تتصاعد التحذيرات وردود الفعل الغاضبة في الكويت من الإجراءات التي تتبعها الحكومة والقطاعات الاقتصادية لمواجهة تداعيات تفشي فيروس كورونا الجديد، والتي بدأت تأتي بنتائج عكسية وصفتها مراكز بحثية ومتخصصون بالخطيرة.
وسلطت قضية التصعيد ضد العمالة الوافدة وخطط الحكومة التي تهدف إلى ترحليهم الضوء على مشكلة جديدة تتعلق بهجرة الكفاءات وأصحاب التخصصات النادرة، ولو برواتب أقل في بلدانهم أو دول أخرى، بعد سيطرة حالة عدم الأمان الوظيفي في الكويت التي تشهد حملة غير مسبوقة على الوافدين من قبل سياسيين ونواب في البرلمان ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي.
وخيّم الارتباك على أداء المؤسسات الاقتصادية الكبرى، ما كبّد البورصة خسائر تجاوزت 4 مليارات دولار خلال تعاملات الأسبوع الماضي، وسط مخاوف من هجرة المستثمرين الأجانب.
وحذّر المركز الدولي للاستشارات الاقتصادية، في تقرير أعد خصيصاً وموجه لمجلس الوزراء، من أن الكويت ستشهد خلال الأشهر القليلة المقبلة هجرة واسعة للعمالة الوافدة المدربة المطلوبة في جميع دول العالم، وخصوصا أصحاب التخصصات النادرة التي يحتاج إليها الاقتصاد، وذلك بسبب التصعيد غير المبرر ضد الوافدين والدعوات المطالبة بترحيلهم، فضلاً عن استمرار إجراءات العزل المناطقي الذي يستهدف مناطق العمالة الوافدة دون غيرهم.
وذكر التقرير، الذي حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، أنه سيكون لهجرة العمالة المدربة تأثير خطير على الاقتصاد، خصوصاً من أصحاب التخصصات الفنية النادرة، مثل مهندسي النفط والفنيين في قطاع الطاقة والأطباء والممرضين والتخصصات الفنية في القطاع الطبي والعاملين في مجال الإنشاءات والمدرسين والوظائف الأخرى التي يرفضها المواطنون بسبب ضعف الراتب وطبيعة العمل في تلك المهن.
وفي وقت سابق من يونيو/ حزيران الجاري، أصدر وزير النفط، خالد الفاضل، قراراً تاريخياً يقضي بإيقاف تعيين العمالة الوافدة في مؤسسة البترول الكويتية وشركاتها نهائياً، مع تقنين عددهم في العقود الخاصة وعقود المقاولات، مبرراً ذلك بأنه لن يقف مكتوف الأيدي تجاه من يريد تسريح العمالة الوطنية في الشركات البترولية، إثر تداعيات جائحة كورونا.
لكن الباحث الاقتصادي الكويتي عادل الفهيد، قال لـ"العربي الجديد" إنه "يجب التفرقة بين ظاهرة تجارة الإقامات التي جلبت آلاف العمالة الوافدة من دون عمل حقيقي وبين المقيمين الذين يعملون في مهن مختلفة وتخصصات مطلوبة مثل الأطباء والمهندسين والمدرسين والمحاسبين، فضلاً عن الوظائف الإدارية الأخرى التي تعود بالفائدة على الاقتصاد والمواطن".
وأضاف الفهيد أن الوافد قد يضطر للقبول براتب أقل في دولة أخرى أو بلده في مقابل الشعور بحد أدنى من الأمان الوظيفي، مشيراً إلى أن عملية إحلال المواطنين بدلاً من الوافدين بشكل عشوائي ستكون لها تكلفة باهظة، إذ سيحصل المواطن على 3 أضعاف راتب الوافد.
