القضاء الإسباني يتهم ضباط استخبارات مصريين بتحصيل عمولات ضخمة

26 أكتوبر 2018
تتعلق الصفقة بعقود تأمين وحماية آثارات مصرية(Getty)
+ الخط -
امتنعت الجهات الرسمية المصرية، اليوم الجمعة، عن التعليق على وقائع فساد تتعلق بتورط ضباط ينتمون للقوات المسلحة في صفقات مالية مع شركة إسبانية تتولى تنفيذ عددٍ من مشاريع الحماية للآثار في أكثر من مدينة مصرية، بحسب ما كشفت صحيفة "الموندو" الإسبانية الواسعة الانتشار، أمس.

وكشفت الصحيفة الإسبانية عن توجيه اتهامات قضائية لمسؤولين سابقين في شركة "ديفيكس" الإسبانية، تتعلق بالكسب غير المشروع، واقتسام عمولات ضخمة مع جنرالات في الاستخبارات المصرية، على علاقة بعقود تأمين وحماية أماكن أثرية مصرية هامة، من بينها أهرامات الجيزة، ومعبد الأقصر، ووادي الملوك.

وأصدرت المحكمة الوطنية في إسبانيا اتهاماً، حصلت "الموندو" على نسخةٍ منه، وصف طريقة إدارة المال العام الإسباني، الذي موّل عقود حماية وتأمين الكنوز الأثرية المصرية الثمينة، بأنها "شابتها ممارسات تشبعت بالفساد"، مشيرة إلى استدعاء القاضي خوسيه دي لاماتا كبار المسؤولين التنفيذيين السابقين في شركة "ديفيكس"، والتي تملك الحكومة الإسبانية حصّة غالبة فيها.

ووجه دي لاماتا اتهامات لمسؤولي الشركة الإسبانية، أثناء التحقيق معهم، بشأن اقتسام عمولات تصل إلى خمسة ملايين يورو في عام 2010، بالاشتراك مع أشخاص آخرين، منهم جنرلات مصريون بارزون في جهاز الاستخبارات.

ووفقاً للصحيفة الإسبانية، فإن الطرفين المصري والإسباني وقعا عقوداً بقيمة 30 مليون يورو (ارتفعت لاحقاً إلى 35 مليون يورو تقريباً)، لاستخدامها في حماية وتأمين مناطق أثرية هامة، وكذلك توريد معدات، وتقديم خدمات، منها التدريب على أعمال الحماية، وتحسين الأوضاع الأمنية في هذه المواقع التاريخية.

وفي هذا الصدد، أشارت الصحيفة إلى أن إسبانيا اعتبرت العقد فرصة جيدة لترويج علامتها التجارية، خاصة أن الموضوع يتعلق بحماية جواهر أثرية ثمينة من العصور الفرعونية.

وأفادت الصحيفة، في تقرير نشرته على موقعها الإلكتروني، بأن شركة "سيسك" الوطنية الإسبانية تولت تأمين العقد وتمويله من قبل صندوق تمويل المشروعات في وزارة الاقتصاد بالاتفاق مع بنك "بي أو بي"، شريطة ألا تتجاوز نفقات العمولة التجارية الخمسة في المئة (نسبة معتادة) على كمية البضائع والخدمات، غير أن شركة "ديفيكس" عمدت إلى تجاهل ذلك الشرط.


ووفقاً لمذكرة الاتهام في القضية، وضمن جزءٍ منفصل فيها، فقد شرع القاضي دي لاماتا باتخاذ إجراءات ضد الرئيس السابق لشركة "ديفيكس"، خوسيه إجناثيو إنثيناس، وضد مدير العمليات السابق، أنخيل ماريا لاورمبي، بتهمة استيلائهما لنفسيهما على مبلغ 1.5 مليون يورو كعمولات، عبر تكوينهما شركة في جمهورية أيرلندا.

وأشارت المذكرة إلى أن المتورطين أجازوا أيضاً دفع مبلغ 1.5 مليون يورو لشركة "دلتا" للأنظمة الإلكترونية، التي أسست عام 2005 من قبل الاستخبارات المصرية، وما يسمى "مجلس الدفاع الوطني"، وترأس الشركة منذ إنشائها الجنرال مدحت مرشد.

وبيّنت الصحيفة أن هذا الجنرال نفسه هو الذي وقع مع لارومبي بالقاهرة، في نوفمبر/تشرين الثاني 2010، مشاركة شركة "ديسكو" في العقد لـ"توريد المواد، وتنفيذ الأعمال المدنية المشمولة في نطاق العمل، بمشروع تحسين المواقع المواقع الأثرية في مصر"، لافتة إلى توقيع إضافات جديدة على العقد بعد ذلك مع الجنرال محمود عبد الوهاب، والجنرال توفيق حسين، في عامي 2012 و2013 على التوالي.

ووقعت الإضافات الجديدة عن شركة "ديفيكس" المسؤولة سوزانا أغيلار، وزوجة أخ الرئيسة السابقة لوزارة الحكم المحلي في مدريد، كريستينا ثيفونتس.

وصرح القاضي الإسباني بأنه "في الوقت الحالي من التحقيق، لا يمكن تحديد المبلغ الإجمالي المدفوع من قبل ديفيكس إلى ديسكو، أو العمل الذي قامت به الشركة المصرية، خاصةً أن شركة ديفيكس دفعت بشكل مريب عمولة أخرى إلى شركة سيان البريطانية بقيمة 1.8 مليون يورو، وقعها لارومبي مع محام سويسري، يدعى ويلي ديتشي، نيابة عن الطرفين".

