منذ الاستقلال، انفرد الشق البورقيبي من الحزب الحر الدستوري التونسي بحكم الدولة، ولم تلبث تونس أن دخلت نفق استبداد قام على سلطة الفرد، لا مكان فيه للمعارضة. وكانت أحداث الخميس الأسود 26 يناير/ كانون الثاني 1978، ثم انتفاضة الخبز 1 يناير/ كانون الثاني 1984، والمواجهة مع المعارضة والحركة الطلابية عامي 1987 و1991، ثم انتفاضتي الحوض المنجمي وبنقردان 2008 و2009، كلها أحداث شكلت حركة النضال التونسي من أجل نظام سياسي بديل، يضمن الحرية والعدالة وكرامة المواطن، وأثمرت في النهاية ثورة 17 ديسمبر/ كانون الأول 2010، التي أسقطت نظام الاستبداد والفساد.
أثبت التونسيون خلال انتفاضاتهم المتتالية تمسكهم بحقوقهم، واستعصى توقهم للحرية على آلة القمع. كانت كل تلك الأحداث موعدا متجددا للتونسيين مع تقديم دفعات أخرى من الشهداء، بقيت كل منها علامة على وحشية النظام البائد، تكشف انغلاقه الرهيب واغترابه عن الشعب التونسي، كما شدة التناقض التي تحكم العلاقة بينهما، ودليلا على إرادة تونسية لا تكسر.
لكن بعد نجاح الكفاح التونسي الطويل في إسقاط نظام الاستبداد واستعادة الشعب التونسي لسلطته وحقه في القرار، ما يزال ملف القصاص العادل لدماء الشهداء بعيدا عن اهتمامات النخبة السياسية التونسية التي تبدو مشغولة أكثر فأكثر بيوميات الصراع السياسي المحتدم في تونس.
كانت الأحكام الصادرة خلال ربيع 2014، إما بالبراءة أو بأحكام مخففة لا تتجاوز مدّة الاحتجاز بحق القيادات الأمنية والسياسية لنظام بن علي في قضايا قتل شهداء ثورة 17 ديسمبر 2010 صادمة للرأي العام التونسي. وفشلت النخب التونسية مجتمعة في توفير الغطاء السياسي المطلوب لإدخال الإصلاحات الضرورية على الجهاز القضائي. ووجدت قوى النظام القديم المجال مفتوحا لانتزاع موقعها من العملية السياسية ثم العمل على توجيهها والالتفاف على استحقاقات الثورة، وهو ما نجحت فيه نسبيا، لا سيما في تصفية ملفات القتل أثناء الثورة، وقطع الطريق أمام المحاسبة.
لن تجد نخب المعارضة التاريخية لبن علي ما يبرر تقاعسها وتغطيتها عمليا على إفلات جلادي الشعب التونسي من العقاب، بما يعنيه ذلك من تبييض للمسيرة الدموية للنظام القديم، ومن تفريط في تضحيات أجيال من التونسيين، من أجل اللحظة التاريخية التي تنعم بها تونس اليوم.
تختلف قضية القصاص للشهداء ضحايا الصراع ضد دولة الفساد والاستبداد عن غيرها من الملفات التي قد تقبل التأجيل، وذلك باعتبار القيمة الرمزية العالية لهذه القضية. سقوط شهيد ليس جريمة قتل عادية، بل جريمة تختزل كل ما اقترفه النظام في اقتصاد تونس ومجتمعها، وتدينه بفساده وظلمه وانغلاقه، الذي لم يترك للتونسيين غير التضحية بأرواحهم ومواجهة الرصاص والتعذيب أملا في الخلاص. إن التقاعس عن إنجاز مطلب القصاص للشهداء، فضلا عن كونه شرعنة للإفلات من العقاب، يفيد التخلي عن الإدانة الأخلاقية والسياسية للنظام البائد، وهو ما يضعف الثورة والشعارات التي رفعتها ويفقدها دورها كموجه رئيسي للعملية السياسية في تونس، ويحولها إلى مجرد إصلاحات جزئية لا تناقض النظام القديم بل تسعى لتطويره.