وكان مصدر حكومي قد قال لـ"العربي الجديد"، يوم الخميس الماضي، إن مجلس الوزراء طالب الوزراء بسرعة تنفيذ خطة "التكويت الشاملة" التي تهدف إلى إحلال أكبر عدد ممكن من المواطنين بدلاً من الوافدين وصولاً إلى نسبة 90% من الوظائف للمواطنين .
وكشف المصدر أن هناك نحو 7 وزارات يخطط لها أن تصبح بلا وافدين قبل نهاية العام الجاري، وهي (الخارجية والنفط والتجارة والتخطيط والداخلية والدفاع والبلدية)، فضلاً عن 3 هيئات حكومية ستتخذ نفس الخطوة نحو الاستغناء عن كافة الوافدين قبل نهاية العام، وهي (ديوان الخدمة المدنية والهيئة العامة للمعلومات المدنية ومؤسسة الرعاية السكنية).
وبحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن الإدارة المركزية للإحصاء، يبلغ إجمالي عدد العاملين في الكويت نحو 2.18 مليون شخص، تحتل الجالية الهندية المرتبة الأولى بنسبة 27%، بما يعادل نحو 578 ألف عامل، تليها الجالية المصرية بنسبة 24% بعدد 518.8 ألفاً، بينما يحتل المواطنون المرتبة الثالثة من حيث التوظيف بنسبة 19% بإجمالي 408.2 آلاف، ثم الجالية البنغالية بنسبة 9%، بعدد 185.4 ألفاً، ثم باكستان والفيليبين بنسبة 4% لكل منهما وسورية 3% والنسبة المتبقية موزعة على جنسيات أخرى.
ويواجه معظم العمالة الوافدة مشكلات كبيرة منذ بداية أزمة تفشي كورونا، حيث تم تسريح مئات الآلاف من أعمالهم فيما يتواصل تطبيق عزل المناطق التي يقطنها الوافدون، الأمر الذي تسبب في وقف صرف أجورهم نتيجة عدم ذهابهم إلى أعمالهم كما لم يتمكن غالبية الوافدين من دفع الإيجارات الشهرية.
وبحسب البيانات الرسمية الصادرة عن الإدارة العامة للطيران المدني، فإن أعداد المسافرين الذي غادروا البلاد خلال مايو/أيار الماضي تضاعفت بشكل كبير، إذ بلغت 49 ألفاً غالبيتهم يغادرون من خلال رحلات الطيران العارض غير المنتظم "الشارتر".
وقال أستاذ الاقتصاد الكويتي محمد الهاجري، لـ "العربي الجديد"، إن مشكلة كورونا خلقت أزمة ثقة في صفوف العمالة الوافدة بسبب عدم شعورهم بالاستقرار والأمان الوظيفي بعد التصريحات الهجومية والإعلان عن نوايا جديدة لتقليص أعدادهم، مطالباً الحكومة وأعضاء البرلمان بعدم إطلاق تصريحات شعبوية لدغدغة مشاعر الناخبين.
ويشن رواد التواصل الاجتماعي هجوماً حاداً متواصلاً منذ بضعة أسابيع على الوافدين، لتنال الجالية المصرية الحيز الأكبر من الهجوم بعد حادثة تجمهر للعمالة المخالفة في مراكز الإيواء مطلع مايو/ أيار الماضي على خلفية تأخر السلطات المصرية في إجلائهم.
وتدرس الحكومة الكويتية بمشاركة نواب مجلس الأمة خططاً لمعالجة قضية التركيبة السكانية وترحيل أعداد كبيرة من العمالة الوافدة وفرض رسوم جديدة على تجديد الإقامات وتقييد إجراءات الالتحاق بعائل، فضلاً عن وقف تجديد الإقامات لمن تجاوز 60 عاماً.
ولم تقتصر حالة الارتباك بشأن التعامل مع تداعيات كورونا على القطاع الحكومي والتعامل مع الوافدين، وإنما امتدت إلى مؤسسات اقتصادية ومالية كبرى خلال الأيام الماضية، ما أثار سخطاً واسعاً في أوساط المستثمرين بالدولة.
