القضاة مهددون في تونس

25 فبراير 2016
النقابات الأمنية تغوّلت على حساب منظومة العدالة في تونس(Getty)
+ الخط -

"قضاء التعليمات" الوصف الأكثر تداولا قبل الثورة التونسية، إذ لم يكن للقضاة أيّة مكانة إلا تلك التي تجود بها عليهم السلطة السياسية، فالقضاة مهدّدون في قوتهم باعتبارهم موظفين لدى السلطة التنفيذية ولا يمثّلون سلطة قائمة بذاتها، هذا طبعا بغضّ النظر عن "كلمات" الدستور القديم الذي يقرّ بأنّ "القضاة مستقلّون لا سلطان عليهم لغير القانون"، ولكنّ كان جميع من في السلطة من عائلة حاكمة ومن مقرّبين لها لديه سلطة عليها.



أمّا بعد الثورة فقد شهد القضاء التونسي نقلة من قضاء السلطة إلى ما سمّاه السياسيّون بدولة القضاء، والذي شهد في نظرهم تغوّلاً للقضاة على حساب بقيّة السلطات، طبعا لم يعِ سياسيّو الثورة كما سياسيو الدكتاتورية بأنّ القضاء سلطة دائمة لا تلغيها الانتخابات ولا يمكن أن نتحدّث عن دولة الحق إلا بقضاء مستقل، قد يكون مفهوما أن تسعى السلطة السياسية لتطويع القضاة ولكن تدخّل الإعلام التونسي في سير أعلام التحقيق وخاصة تلك المتعلّقة بالأحداث الإرهابية في "باردو" وفي مقتل السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي الأثر، يبقى النقطة التي لا يمكن فهمها إلا في سياق تشويهي لأعمال القضاة ودافعة نحو أحكام سياسية لا قضائية كتلك التي كانت تسلّط في زمن الرئيس المخلوع بن علي.

أصدرت جمعية القضاة التونسيين بيانا بتاريخ 19 فبراير/شباط 2016 تستنكر فيه حملات التشويه التي طاولت القضاة في وسائل الإعلام على خلفية إطلاق القضاء لسراح موقوفين في أحداث باردو الإرهابية، والتي أدّت لقتل عدد من السياح الأجانب، وقالت الجمعية إن نتائج الأبحاث أكّدت وجود تدليس في أقوال الموقوفين من قبل فرقة مكافحة الإرهاب "أمن" إلى جانب استعمال التعذيب مع الموقوفين، وهو ما جعل من قاضي التحقيق يوكل عملية التحقيق إلى فرقة أمن أخرى.

النقابات الأمنية التي تغوّلت على حساب منظومة العدالة في تونس، والتي تريد أن تفرض أبحاثها في قضايا الإرهاب على القضاء من جهة وتسعى لضرب مكسب مهمّ ناضل القضاة والحقوقيّون خاصّة قبل وبعد الثورة من أجل ترسيخه ألا وهو استقلال القضاء ومنظومة الحق والعدل لا منظومة التعليمات التي قبرت إلى الأبد مع النظام القديم.

كما تضمّن البيان أن المكتب التنفيذي للجمعية "يحمّل المسؤولية السياسية والأخلاقية للسلطة السياسية ولكل مكونات المجتمع المدني المدافعة على استقلال القضاء عن كل ما يمكن أن ينجر من مخاطر حقيقية من حملة خطاب العنف اللفظي والمعنوي وحملات إثارة العواطف وتأليب الرأي العام ضد القضاة المضطلعين بمهامهم الدستورية في حماية المجتمع من الظاهرة الإجرامية، ومنها الجريمة الإرهابية في إطار صون الحقوق والحريات من أي انتهاكات بكل شجاعة وحيادية واستقلال ومنهم قاضي التحقيق بالمكتب الثالث عشر الذي لم يثبت من جانبه أي إخلال مهني أو خروج عن الحياد السياسي أو واجب التحفظ بخصوص الملفات التي ينظر فيها".

كما دعت الجمعية لتوفير الحماية للقضاة بعد حملة التشويه والتحريض التي طاولتهم من قبل بعض قيادات النقابات الأمنية عبر المنابر الإعلامية والمتّهمة لهم بأنهم دواعش.

تبقى السلطات القضائية في تونس رهينة للتجاذبات وخاضعة لسلطة الرأي العام الذي يدار من قبل وسائل إعلام يقف وراءها بارونات فساد جعلت من المشهد الإعلامي ساحة للتوجيه والدمغجة التي قد تجعل المواطن يصدّق بأنّ الأمن يحارب الإرهاب والقضاء يسانده.

(تونس)

المساهمون