وصل رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، ظهر اليوم الثلاثاء، إلى العاصمة الإيرانية طهران، في أول زيارة خارجية له منذ انتخابه للمنصب في مايو/أيار الماضي.
وبحسب الرئاسة الإيرانية، فإن الزيارة تستغرق يومين، ويرافقه فيها وفد سياسي واقتصادي رفيع يتكون من وزراء الخارجية والنفط والكهرباء والمالية والدفاع والصحة ومستشاره للأمن القومي العراقي.
واستقبل وزير الطاقة الإيراني رضا اردكاني الكاظمي في مطار "مهر آباد"، قبل أن ينظم له الرئيس الإيراني، حسن روحاني، حفل استقبال رسمي في مجموعة قصور "سعد آباد".
وبعد الاستقبال الرسمي، من المقرر أن يبدأ وفدا البلدين مباحثات ثنائية على أن يعقد روحاني والكاظمي "لقاءً خاصا"، بحسب مسؤول الإعلام بالرئاسة الإيرانية، علي رضا معزي، من دون أن يكشف عن عناوين المباحثات السرية بين الطرفين.
كما ستكون المباحثات المشتركة بين الوفدين الرفيعين للبلدين بحضور نائب رئيس الجمهورية (الإيراني) إسحاق جهانغيري ومصطفى الكاظمي".
ويُستشف من التصريحات والتقارير الإعلامية الإيرانية، أن مباحثات المسؤولين الإيرانيين مع الوفد العراقي ستركز على عدد من المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، أهمها موضوع التواجد العسكري الأميركي في العراق باعتباره خطراً على الأمن القومي الإيراني، ومسألة اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني السابق، قاسم سليماني، وبحث سبل تطوير العلاقات الاقتصادية على ضوء اشتداد تبعات العقوبات الأميركية، ومتابعة الاتفاقيات الاقتصادية السابقة بين طهران وبغداد، والتي وقع عليها الجانبان خلال زيارة الرئيس الإيراني للعراق في مارس/آذار 2019، والتي لم تنفذ بعد، فضلاً عن مناقشة قضايا إقليمية ودولية، مثل الأمن الإقليمي والتوتر بين إيران والسعودية.
وسيلتقي رئيس الوزراء العراقي، مساء اليوم الثلاثاء، مع أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، الأدميرال علي شمخاني، ورئيس مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) في إيران، محمد باقر قاليباف، إلا أن اللقاء الأهم للكاظمي في إيران، هو مع المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، الذي تجنب منذ خمسة أشهر استقبال المسؤولين الإيرانيين والأجانب في لقاءات حضورية، بسبب ظروف تفشي كورونا، لكنه يكسر هذا الحاجز للقاء رئيس الوزراء العراقي، في دلالة واضحة على الأهمية التي توليها إيران للزيارة.
وفي هذا الصدد، علقت وكالة "نور نيوز" الإيرانية، المقربة من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، اليوم الثلاثاء، على لقاء الكاظمي مع خامنئي، قائلة إنه "اللقاء الوحيد له منذ خمسة أشهر"، معتبرة أن "ذلك مؤشر على اهتمامه الخاص بالعلاقات مع العراق وشعبه".
وأكدت الوكالة أن هذا اللقاء "ستكون له رسائل مختلفة من حيث مضمونه وتأثيره على مستقبل العلاقات الثنائية" بين البلدين.
وبدا أن هذا الاهتمام الإيراني الكبير، هو الذي دفع طهران لإيفاد وزير الخارجية، محمد جواد ظريف إلى العراق، الأحد، لإجراء "التنسيقات اللازمة" بشأن زيارة الكاظمي. والتقى ظريف خلال الزيارة برؤساء السلطات الثلاث ورئيس "الحشد الشعبي" فالح الفياض ومسؤولين عراقيين آخرين في بغداد، قبل أن يزور أربيل ويجري لقاءات مع مسؤولي الإقليم.