ودخلت البورصة الكويتية في موجة من الخسائر بلغت خلال الأسبوع الماضي نحو 4 مليارات دولار بسبب عمليات بيع من قبل المستثمرين، لا سيما الأجانب، في أعقاب تداعيات قرار لاتحاد المصارف الصادر في العاشر من يونيو/ حزيران الجاري، يقضي بعدم توزيع البنوك الكويتية أرباحاً نقدية على المساهمين عن عام 2020، من أجل تعزيز قدرات القطاع المصرفي وضمان استمرار انسياب السيولة ودوران عجلة العمل وتجاوز أزمة كورونا.
وفي أعقاب هذا، أعلنت هيئة أسواق المال الكويتية إلغاء كافة تداولات البورصة في ذات يوم صدور القرار وتسوية آثارها كاملة واعتبارها كأنها لم تكن، ما أثار سخطاً واسعاً في أوساط المستثمرين، لكن الهيئة بررت إلغاء التعاملات بأن قرار اتحاد المصارف له أثره سلبي مباشر على التوجهات الاستثمارية لكافة المتعاملين خلال الجلسة، خاصة قطاع البنوك الذي استحوذت تداولاته على نحو 70% من إجمالي سيولة السوق.
وقال مصدر مصرفي لـ "العربي الجديد" إن "قرار هيئة أسواق المال أساء لسمعة البلاد وأضرّ بالمناخ الاستثماري في ظل حالة التدهور الاقتصادي الراهنة"، مشيرا إلى البنوك تلقت العديد من الاستفسارات والتساؤلات من المستثمرين الأجانب بشأن القرارات المتضاربة لهيئة أسواق المال وبيان اتحاد المصارف الكويتية.
وأضاف المصدر أن "الاقتصاد الكويتي لا يتحمّل القرارات المتضاربة التي ستفاقم الخسائر المليارية المتلاحقة التي قدرت بنحو 4 مليارات دولار في 7 أيام، فضلاً عن انعدام ثقة المتضاربين وصناديق الاستثمار وهجرة رأس المال والأجانب من البورصة".
ووفق الخبير الاقتصادي، أحمد الهارون، فإن البورصة مطالبة باتخاذ قرارات جريئة لاستعادة ثقة أصحاب الأعمال وشركات الاستثمار التي فقدت الثقة بالسوق.
وبحسب تقرير لوكالة بلومبرغ الأميركية، الأسبوع الماضي، فإن قرار إلغاء التعاملات، سيضر بسمعة بورصة الكويت، فيما دخل نواب في البرلمان على خط الأزمة، حيث أكد عمر الطبطبائي، أن الخسائر المادية الناجمة عن قرار إلغاء التداولات كفيلة بإنشاء مشاريع تدر مليارات للبلد، وقد هُدرت بسبب تصرفات غير مدروسة من هيئة أسواق المال، مضيفاً أن "العبث بموارد الشعب ووضع الكويت بصورة هشة أمام الأسواق العالمية، أمر غير مقبول بتاتاً".
وخلال ندوة افتراضية أقامتها الجمعية الاقتصادية الكويتية، الأربعاء الماضي، أكد رئيس هيئة أسواق المال الأسبق طلال الغانم، أن ما حدث بمثابة تخبط واضح لدى البورصة، لافتاً إلى أن التعامل بهذه الطريقة لم يشهده أي سوق مالي على مستوى العالم.
وقال الخبير الاقتصادي، حجاج بوخضور، لـ"العربي الجديد"، إن من المتوقع أن يشهد سوق المال خلال الفترة المقبلة اهتزازاً كبيراً، بسبب القرارات التخبطية التي نتجت عنها تداعيات سلبية وقضايا ومطالبات بتعويضات لمصلحة المتضررين، داعياً إلى ضرورة محاسبة المتسبب والمسؤول عن هذا الخطأ الجسيم.