القضية الفلسطينية باختصار

13 يناير 2017
+ الخط -
درسنا في كُتبِ التاريخِ أنّ سببَ ضياعِ فلسطين هو تقهقرُ الجيوشِ العربيةِ أمام "عصاباتِ الهاغانا" الإسرائيلية التي ضربتْ بيدٍ من حديدٍ ولم ترحمْ طفلًا ولا شيخاً ولا امرأةً، ولم تكن هناك قوى فلسطينية أو عربية تدافعُ وتمتلكُ السلاحَ الحديثَ للدفاعِ عن الأرضِ والعرض.
ما حدث في 1948 من أحداثِ التهجيرِ القسريةِ للفلسطينيين من فلسطين التاريخية، وما يُعرفُ بالنكبةِ الفلسطينية تلاها نكبةٌ أخرى في العامِ 1967 فيما يُعرفُ بالنكسة، وما بين النكبةِ والنكسةِ وقف العالمُ العربي متفرّجاً على ضياعِ فلسطين من رأسِ الناقورة شمالاً حتى رفح جنوباً، ولم يقدّموا شيئاً عملياً سوى حربِ الكرامةِ في العامِ 1968، ولكنّ تلك الحربَ كانتْ على أرضٍ غيرَ فلسطينية.
بعد الثورةِ المصريةِ في العامِ 1952، نادى الرئيسُ المصري، جمال عبد الناصر، بالقوميةِ العربيةِ والاتحاد العربي السوري، وما رافق ذلك من أحداثٍ أفضت إلى اتفاقٍ مصري سوري على وحدةِ العملِ المشترك والرد المشترك، واعتقد الفلسطينيون أنّ ذلك يأتي في إطارِ خدمةِ القضية الفلسطينيةِ، والتعجيلِ في إنهاءِ الاحتلالِ الإسرائيلي عن الأرضِ الفلسطينيةِ وإقامةِ دولةٍ فلسطينية. ولكن، سرعان ما انتهى ذلك الحلمُ باتفاقِ السلامِ في كامب ديفيد بين الحكومتين، المصريةِ والإسرائيلية، والذي أعلن عنه "كأوّل خرق للموقف العربي تجاه دولة إسرائيل"، في العام 1979.
لم تصنعْ لنا القوميةُ العربيةُ على صعيدِ القضيةِ الفلسطينية شيئاً عملياً، يمكنُ التحدثُ والبناءُ عليه، سوى أنّها احتضنتْ منظمةَ التحرير، وعملتْ على تركيزِ دعائمِها في بعضِ البلدان العربية، ومدِّها بالمالِ والسلاحِ لضمانِ التمثيل الفلسطيني، تحت إطارٍ موّحدٍ يجمعُ الفلسطينيين، وهذه من حسناتِ القوميةِ العربية، وما دون ذلك فكلُه كلامٌ على الورقِ.
حتى ذلك الحين، لم يكن هناك أيُّ ردّةِ فعلٍ فلسطينيةٍ تجاه الاحتلالِ الإسرائيلي على الأرضِ، سوى بعضِ العمليات الفدائية وخطفِ الطائراتِ التي انتهجتها منظماتٌ فلسطينية. لذا تفطنت قيادةُ منظمةِ التحريرِ وحركة فتح إلى أهميةِ نقلِ الصراعِ إلى الأراضي الفلسطينية، من خلال اندلاعِ انتفاضةِ الحجارة في 1987، وما لاحق ذلك من أحداثٍ في الأراضي الفلسطينية فقد أفضى إلى تأسيسِ حركةِ حماس، والتي نادت بضرورةِ الكفاح المسلح ضد الاحتلالِ الإسرائيلي، بدءاً بالحجارةِ والسكاكين والقنابل الصغيرة والأسلحة الأوتوماتيكية البسيطة.
