عاود الفريق الحكومي في مكتب رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، إجراءات تهيئة أبرز الملفات التي سيحملها الأخير إلى واشنطن في زيارته المرتقبة، والتي أعلن البيت الأبيض، أمس السبت، موعدها في العشرين من الشهر الحالي، وسط تسريبات تشير إلى أن رئيس الحكومة العراقية استبق احتمال معاودة الضغوط عليه من قبل القوى والأطراف القريبة من إيران من أجل تضمين الوفد الحكومي شخصيات سياسية منها، بإرسال قائمة الشخصيات التي سترافقه لإصدار تأشيرات دخول لهم إلى الولايات المتحدة مبكراً.
وكان من المقرر أن تبدأ جولة الحوار الاستراتيجي الثانية بين بغداد وواشنطن، خلال يوليو/تموز الماضي، إلا أنها أجّلت لأسباب ما تزال لغاية الآن مُختلف بشأنها، بين من يقول إن التأجيل جاء برغبة أميركية لوجود برامج عمل للرئيس الأميركي دونالد ترامب حالت دون تحقيق زيارة الوفد العراقي إلى واشنطن، وأخرى تتحدث عن أن التأجيل جاء بطلب عراقي.
ووفقاً لبيان أصدره البيت الأبيض، فجر أمس السبت، فإن "الكاظمي سيلتقي الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض في الـ 20 من أغسطس/آب الحالي"، مبيناً أن "الطرفين سيبحثان مواجهة التحديات التي يفرضها فيروس كورونا المستجد، فضلاً عن قضايا تخص الأمن والطاقة والمستجدات الاقتصادية".
ولم تعلن الحكومة العراقية رسمياً عن الزيارة، إلا أن مسؤولاً عراقياً في بغداد، أبلغ "العربي الجديد" أمس السبت، بأن السفارة الأميركية في بغداد بدأت بالتنظيم للزيارة المرتقبة للوفد الرسمي العراقي الذي سيلتقي ترامب، وتستمر ليومين، تشهد فيها إكمال جولة الحوار الاستراتيجي العراقية ــ الأميركية، الثانية. ولفت إلى أن وزراء الداخلية عثمان الغانمي، والدفاع جمعة عناد، والأمن الوطني عبد الغني الأسدي، والخارجية فؤاد حسين، والتجارة علاء الجبوري، والتخطيط علي بتال، والنفط إحسان عبد الجبار، والمالية علي علاوي، ورئيس جهاز مكافحة الإرهاب عبد الوهاب الساعدي، ورئيس هيئة النزاهة عزت توفيق، فضلاً عن مستشارين في مكتب رئيس الحكومة سيكونون ضمن الوفد الأكبر الذي يغادر البلاد.
ستتصدر قضية الوجود الأميركي في العراق، والتحالف الدولي عموماً، المباحثات، فضلاً عن قضية الانتخابات المبكرة
وأكد المسؤول أن الملفات المطروحة سياسية وأمنية واقتصادية، وستتصدر قضية الوجود الأميركي في العراق، والتحالف الدولي عموماً، المباحثات، فضلاً عن قضية الانتخابات المبكرة، وإبعاد تأثير السلاح عنها، وضرورة ابتعاد العراق إلى منطقة حياد لضمان استمرار الدعم الأميركي، وهو ما يحاول الكاظمي فعله تماماً. ولمّح إلى أنه قد تطرح ملفات في اللقاء بين ترامب والكاظمي غير مدرجة ضمن الملفات المعلنة. وتحدث عن أن "المسؤولين الأميركيين يدركون حساسية هذه الزيارة داخل العراق، فضلاً عن أهميتها، لذا نأمل ألا يطلق ترامب تصريحات مُحرجة للكاظمي على غرار ما فعله مع ضيوف آخرين، مثل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال زيارة الأخير إلى واشنطن"، وفقاً لقوله.
في المقابل، قال عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي مختار الموسوي إن هناك حالة استغراب من صمت حكومة الكاظمي بشأن الملفات التي سيذهب بها رئيس الحكومة إلى واشنطن، ومثل ذلك يثير الشكوك والمخاوف لدينا بشأنها. وطالب الموسوي رئيس الوزراء بأن يعلن بشكل صريح ورسمي عن تفاصيل زيارته إلى واشنطن، كاشفاً أن لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان قدمت طلباً رسمياً ليكون منهم ممثل في الوفد العراقي. وتحدث عن "قرار آخر باستضافة البرلمان للكاظمي فور عودته من الولايات المتحدة، ليكشف تفاصيل ونتائج زيارته والملفات التي تم الاتفاق عليها مع الإدارة الأميركية، فهناك تخوف من وجود نية أميركية تهدف إلى استغلال هذه الزيارة لغرض فرض الإملاءات على العراق، وخصوصاً فيما يتعلق بالتواجد الأجنبي في البلاد".
