وانطلقت القمة بحضور رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، كضيف شرف، في سياق محاولات دول مجلس التعاون التحرك ككتلة إقليمية واحدة على مسرح العلاقات الدولية. وجاءت القمة البحرينية متوازية مع جولة خليجية بدأها العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز، وشملت دولتي الإمارات وقطر، على أن يزور الكويت غداً الخميس.
وكانت الخلافات مع إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، وغموض توجهات الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، من أبرز الملفات السياسية الطارئة التي حضرت في قمة دول مجلس التعاون الخليجي، في ظل تزايد التهديدات الأمنية والسياسية الإيرانية لدول الخليج العربي، بعد توقيع دول (5+1) بقيادة أميركية الاتفاق النووي مع إيران، وقطع العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران مطلع العام الحالي. فضلاً عن ذلك، فإن الحرب في اليمن، والتحالف الإيراني الروسي مع نظام بشار الأسد في سورية، إضافة إلى مواجهة الإرهاب وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في العراق، قضايا ذات أولوية في أجندة قادة دول مجلس التعاون.
أما المخاطر الاقتصادية فيمكن تلخيصها بانعكاسات انخفاض أسعار النفط عالمياً على اقتصاديات دول الخليج، في ظل السياسات التقشفية التي تتخذها بعض دول الخليج، ومحاولات دول أخرى اعتماد خطط تنويع مصادر الدخل لخلق موارد مالية غير نفطية. وكانت أول طرق الاستجابة الخليجية للمتغيرات في الإقليم، قد جاءت من خلال زيادة التنسيق الأمني والعسكري بين دول مجلس التعاون.
في هذا السياق، شاركت كل دول الخليج (ما عدا عُمان) في التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن منذ مارس/آذار 2015. كما نشطت المناورات والتدريبات العسكرية السعودية خصوصاً، والخليجية عموماً، منذ مناورات "رعد الشمال" التي شاركت فيها دول خليجية وعربية بالإضافة إلى قوى إقليمية واستمرت لمدة أسبوعين منذ أواخر فبراير/شباط الماضي.
كما أطلقت دول مجلس التعاون الخليجي مناورات "أمن الخليج العربي 1" الأمنية، التي احتضنتها مملكة البحرين على امتداد ثلاثة أسابيع منذ أكثر من شهر، في الوقت الذي أجرت فيه السعودية مناورات بحرية في الخليج العربي ومضيق هرمز وبحر العرب مطلع الشهر الماضي.
وفسّر مراقبون التنسيق الأمني عالي المستوى بين دول مجلس التعاون، كأهم ملامح استراتيجياتها لمواجهة "الخطر الإيراني" في الإقليم. وفي هذا الصدد، قال رئيس الوزراء البحريني، الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، في حديث إعلامي نقلته وكالة الأنباء البحرينية قبيل القمة الخليجية، تعليقاً على التنسيق الأمني، إنه "لا يمكن أن نرهن مصالحنا بمواقف الآخرين وتوجهاتهم، بل ينبغي أن تكون لنا قوتنا الذاتية التي تردع ولا تهدد".
وعن أولويات القمة الخليجية، تحدث رئيس الوزراء البحريني عن التحديات الأمنية والاقتصادية، كأهم ما يواجه دول مجلس التعاون الخليجي: "لدينا أولويات عدة تكون حاضرة بصفة دائمة على جدول أعمال القمم الخليجية، ولدينا أمن دول المجلس وضرورة حمايته وصونه، ودعم الاستقرار. وهناك التقدم الاقتصادي الذي نرجوه لدولنا ورفع معدلات التنمية، ومواجهة الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالعالم بين الحين والأخر، والحد من آثار تلك الأزمات وتداعياتها على اقتصاديات دول المجلس".
اقتصادياً، قدّمت دول مجلس التعاون خططاً تقشفية وأخرى لضمان تعدد مصادر الدخل، في ظل انخفاض أسعار النفط. لكنها حاولت التقدم خطوة إلى الأمام في تنسيق خطواتها الاقتصادية، فعقدت الاجتماع الأول لـ "الهيئة الاقتصادية والتنموية الخليجية" في العاصمة السعودية الرياض، في العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي لتكون الهيئة نواة لتنسيق اقتصادي مستقبلي أكبر بين دول المجلس.