ظهر محورٌ جديدٌ يدعمُ انتفاضةَ الحجارةِ من خلال تبني أفكارها مثل الجمهورية الإسلامية (إيران) وسورية وحزب الله والعراق وبعض المنظمات الإسلامية، ما عجّلَ في ضرورةِ التوّصلِ إلى اتفاقِ سلامٍ مع الفلسطينيين، ينهي الصراعَ في الأرضِ بأيّ شكلٍ، فكانت مباحثاتُ مدريد وما تبعها من نتائجَ، وصولاً إلى إبرامِ اتفاقِ سلام بات يُعرفُ باسم اتفاق أوسلو الذي لم تكنْ نتائجُه مرضيةً لجميعِ الأطرافِ الفلسطينية، فبعضُ الدولِ العربيةِ والإسلامية كان لها موقفٌ معارض له، وبموجبِه عاد عددٌ كبيرٌ من الثوارِ الفلسطينيين إلي قطاعِ غزة وأريحا معلنين إنشاءَ السلطةِ الوطنية الفلسطينية.
وجاءت الضربةُ الجديدةُ للقوميةِ العربيةِ والممانعةِ العربية بدخولِ المملكةِ الأردنية على خطِّ إنهاءِ الصراعِ مع الاحتلالِ الإسرائيلي من خلال اتفاقِ وادي عربة، والذي بموجبِه تكونُ الأردن أيضا قد خرجت من معادلةِ الصراعِ مع إسرائيل، لتبقى الأرضُ الفلسطينية وحدَها تصارعُ الاحتلالَ الإسرائيلي، فهناك هدوءٌ في هضبةِ الجولان وانسحابٌ من جنوبِ لبنان، وتطبيعٌ مع بعضِ الدولِ العربية بشكلٍ سري.
مع اندلاعِ انتفاضةِ الأقصى، برزَ على الساحةِ العربيةِ محورٌ عربيٌّ جديدٌ يدعمُ المقاومةَ الفلسطينيةَ والكفاحَ المسلحَ ضد الاحتلالِ الإسرائيلي، ويرفض السياسياتِ الأميركيةِ في الشرقِ الأوسط، وبات فيما يعرفُ محورِ"الممانعة العربية".
ومنذ ذلك الوقت، تفرقَ شمل العربِ الداعم للقضيةِ الفلسطينية، خصوصاً بعد اندلاعِ ثوراتِ ما يعرفُ بالربيعِ العربي، وأصبح اهتمامُ المواطن العربي بالقضيةِ الفلسطينيةِ لا يذكرُ إلا إذا وقعتْ غزة تحت وطأةِ حربٍ إسرائيليةٍ جديدةٍ، فتكون غزة تنزفُ والشارعُ العربي يهتفُ "غزة غزة أرض العزة ".
في ظلِّ ما سبق، حصرت الألفاظُ والمسمّياتُ من الصراعِ العربي الإسرائيلي قبل أوسلو إلي الصراعِ الفلسطيني الإسرائيلي في ظلِّ عشرين عاماً من المفاوضاتِ، وقريباَ ربّما يكونُ الصراعُ الغزيُّ الإسرائيليُّ في ظلِّ إدارةِ دونالد ترامب.
لعبتْ إسرائيلُ على وترِ التعارضاتِ والتناقضاتِ الفلسطينيةِ، وما الانقسامُ السياسي الفلسطيني إلا واحدٌ من تلك العقباتِ التي تقفُ في وجهِ الدبلوماسية الفلسطينية في عدمِ القدرةِ على جمعِ شملِ الفلسطينيين في دولةٍ لها حدودٌ وسيادة.
الموقفُ الآن بعد 69 عاماً من الاحتلالِ الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية هو غيابُ الدورِ العربي بشكلٍ نهائي عن تحريرِ فلسطين، إسرائيل تحكمُ قبضتَها على الضفةِ الغربيةِ وتمزقُ أوصالَها ببؤرٍ استيطانية، أما قطاعُ غزة فهو بمثابةِ سجنٍ محكم الجوانب، والقدس لها الله، لنكون أمام أسئلة: أين سنقيمُ الدولةَ الفلسطينيةَ؟ على الورقِ أم على الأرضِ؟ أم هناك إستراتيجيةً فلسطينيةً جديدةً قد تفاجئنا بها فصائلُنا وقيادتُها؟
8981FDE1-0454-4CBC-894E-2351C53A26E0
8981FDE1-0454-4CBC-894E-2351C53A26E0
أشرف أبوخصيوان (فلسطين)
أشرف أبوخصيوان (فلسطين)