إلى ذلك، قال النائب عن تحالف "عراقيون" أسعد المرشدي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "زيارة الكاظمي إلى الولايات المتحدة الأميركية مهمة جداً، فالعراق بحاجة إلى الدعم الدولي، وخصوصاً من الدول الكبرى والعظمى، خصوصاً فيما يتعلق بالدعم المالي والاقتصادي وحتى الأمني، فالعراق ما زال يواجه الإرهاب حتى الساعة، وهو بحاجة إلى الدعم الدولي لإعادة الاستقرار والأمن وإعمار مدنه المدمرة". وبين أن "الكاظمي مطالب، بهذه الزيارة، بإيصال سياسة العراق الخارجية، والتأكيد على أنها متوازنة، وليست مع محور ضد آخر، فدخول العراق في سياسة المحاور سيجعله الخاسر الأكبر في هذا الصراع. ولهذا على الكاظمي، التأكيد من واشنطن أن العراق بلد ذو سيادة كاملة، وليس مع طرف ضد آخر، ويعمل وفق مصالح البلدان المشتركة والشعب العراقي فقط". وأضاف "بكل تأكيد الكاظمي، سيحصل على دعم أميركي على مختلف الأصعدة خلال الزيارة، وهذا أمر مهم جداً للبلاد في الوقت الحاضر، لكن في الوقت ذاته، فإنه لا يجب أن يكون مقابل هذا الدعم قضايا تمس سيادة البلاد، فهذا الأمر مرفوض سياسياً وشعبياً، وسيفتح باب المواجهة بشكل مبكر بين الكاظمي وبعض القوى السياسية".
قرار باستضافة البرلمان للكاظمي فور عودته من واشنطن ليكشف تفاصيل ونتائج زيارته والملفات التي تم الاتفاق عليها مع الإدارة الأميركية
من جانبه اعتبر النائب المستقل باسم خشان أن زيارة الكاظمي إلى واشنطن ستكون "بروتوكولية"، مبيناً أنه "لا يتوقع إبرام أي اتفاق جديد حول ملف التواجد الأميركي في العراق، خصوصاً أن هناك اتفاقا بين الكاظمي والإدارة الأميركية على بقاء القوات الأجنبية لفترة أطول في البلاد". وبيّن خشان أنّ "الهدف من إجراء الحوار الاستراتيجي، هو إيصال رسائل سياسية وأمنية إلى الأطراف في المحور الآخر، وحتى هذا الحوار شكلي، ولا يوجد فيه أي اتفاقات أو تعهدات جديدة، خصوصاً أن الإدارة الأميركية لا تريد عقد أي اتفاق جديد مع العراق، في الوقت الحالي، وإنما تريد تأجيل ذلك إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، فتغيير ترامب ربما يغير سياسة واشنطن تجاه بغداد أيضاً".
لكن في المقابل، قال المحلل السياسي العراقي أحمد الشريفي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "زيارة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي تحمل رسائل سياسية كثيرة، منها إظهار الدعم الأميركي الكبير للحكومة العراقية الحالية، وهذا يعطي دعما للكاظمي في اتخاذ خطوات عملية شجاعة حيال الكثير من الملفات المهمة، خصوصاً ما يتعلق بالسلاح المنفلت خارج سيطرة الدولة". وبيّن الشريفي أنّ "الكاظمي سيحصل خلال زيارته واشنطن واجتماعه مع ترامب، على الدعم المالي والاقتصادي والأمني، وحتى السياسي، لكن في المقابل، فإن هذا الأمر سيفتح عليه نار القوى السياسية والفصائل المقربة من طهران والموالية لها، فهي منذ فترة طويلة تعمل على إفشال هذه الزيارة، قبل تحديد موعدها، وعملت أيضاً على تشويه صورة الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن". وأضاف "نعتقد أنّ سياسة الكاظمي، بعد عودته من الولايات المتحدة الأميركية، ستتغير عن سياسته الحالية، وهذا الأمر يعتمد على كمية الدعم الذي حصل عليه من قبل الإدارة الأميركية، فهذا الدعم سيدفعه إلى فتح الكثير من الملفات، التي يخشى فتحها حالياً".