وكان المغرب قد عاد إلى كرسيه الشاغر في الاتحاد الأفريقي في يناير/ كانون الثاني من العام الجاري، بعد غياب دام 33 سنة عن هذا الكيان الأفريقي المهم، في سياق معركة كانت بدأتها الدولة المغربية لسحب الاعتراف ممّا يسمى الجمهورية الصحراوية، والتي استفادت من الغياب الطويل للمغرب عن المنتظم الأفريقي لتوسع من نشاطها السياسي وتتمدد في القارة.
وقد افتتح محمد السادس عودته إلى الاتحاد الأفريقي بخطاب قوي أكد فيه أن ذلك خيار استراتيجي لا رجعة فيه، وقال: "كم هو جميل هذا اليوم، الذي أعود فيه إلى البيت، بعد طول غياب! كم هو جميل هذا اليوم، الذي أحمل فيه قلبي ومشاعري إلى المكان الذي أحبه! فأفريقيا قارتي، وهي أيضاً بيتي. لقد عدت أخيراً، إلى بيتي. وكم أنا سعيد بلقائكم من جديد. لقد اشتقت إليكم جميعاً".
ويبدو أن خطاب العودة ذاك خلق تحولاً جذرياً في سياسة المغرب الأفريقية، جرى فيه مخاطبة الاتحاد الأوروبي بحزم، حيث أوضح محمد السادس أن مفهوم العالم الثالث أصبح متجاوزاً، وأن على القوى الكبرى أن تكف عن نهج الانتهازية الاقتصادية في تعاملها مع الشؤون الأفريقية.
المغرب، العضو العائد، سيجتاز بسرعة التحفظ الجزائري والجنوب أفريقي الداعمين للبوليساريو، ليعلن عن استعداده الانخراط في بناء مستقبل جديد للقارة، وربما سيتوضح أكثر في قمة "سيدياو"، حيث يدفع المغرب بقوة نحو قرار إنشاء عملة موحدة لبلدان أفريقيا جنوب الصحراء.
وتسعى الدبلوماسية المغربية إلى الحضور الوازن ضمن ثلاث منظمات تابعة للاتحاد الأفريقي، وهي مجلس السلام والأمن الأفريقي، والذي يوجد مقره في أديس أبابا، واللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، والتي تتخذ من العاصمة الغامبية بانغول، مقراً لها، وبرلمان البلدان الأفريقية في جنوب أفريقيا، وهي الهياكل الرئيسية في الاتحاد الأفريقي، والتي تشرف على القضايا البارزة للقارة في المجالات الأمنية والسياسية وحقوق الإنسان.
وتشير التقديرات إلى أن سنة 2018 ستشهد استفحال المواجهات بين المغرب والبوليساريو في الكيانات التابعة للاتحاد الأفريقي، خصوصاً تلك التي تعرف حضوراً قوياً لدول أفريقيا الوسطى وجنوب أفريقيا، والتي تمددت فيها البوليساريو خلال سنوات طويلة عرفت غياب المغرب عن الاتحاد.
ومن شأن انضمام المغرب إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (سيدياو)، التي تنعقد قمتها في 16 من ديسمبر/ كانون الأول المقبل في أبوجا، بعد أن كانت مقررة في لومي، بسبب الأوضاع الأمنية في توغو، من شأنه أن يضيق الخناق أكثر على البوليساريو، ويفتح الباب أمام عودة سياسية للمغرب من بوابة الاقتصاد، لتعزيز دور بلدان الجنوب، بدعم كبير من نيجيريا، التي تشكل إلى جانب المغرب قطب الرحى في هذا التكتل، خصوصاً في ظل مشروع أنبوب الغاز المزمع إنجازه، والذي يمتد على طول ساحل غرب أفريقيا وباستثمار مشترك بين المغرب ونيجيريا، مع ما يصاحب ذلك من اتفاقية تجارة حرة بين بلدان الجنوب في أفق الإلغاء التدريجي للحقوق الجمركية، كما حصل مع الاتحاد الأوروبي، وهو ما قال عنه رئيس لجنة الإكواس، مارسيل دي سوزا: "سيكون زواجاً بدون طلاق ولا بريكسيت".
من جهة أخرى، تركز القمة الأفريقية الأوروبية، على شعار فضفاض هو "الاستثمار في الشباب من أجل مستقبل مستدام". بينما تشير المعطيات الاقتصادية والجغرافية إلى أن الاتحاد الأوروبي لم يفلح في تجاوز النظرة الدونية إلى قضايا القارة الأفريقية، باعتبارها مجرد مزرعة خلفية، ومجالاً للاستثمار أحادي الجانب غير المنتج، بينما تعمل أغلب الدول الأوروبية، على وجه الخصوص فرنسا، على إدامة النزاعات في بلدان الساحل جنوب الصحراء، سواء في ليبيا أو في مالي، والكونغو الديمقراطية والنيجر.
وقد سارع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الخطى أمس إلى وغادوغو، عاصمة بوركينا فاصو، في زيارة لم تكن معلنة، قبل أن يتوجه إلى أبيجدان لحضور القمة الأفريقية الأوروبية.
وأعلن ماكرون أنه سيجري الكشف عن الأرشيف الفرنسي الخاص باغتيال توماس سانكارا، حيث ألقى خطاباً في جامعة وغادوغو، وسط استهجان كبير في وسائل التواصل الاجتماعي من تخلي فرنسا عن دعم الديمقراطية في البلدان الأفريقية، إذ طالب مدونون بالقيام بعمل ملموس من أجل الشباب الأفريقي وليس مجرد إلقاء خطابات سياسية.
وتشير الأرقام إلى أن 60 في المائة من سكان القارة الأفريقية تقل أعمارهم عن 25 سنة، ولا يعول كثيراً أن تشهد القمة الأفريقية الأوروبية اخترقات كبيرة على هذا المستوى، خصوصاً في موضوع الهجرة غير الشرعية، المحور الرئيسي، في ظل وعود الاتحاد الأوروبي بإنشاء نظام للهجرة القانونية يستفيد منها 50 ألف أفريقي تقريباً في السنوات المقبلة، إلى جانب استراتيجية لإدارة الهجرة تساعد على إعادة المهاجرين إلى وطنهم، حسب تصريحات لفيديريكا موغيريني، مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، بينما تنتصب فرنسا في وجه المغرب كمنافس عائد إلى "مستعمراته" التقليدية وكأنها استشعرت خطورة تحرك المغرب على مصالحها، بعد أن دخلت المملكة من المعادل الاقتصادي لتثبيت حضورها السياسي، خارج أي ضوء أخضر من باريس.