بشراهة انقضت الحكومة الجديدة (نصف وزرائها من الحكومة السابقة) على الحكومة التي سبقتها، وفي أقل من شهر تحولت مصانع السيارات التي كانت تدافع عنها الحكومة السابقة إلى احتيال واستيراد مقنّع في نظر الحكومة الجديدة. أما خطاب ترشيد النفقات، الذي صدع به رئيس الحكومة السابق عبد المالك سلال حتى شهر يونيو/حزيران الماضي، فانكشف في نظر الحكومة الجديدة بقيادة وزير السكن السابق عبد المجيد تبون كسوء تسيير وفساد حكومي، ومشاريع الاستثمار الصناعي التي كان يرافع لأجلها سلال، باتت في عين خلفه تبون إهداراً للمال العام عندما أعلن الأخير قبل أيام أن ما يعادل 1 مليار دولار ذهبت في مهب الريح في مشاريع صناعية مفلسة وغير مجدية نفذتها الحكومة السابقة.
لكن المفارقة التي تبقي الحليم حيراناً في الجزائر، أن كل حكومة منذ عام 1999 تقول إنها تطبق "برنامج فخامة رئيس الجمهورية المجاهد عبد العزيز بوتفليقة" - وبالمناسبة هو برنامج بات أشبه ما يكون بطائر العنقاء لا أحد يعرف مضمونه - وكل رئيس حكومة يقول إنه ينفذ تعليمات رئيس الجمهورية الذي لم يتحدث لشعبه منذ الثامن من مايو/أيار 2012. قبل أقل من شهر كانت حكومة عبد المالك سلال تسير في اتجاهات وخيارات اقتصادية ترتكز على تشجيع صناعة السيارات والسياحة، باسم رئيس الجمهورية، وبعد شهر تغير الاتجاه، وأعلنت الحكومة الجديدة بقيادة عبد المجيد تبون، باسم رئيس الجمهورية أيضاً، عن خيارات وتوجهات اقتصادية بديلة، ذلك أن الحكومات في الجزائر يسهل عليها تغيير الخطاب والمسار كما لو كانت تسوق في حافلة، وليست تسيّر شؤون بلد.
لا تنتهي الكوميديا الحكومية في الجزائر عند هذا الحد. في الجزائر تأتي حكومة وتنفق المال العام في سراب خطط وبهتان برامج للتنمية لم تزد الاقتصاد الجزائري إلا غرقاً في ريع النفط، بحيث انتقل اعتماد الجزائر على مداخيل النفط من 92.3 في المائة عندما استلم الرئيس بوتفليقة الحكم عام 1999 الى 98.1 في المائة في ديسمبر/كانون الأول 2016. تأتي وتذهب هذه الحكومات من دون حساب أو مراجعة لبياناتها المالية وإنفاقها، حكومة عبد المالك سلال التي أدارت شؤون البلد المتخم بالمشاكل والأزمات والخدع السياسية أيضاً بين يونيو/حزيران 2012 حتى يونيو 2017، لم تقدم حسابها أمام الشعب والبرلمان مثلما يقتضيه الدستور، وذلك الدستور هو آخر ما يحترم في الجزائر... ولذلك أنفقت الجزائر 800 مليار دولار منذ عام 1999، من دون أن تمشي خطوة واحدة على طريق النمو والتنمية