أما في الشأن السياسي، فبدأت دول المجلس بالتحرك ككتلة إقليمية، لا بشكل منفرد، ويبدو هذا واضحاً في القمة الخليجية ـ الأميركية، التي انعقدت في الرياض في أبريل/نيسان الماضي، بحضور الرئيس الأميركي، باراك أوباما، كما في استضافة رئيسة الوزراء البريطانية أمس، في ظلّ محادثات خليجية ـ بريطانية على هامش القمة.
ورأى مراقبون أن "العلاقات الخليجية ـ البريطانية مرشحة للتطور، لا سيما بعد افتتاح قاعدة عسكرية بريطانية دائمة في الخليج، في البحرين، العام الماضي. وفي ظل عدم وثوق دول مجلس التعاون في الشريك الأميركي، كرد فعل على سياسات أوباما في المنطقة، وغموض سياسات الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، طرح البعض بريطانيا مرشحاً محتملاً لملء الفراغ الذي تتركه الولايات المتحدة في المنطقة".
حول هذه النقطة، رأى أستاذ العلوم السياسية السعودي، المحاضر في جامعة هيوستن الأميركية، لؤي اللاركيا، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "من الصعب أن تكون بريطانيا أو أوروبا عموماً بديلاً للتحالف السعودي ــ الأميركي، هذا شبه مستحيل". وطرح اللاركيا أسباب عدة لصعوبة هذا الأمر، وهي أن "بريطانيا وأوروبا، أضعف من أن تكون بديلاً عن الولايات المتحدة، وهي مرتهنة للقرار الأميركي". وأضاف أن "هناك تطابق رؤى تقريباً بين الولايات المتحدة وأوروبا".
لكن اللاركيا استدرك بالحديث عن صفقات التسليح، التي اعتبر أنها "اليوم باتت أسهل مع أوروبا مقارنة مع الولايات المتحدة". وتابع قائلاً إن "السلطة التنفيذية عموماً هي التي تقرّ صفقات شراء السلاح، ثم يتم تمريرها إلى البرلمانات للمصادقة عليها. وإذا كانت رؤية السلطة التنفيذية سلبية تجاه الخليج، فقد تتعطّل صفقات شراء الأسلحة". وأضاف أنه "أحياناً يتولى السلطة التنفيذية في أوروبا أشخاص أقل عدائية للسعودية، ما يؤثر إيجاباً على العلاقات العسكرية وصفقات التسلح". واستشهد الباحث بالتوجه السعودي لشراء أسلحة من فرنسا وروسيا، واعتبر بريطانيا تأتي في هذا السياق.
أما عن رغبة بريطانيا في أداء دور أكبر في المنطقة، فرأى اللاركيا أن "هناك شعور بريطاني بتراجع دور بلادهم في العالم. وهذا كلام يُسمع بشكل دائم في بريطانيا". وأضاف أنه "مثلاً في السبعينيات، كان هناك اعتقاد بتدهور الدور البريطاني الخارجي، ولما تولت مارغريت ثاتشر السلطة، استعادت وهج الدور البريطاني في المنطقة من وجهة نظر البريطانيين". وأبدى اللاركيا اعتقاده بأن "هذا التوجه موجود عند المحافظين البريطانيين، الذين ما زلت لديهم أحلام الإمبراطورية البريطانية، لاسيما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي"،
مع العلم بأن الخليجيين يترقبون اكتمال عقد إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، الذي أعلن حتى اللحظة تعيينات "محافظة متشددة" في مسائل محاربة "الإرهاب" و"إيران". ذلك لأن موقف ترامب من الاتفاق النووي الإيراني كان غامضاً، فقد وعد بـ"تمزيقه" فور دخوله البيت الأبيض خلال حملته الانتخابية، لكنه تراجع عن وعود إلغاء الاتفاق بعد فوزه بالانتخابات، مرجّحاً "إعادة التفاوض" في الوقت الذي اختار فيه لمناصب مستشار الأمن القومي ووزارة الدفاع ووكالة الاستخبارات المركزية، شخصيات متشددة تجاه إيران.
وأيضاً يبدو موقف إدارة ترامب من الخليج غامضاً، غير أن مراقبين شدّدوا على صعوبة إعلان ترامب المواجهة مع طهران، من دون توثيق العلاقات السياسية مع دول مجلس التعاون الخليجي، والتي ستكون مواجهة إيران لصالحها، عكس مقاربة أوباما، التي توّجت بالاتفاق النووي، في ظل إطلاق يد إيران في العراق وسورية واليمن ولبنان.