سياسيون عراقيون دعوا الكاظمي إلى إبعاد العراق عن أن يكون ساحة لتصفية حسابات إيران مع الدول الأخرى
ويأتي هذا الاهتمام الإيراني الكبير بزيارة الكاظمي جراء تصاعد الصراع الإيراني الأميركي في العراق منذ اغتيال قائد "فيلق القدس"، مطلع العام الحالي في ضربة جوية أميركية في بغداد، كما أن ذلك مدفوع بمخاوف إيرانية من سياسات الكاظمي وتوجهاته، حيث إنه لم يكن المرشح الإيراني المفضّل، لكنه كان مرشح "الاضطرار"، في توقيت، تلقت فيه السياسة الإيرانية في المنطقة عموماً، وفي العراق خصوصا، ضربة بعد اغتيال سليماني وأهم الشخصيات الحليفة لها، أي أبو مهدي المهندس، مما وضعها أمام تحديات جسام، تحاول جاهدة تجاوزها.
وتتضح من تحليلات وتصريحات إيرانية وجود حالة عدم الرضا الإيراني من بعض سياسات وسلوك الحكومة العراقية الجديدة، وسط قناعة ما لدى مراقبين إقليميين ودوليين من أن الكاظمي مقرب من الطرف الأميركي، وأنه لا يولي للمصالح الإيرانية في العراق ذلك الاهتمام الذي يبديه لمصالح القوى الإقليمية والدولية المتصارعة معها في بلاد الرافدين.
وعلى ضوء هذه المعطيات، تسعى إيران اليوم إلى استمالة الكاظمي إلى صفها واستشفاف حقيقة توجهاته وسياساته.
وفي سياق اهتمامها بالزيارة، لم تخف طهران فرحتها من أن تكون هي المحطة الأولى للكاظمي، لا السعودية، بعد تأجيل زيارته إليها على خلفية نقل العاهل السعودي، الملك سلمان إلى المستشفى لإجراء فحوص طبية، حيث اعتبر موقع "الدبلوماسية الإيرانية" المقرب من الخارجية الإيرانية، في مقال بقلم علي موسوي خلخالي، نشره اليوم الثلاثاء، أن "إلغاء زيارة الكاظمي للسعودية مكسب مهم لإيران".
وأضاف خلخالي أنه "على المستوى السياسي، فإن التركيز السعودي على زيارة الكاظمي وإلغاءها سيرجح كفة إيران في العلاقات الثنائية مع بغداد"، معتبراً ذلك "فرصة سياسية قيمة للدولتين".
وأشار الإعلامي الإيراني إلى أبعاد زيارة الكاظمي الاقتصادية، موضحاً أن "غياب الطرف السعودي في المعادلات العراقية يرفع من قدرات إيران في المساومة لاكتساب امتيازات اقتصادية مطلوبة"، لافتاً إلى مساعٍ سعودية وأميركية لتوصيل الكهرباء العراقية بدول الخليج، ليستغني العراق عن الطاقة الإيرانية.
وفي السياق، أكد خلخالي أن الجانب الإيراني يمكنه إفشال هذا التوجه السعودي الأميركي لـ"كي لا يتأثر تصديرها للطاقة إلى العراق".
وفيما يتحدث مراقبون عن احتمال قيام الكاظمي بوساطة بين طهران والرياض لخفض التوتر بينهما، لا تبدو إيران متفائلة بحصول انفراجة ما في الأزمة مع السعودية، رغم توقعها احتمال أن يكون ملف العلاقة معها على جدول المباحثات مع رئيس الوزراء العراقي.
واستبعد المحلل السياسي الإيراني، سعد الله زارعي، المقرب من دوائر صنع القرار في إيران، في حوار له مع وكالة "إيسنا" الإيرانية، اليوم الثلاثاء، تحسن العلاقات مع الرياض، في معرض رده على سؤال عما إذا كان الكاظمي يحاول تحسين هذه العلاقات، قائلاً إنه "لا مؤشر من السعودية في هذا الصدد ولا يوجد أي تطور بين إيران والسعودية"، غير أن زارعي أكد أن مباحثات بهذا الشأن ستجري مع الكاظمي.
