضاعهم في دول الجوار، وبالسياسات الخاطئة لحكومات "البعث" التي مسّت عموم المواطنين السوريين وليس الأكراد وحدهم.

ويشير الصحافي الكردي مسعود عكو في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن "الأكراد في العراق أصبحوا اليوم أقرب لإعلان دولة كردستان المستقلة، فالظروف الجيوسياسية أصبحت مناسبة خصوصاً بعد قبول تركي وشبه غربي لإقامة دولة كردية"، لكنه يلفت إلى أن "الأمر مختلف في سورية، فلا مقومات اقتصادية ولا عسكرية ولا حتى سياسية مثل كردستان العراق، ولكن تجربة الإدارة الذاتية ربما تُنتج في المستقبل حكماً ذاتياً لأكراد سورية، وبعد ذلك ربما الاستقلال".

يضيف عكو "إن الكلام في هذا السياق ربما يأخذ عشرات السنين، هذا في حال تم إسقاط نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد ولم تتقسّم سورية أصلاً، لأنها عملياً مقسّمة بين كانتونات عسكرية يحكمها جنرالات الحرب"، وفق تعبيره.

من جهته، يرى الصحافي السوري الكردي مروان علي أن "المنطقة كلها مقبلة على تغييرات كبيرة، وما يجري فيها لا سيما ظاهرة "داعش"، هو نوع من تمييع المنطقة لكي تسهل إعادة صياغتها"، معتبراً "أن ثمة حلاً عاماً للقضية الكردية ينتهي بتأسيس دولة كردية في كردستان العراق على أن تُشكِّل هذه الدولة بالنسبة للكرد في تركيا وسورية وإيران ما يُمكن تسميته "الوطن البديل"، إذ لم تعد هناك من إمكانية لاستمرار حرمان الأكراد من حق تقرير المصير".

ويلفت علي في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن "القضية الكردية في سورية تختلف جوهرياً عنها في تركيا والعراق وإيران وذلك لأسباب تاريخية وسياسية وديموغرافية وجغرافية أيضاً".

ويشير إلى أنه "بعد الثورة السورية رفع الأكراد سقف مطالبهم، مثل المطالبة بسورية فيدرالية على نمط النموذج الكردي في كردستان العراق"، لكن ذلك كما يرى "كان هدفه الضغط على النظام والمعارضة للاستجابة للمطالب الكردية الأساسية، وهي الاعتراف بالشعب الكردي دستورياً ورفع الإجراءات الاستثنائية المطبّقة في المناطق الكردية وتعويض المتضررين من سياسات التعريب ومنح المناطق الكردية وذات الغالبية الكردية إدارة ذاتية".

المساهمون