إذا كانت مهمة الدولة الأساس هي التخطيط للمستقبل بما تملكه من قدرات وطاقات، وتمويل المراكز والمؤسسات البحثية المعنية بذلك، وتوفير الشروط اللازمة لعملها، ووضعها في أجواء المشكلات التي يعانيها المسؤول وطلب مساعدة الباحثين على دراستها، فإنّ ذلك لا يعفي القطاع الخاص بعموم مجالات عمله من مسؤولياته. وهذا في حال كان هذا القطاع يفكّر في أن ما يقوم به من أنشطة وما يحققه من أرباح يفرض عليه المساهمة في دفع الأمور نحو سويّتها الطبيعية المستقرة ، بدلاً من الاختناقات التي لا تقود إلا إلى زيادة التأزم وحدوث انفجارات تأكل الأخضر واليابس ويدفع ثمنها الجميع. وهنا يتوجب القيام بما يأتي:
- دفع القطاع الخاص نحو المشاركة في تحمّل حصة من تكاليف عمل هذه المراكز من خلال بناء علاقة تفاعلية بين مؤسسات هذا القطاع والمراكز البحثية، لا سيّما المعنية منها بنشاطه، بالإضافة إلى تنظيم حلقات نقاش مشتركة تدرس المشكلات التي يعانيها كلّ منها على حدة والبحث في إمكانية الحلول المتاحة من جانب الباحثين. وهو الأمر الذي يحقق مصلحة مشتركة للباحثين من جهة، وللقطاعات المنتجة التي تعاني من صعوبات لا تجد حلولاً لها ضمن الإمكانات البشرية والمادية المتاحة من جهة ثانية.
ومن المعروف أنّ في كلّ المؤسسات الصناعية الغربية من دون استثناء تقريباً، تتوفّر دوائر متخصصة تدرس وتحلل ما تنتجه من سلع وخدمات بالإضافة إلى وضع الأسواق، وتعمل على التخطيط للمستقبل المرتبط بتقدم التقنيات، وتستعد لذلك من خلال تطوير منتجاتها وخلق منتجات جديدة تتلاءم والمرحلة. ولهذا السبب نجد أنّ هذه المؤسسات تملك قدرات على البقاء والتطور والمنافسة، ما يمكّنها من حيازة حصة لها في أسواق عالمية ذات قدرات تنافسية عالية.
- لا يمنع هذا التوجّه إلى الاعتماد على التمويل الرسمي والخاص من السعي إلى الحصول على منح وخبرات ومصادر تمويل أجنبية من خلال تنفيذ مشروعات بحثية مشتركة بين المراكز الوطنية والعالمية، خصوصاً أنّ طبيعة المشكلات في مجتمعاتنا العربية معقّدة على الصعد التنموية والإنسانية والتطبيقية. ولعلّ الأوضاع الخاصة التي تمرّ بها المنطقة تغري المراكز الدولية بالمشاركة في جهود بحثية هادفة. وبذلك تتحرر المراكز البحثية العربية من اتهامات المشككين في دورها وأدائها من جرّاء الحصول على مساعدات مالية وتقنية دولية.
- وتبقى ثمّة ضرورة ملحة في بناء شراكة حقيقية بين المراكز البحثية ووسائل الإعلام المختلفة. فسيطرة هذه الوسائل اليوم على عقول وتوجهات الجموع من دون أن تحدّها حدود أو قيود، تتطلب تشبيكاً بينها وبين المراكز البحثية، وذلك بهدف التعريف بها وبأهميتها وضرورة دعمها ورعاية أنشطتها بالإضافة إلى عرض ما تتوصل إليه من نتائج مادية ونظرية وتسليط الضوء على ما تقوم به من نشاطات. ويتطلب هذا الأمر عدم وقوع المراكز البحثية في فخ "الصرعة" أو السبق الصحافي من جهة، ومن جهة أخرى فتح المجال أمام وسائل الإعلام بشتى أنواعها لإحاطة الرأي العام بحصائل ونتائج الأبحاث ووجهات النظر المختلفة التي يملكها الباحثون والعلماء.
*أستاذ جامعي