وقال مسؤول عراقي رفيع في بغداد لـ"العربي الجديد إن المباحثات ستشمل ملفات مهمة وحساسة سيديرها الكاظمي بنفسه مع القيادات الإيرانية المعنية يتعلق بجزء رئيس منها بالفصائل المسلحة المرتبطة في إيران داخل العراق وضرورة احترامها الدولة والخضوع للقانون"، على حد تعبيره.
وأوضح أن الوفد المرافق للكاظمي سيبحث ملفات اقتصادية وتجارية وتفعيل اتفاقيات سابقة أبرمت في عهد حكومة عبد المهدي يشهد بعضها مشاكل فنية وإجرائية، كما سيتم بحث ملف دفع العراق مستحقات الغاز والكهرباء بالعملة المحلية أو أي عملة أخرى غير الدولار بسبب العقوبات الأميركية المفروضة على طهران
سياسيون عراقيون دعوا الكاظمي إلى ما وصفوه بـ"إبعاد العراق عن أن يكون ساحة لتصفية حسابات إيران مع الدول الأخرى".
ودعا النائب عن تحالف "القوى العراقية"، رعد الدهلكي، الكاظمي إلى العمل على ترسيخ مبدأ الدولة وألا يجعل العراق ساحة لتصفية حسابات لإيران أو غيرها، وقال الدهلكي لـ"العربي الجديد"، إنه "يجب على العراق ألا يكون ساعي بريد بين إيران وغيرها من الدول الأخرى، وأن يعمل لصالح الشعب العراقي من خلال خطواته وزياراته".
وأكد أن "المفاوضات بين إيران والدول الأخرى يجب ألا تعني العراق، فهي مشاكل خاصة بها، وأن العراق لديه مشاكله الخاصة وأزماته ومصالحه التي يجب أن يعنى بها"، داعياً رئيس الحكومة الى أن "يعمل على ألا يكون العراق ساحة لتصفية الحسابات والخلافات بين الدول، وأن يعمل على إعادة حقوق العراق وفرض هيبته كبلد ذي سيادة بين الدول الأخرى".
ودعا الدهلكي إلى "إعادة العراق إلى محيطه العربي أولاً، ومن ثم دول الجوار"، مشيراً الى أن "الكاظمي أمام اختبار، وعليه أن تكون خطواته محسوبة باتجاه ترسيخ الدولة العراقية، وإنهاء كل تداعيات وفرضيات اللادولة والتبعية، وأن يعمل على نصرة الدولة العراقية".
أما النائب السابق عن التحالف الكردستاني، ماجد شنكالي، فقد أكد لـ"العربي الجديد" أن "زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لم تحقق النتائج التي كانت تريدها إيران في العراق، لكنها أوصلت رسالة بأن إيران مازالت تملك من القوة على البقاء في هذا الوقت، وأن على الأطراف العراقية الرافضة لوجودها القبول بذلك واحترامه". وأشار إلى "ضرورة تفهم أن الجانب العراقي لا يمكنه أن يقوم بوساطة بين إيران والسعودية".
وأكدت وكالات أنباء عراقية أن الوفد الذي يرافق الكاظمي يتكون من كل من وزير المالية علي عبد الأمير علاوي، ووزير الخارجية فؤاد حسين، ووزير التخطيط خالد بتال النجم، ووزير الدفاع جمعة عناد، ووزير النفط إحسان عبد الجبار، ووزير الكهرباء ماجد مهدي حنتوش، والأمين العام لمجلس الوزراء حميد نعيم الغزي، ومستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي، ومستشار رئيس الوزراء سالم جواد الجلبي، ومستشار رئيس الوزراء سهى داوود النجار، ومدير عام دائرة التنسيق والمراسم لرئيس مجلس الوزراء حسن رشيد الشيخ، ومدير عام المصرف العراقي للتجارة فيصل الهيمص، فضلاً عن عدد من المستشارين وموظفين من مكتبه.