تواصل مسلسل الهبوط الحاد لأسعار النفط عالمياً خلال الفترة الأخيرة، ويأتي ذلك في إطار تصاعد حرب إغراق الأسواق بمزيد من المعروض بين كبار المنتجين داخل منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وخارجها.
ويُقدر خبراء نفط الفائض في الأسواق بأكثر من 6 ملايين برميل يومياً، ما زاد الضغط على أسعار النفط، خاصة بعد فشل أوبك للمرة السابعة في التوصل لاتفاق حول مستوى الإنتاج، الأمر الذي رمى بالأسعار لما دون 38 دولاراً للبرميل من خام برنت، فيما هبط الخام العربي الخفيف لما هو دون ذلك بأكثر من ثلاثة دولارات.
ولا يأتي الفائض من خارج أوبك فقط، فالمشكلة تأتي من الداخل أيضاً، فعلى الرغم من أن سقف إنتاج أوبك محدد بـ31 مليون برميل من النفط يومياً، إلا أن إنتاجها من النفط ارتفع إلى 31,7 مليون برميل يومياً، ومع دخول إيران فسيزيد هذا الرقم نحو 200 ألف برميل يومياً ليصل لنحو 32 مليون برميل يومياً، ما يعني تفاقم مشكلة الفائض أكثر.
وفي هذا السياق يؤكد الخبير النفطي الكويتي، بدر البوعلي، على أن المشكلة الأكبر في تنامي أزمة النفط أكبر من الاختلافات الحادة داخل منظمة أوبك، وزيادة الإنتاج من خارج المنظمة، مؤكداً أن تراجع الطلب على النفط بسبب تباطؤ الاقتصاد العالمي، رفع الفائض في وقت تخشى فيه الدول من خفض الإنتاج لأن ذلك قد يهدد حصصها في السوق.
ويقول البوعلي: "إن دولاً مثل روسيا وإيران تبيع النفط بأرخص الأسعار وبكميات كبيرة، لأنها تحتاج للمال، لهذا نجد أن الأمور تتجه للأسوأ، والأسواق متخمة بالنفط الرخيص، ويشير إلى وجود أكثر من 6 ملايين برميل بلا مشترٍ.
ويشدّد البوعلي على أنه قد يكون من الأفضل للدول بيع كميات نفط أقل بأسعار أعلى، ويتابع مستدركاً، "لكن لا أحد لديه الجرأة على أن يبدأ الخطوة الأولى".
وعلى الرغم من توالي انخفاض عدد منصات إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة وتراجع إنتاج بعض الدول من خارج أوبك بنحو 300 ألف برميل يومياً، وتأثر شركات النفط الأميركية سلبياً، إلا أن الاستراتيجية التي اتبعتها أوبك تسببت في أذى أكبر لأعضائها، لأن الدول الـ12 تعتمد في توفير نحو 90% من دخلها من بيع النفط، وأدت إلى مزيد من الخسائر التي لحقت بالأسواق على خلفية تهاوي الأسعار، حسب محللين.
وهبطت أسعار التعاقدات الآجلة للنفط الخام، أمس، لسابع جلسة على التوالي، في أطول فترة هبوط لها، منذ منتصف عام 2014، بعد أن أدى توقع للوكالة الدولية للطاقة باحتمال تفاقم التخمة النفطية في الأسواق، العام المقبل، إلى هبوط الأسعار.
وهبط سعر خام غرب تكساس لأقرب شهر استحقاق 16 سنتاً إلى 35.46 دولاراً للبرميل صباحاً، في حين هبط برنت 23 سنتاً إلى 37.70 دولاراً للبرميل.
وشهد كلا الخامين هبوطاً بشكل يومي منذ أن تخلت أوبك في الرابع من ديسمبر/كانون الأول عن الحد الأقصى لإنتاجها. وهبط كلا الخامين خلال جلسات التعامل الست الماضية أكثر من 13%.