وبحسب القاضي، فإن شركة الاستشارات "كي بي أم جي" فشلت في تحديد المالك الحقيقي لشركة "سيان" في تقرير صدر بتكليف من "ديفيكس" في عام 2015، عندما كانت الشركة تحاول توضيح أفعال مدرائها السابقين.

ومع ذلك، أشير في مذكرة الاتهام إلى أن المستفيد من العمولة كانت سيدة مصرية تدعى إيناس جوينة (ترتبط على الأرجح بأحد الجنرالات المصريين)، في الوقت الذي أكد فيه تقرير التدقيق الداخلي لشركة "ديفيكس" لعام 2015، والذي قدم إلى القاضي، أن "سيان" ليس وكيلاً تجارياً دولياً معروفاً، وأنه "من غير المعروف لمن يتم الدفع حقيقة".


وأضاف تقرير الصحيفة: "أنه يبدو - على الأقل نظرياً - أن وظيفة سيان كانت تقديم ديفيكس إلى وزير الثقافة في مصر، وتقديم ديفيكس إلى ديسكو، ولكنها أيضاً، وبالصدفة، فإن شركة سيان كانت تتولى دور المستشار الحصري للمجلس الأعلى للآثار، ووزارة الثقافة، والذي أرسى بدوره العقد على ديفيكس!".

وأوضحت الصحيفة أن "أسلوب العمل هذا لم يستحدث في حالة مصر، بل كان معتاداً في دول أخرى، إذ تمكنت ديفيكس الإسبانية من بيع الأسلحة، أو المعدات الأمنية، أو خلافه"، مستطردة بأن "التحقيقات الأكثر تقدماً حالياً تتعلق بدولة أنغولا في أفريقيا، بينما لا تزال في بداياتها بالنسبة لمصر أو السعودية أو البرازيل".

وختمت "الموندو" تقريرها بالقول إنه "من الواضح أيضاً أن مديري شبكة الفساد في ديفيكس قد أدوا دور الوسطاء نيابة عن الدولة، حتى يمكن لشركات الأسلحة الإسبانية الخاصة أن تبيع منتجاتها لهذه النوعية من الدول، ودفع عمولات إلى كبار المسؤولين في بلد المشتري، علاوة على صنع شبكة من المصالح لأنفسهم في الخارج، لكي يستولوا لأنفسهم على قدر من الغنيمة".

وأصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في التاسع من شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي، قانون "التعاقدات الحكومية" الجديد، الذي سيلغي قانون "المزايدات والمناقصات" الذي كان الشريعة العامة لبيوع الأجهزة الحكومية جميعاً منذ صدوره عام 1998، واستمر قائماً رغم المشاكل العديدة التي أثيرت حول تطبيقه، خاصة في نهاية العقد الماضي.

وترجع خطورة القانون الذي سيدخل حيز التنفيذ في الثالث من نوفمبر المقبل، إلى أنه يسمح للمرة الأولى بتعاقد جميع الهيئات والإدارات الحكومية مع بعضها، بالأمر المباشر، دون اتباع المناقصات أو المزايدات أو حتى الممارسات المحدودة، ما سيتيح، وفقاً لمصادر حكومية مطلعة، أفضلية استثنائية لأجهزة الجيش والاستخبارات التي تمارس أنشطة هندسية وتجارية، للسيطرة على المشروعات الحكومية المختلفة، دون منافسة من رجال الأعمال والشركات المحلية والأجنبية، وأبرز تلك الجهات هي الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، والشركة الوطنية للطرق، وهيئة الخدمة الوطنية للقوات المسلحة، والشركة الوطنية لبيع وتوزيع المنتجات البترولية.

ويزخر القانون بالحالات والثغرات التي تسمح لجميع الجهات الحكومية بالتعاقد بالأمر المباشر، في سبع حالات، معظمها غير محدد، بل يعود تقديره للسلطة التقديرية للحكومة أو الجهاز الذي سينفذ التعاقد، فمنها على سبيل المثال "إذا كانت الحالة تستهدف تعزيز السياسات الاجتماعية أو الاقتصادية التي تتبناها الدولة" و"الحالات الطارئة التي لا تتحمل اتباع إجراءات المناقصة أو الممارسة" و"عندما لا يكون هناك إلّا مصدر واحد بقدرة فنية مطلوبة" و"عندما لا يكون هناك إلا مصدر واحد له الحق الحصري أو الاحتكاري لموضوع التعاقد".

وكانت العديد من الدول والجهات الأجنبية، أبرزها نواب في الكونغرس الأميركي، قد أبدت قلقها إزاء تفضيل الحكومة المصرية التعاقد مع الأجهزة العسكرية المحلية بدلاً من رجال الأعمال المصريين والأجانب في العديد من المشروعات المهمة، لكن الحكومة ووزارة الإنتاج الحربي نفت ذلك، مؤكدة أن الأجهزة العسكرية تحظى بنسبة ضئيلة من التعاقدات الحكومية، رغم أنها تتولى وحدها تقريباً إدارة مشروعات ضخمة بحجم "العاصمة الإدارية الجديدة"، و"مدينة الجلالة"، فضلاً عن تحديث الشبكة القومية للطرق، وتستعين في عملها بشركات مقاولة من الباطن.

دلالات
المساهمون