اقرأ أيضاً: النفط قرب أدنى مستوياته في 11 عاماً
ومنذ يونيو/حزيران 2014، تراجعت أسعار النفط العالمية بشكل حاد، لتهبط من 115 دولاراً للبرميل إلى ما دون 38 دولاراً حالياً، وهو أدنى مستوى لها، منذ الأزمة المالية العالمية في عامي 2008 و2009، والسبب الواضح وراء ما يحدث هو إصرار منظمة أوبك على الإبقاء على حجم الإنتاج عند المستوى الحالي، وتجاوزه على أرض الواقع بنحو 8%، بالإضافة إلى زيادة الإنتاج لبعض الدول من خارج أوبك.
وأكد تقرير لمنظمة الطاقة الدولية صدر، أخيراً، استمرار زيادة الفائض بالأسواق طوال عام 2016، في وقت ستبدأ فيه إيران أيضاً بضخ المزيد من النفط لاستعادة موقعها بين أكبر منتجي النفط بعد رفع العقوبات الغربية عنها، وتوقع البيت الاستشاري انرجي غلوبل، أن يصل نفط طهران لأسواق النفط بعد نهاية شهر مارس/آذار عام 2016، وسيبلغ الإنتاج الذروة في الربع الثالث عند 3.5 ملايين برميل يومياً، وربما أقل من ذلك بـ200 ألف برميل، حسب معلومات الطاقة الأميركية، ولكن في كل الحالات سيعني ذلك طرح المزيد من النفط في الأسواق.
وفي المقابل أكدت إدارة معلومات الطاقة الأميركية هبوط إجمالي إنتاج النفط الأميركي من 9.6 ملايين برميل يومياً في مايو/آيار 2015، إلى 9.2 ملايين برميل يومياً في نوفمبر/تشرين الثاني، مع التوقعات أن يهبط الإنتاج لنحو 8.8 براميل في 2016، إلا أن تباطؤ الطلب يجعل هذا الهبوط غير مؤثر.
وكانت الوكالة الدولية للطاقة قد قالت، في الشهر الماضي، إن نمو الطلب العالمي على النفط سيتباطأ السنة المقبلة. وتوقعت المنظمة أن يكون النمو بحدود 1.2 مليون برميل يومياً في 2016، مقابل 1.8 مليون في 2015.
وأكد الخبير النفطي السعودي، محمد سرور الصبان، أن: "حصة أوبك في الأسواق النفطية تمثل قرابة 30% من الإنتاج العالمي، وأنها لا تستطيع وحدها أن تدافع عن منتجي النفط، خاصة مع دخول دول أخرى إلى الساحة بعيداً عن مظلتها، مثل روسيا"، مشدداً على أن أوبك تخطط للمدى البعيد، وعلى ذات النسق يتوقع مسؤولون تنفيذيون بكبرى شركات النفط :" استمرار تخمة المعروض من الخام وضغطها على أسعار النفط شهوراً عديدة قادمة إن لم يكن لسنوات على الرغم من التخفيضات الحادة في استثماراتها وإلغاء مشروعات في أنحاء العالم".
وعاندت روسيا، أكبر بلد منتج للنفط في العالم، أوبك، عبر زيادة إنتاجها، حيث تستفيد صناعتها من الهبوط الحاد في قيمة الروبل الذي استخدمه الكرملين في مواجهة تأثير تراجع أسعار الخام.
وأظهرت أحدث البيانات أن شركات النفط الروسية تقوم بحفر مزيد من الآبار النفطية، وهو ما يشير إلى أن روسيا مستعدة لخوض حرب طويلة الأجل مع أوبك على الحصة السوقية، حيث تستطيع صناعتها المضي قدماً، حتى إذا وصلت الأسعار إلى 35 دولاراً للبرميل، على الرغم من أن ميزانيتها قدرت سعر البريل بنحو 50 دولاراً.
اقرأ أيضاً:
برنت ينزل عن 39 دولاراً للمرة الأولى..منذ ديسمبر 2008
أوبك: النفط الرخيص يضر بالموردين المنافسين أكثر في 2016