ينبغي أن تسترجع قضية شهداء مسيرة النضال التونسي من أجل الحرية مكانتها في الأجندة السياسية الوطنية عنوانا لاستكمال الثورة، وقيمة موجهة للعملية السياسية الناتجة عنها. أمام النخب التونسية فرصة جديدة للمساهمة في إعادة فتح الملفات وتحقيق العدالة بعد تجاوز المرحلة الانتقالية بانتخابات 2014، بدعم هيئة الحقيقة والكرامة، الهيئة الدستورية التي تعنى بالعدالة الانتقالية، ومنحها الغطاء السياسي الضروري لبلوغ أهدافها.
أثبت التونسيون خلال انتفاضاتهم المتتالية تمسكهم بحقوقهم، واستعصى توقهم للحرية على آلة القمع. كانت كل تلك الأحداث موعدا متجددا للتونسيين مع تقديم دفعات أخرى من الشهداء، بقيت كل منها علامة على وحشية النظام البائد، تكشف انغلاقه الرهيب واغترابه عن الشعب التونسي، كما شدة التناقض التي تحكم العلاقة بينهما، ودليلا على إرادة تونسية لا تكسر.
لكن بعد نجاح الكفاح التونسي الطويل في إسقاط نظام الاستبداد واستعادة الشعب التونسي لسلطته وحقه في القرار، ما يزال ملف القصاص العادل لدماء الشهداء بعيدا عن اهتمامات النخبة السياسية التونسية التي تبدو مشغولة أكثر فأكثر بيوميات الصراع السياسي المحتدم في تونس.
كانت الأحكام الصادرة خلال ربيع 2014، إما بالبراءة أو بأحكام مخففة لا تتجاوز مدّة الاحتجاز بحق القيادات الأمنية والسياسية لنظام بن علي في قضايا قتل شهداء ثورة 17 ديسمبر 2010 صادمة للرأي العام التونسي. وفشلت النخب التونسية مجتمعة في توفير الغطاء السياسي المطلوب لإدخال الإصلاحات الضرورية على الجهاز القضائي. ووجدت قوى النظام القديم المجال مفتوحا لانتزاع موقعها من العملية السياسية ثم العمل على توجيهها والالتفاف على استحقاقات الثورة، وهو ما نجحت فيه نسبيا، لا سيما في تصفية ملفات القتل أثناء الثورة، وقطع الطريق أمام المحاسبة.
تختلف قضية القصاص للشهداء ضحايا الصراع ضد دولة الفساد والاستبداد عن غيرها من الملفات التي قد تقبل التأجيل، وذلك باعتبار القيمة الرمزية العالية لهذه القضية. سقوط شهيد ليس جريمة قتل عادية، بل جريمة تختزل كل ما اقترفه النظام في اقتصاد تونس ومجتمعها، وتدينه بفساده وظلمه وانغلاقه، الذي لم يترك للتونسيين غير التضحية بأرواحهم ومواجهة الرصاص والتعذيب أملا في الخلاص. إن التقاعس عن إنجاز مطلب القصاص للشهداء، فضلا عن كونه شرعنة للإفلات من العقاب، يفيد التخلي عن الإدانة الأخلاقية والسياسية للنظام البائد، وهو ما يضعف الثورة والشعارات التي رفعتها ويفقدها دورها كموجه رئيسي للعملية السياسية في تونس، ويحولها إلى مجرد إصلاحات جزئية لا تناقض النظام القديم بل تسعى لتطويره.
ينبغي أن تسترجع قضية شهداء مسيرة النضال التونسي من أجل الحرية مكانتها في الأجندة السياسية الوطنية عنوانا لاستكمال الثورة، وقيمة موجهة للعملية السياسية الناتجة عنها. أمام النخب التونسية فرصة جديدة للمساهمة في إعادة فتح الملفات وتحقيق العدالة بعد تجاوز المرحلة الانتقالية بانتخابات 2014، بدعم هيئة الحقيقة والكرامة، الهيئة الدستورية التي تعنى بالعدالة الانتقالية، ومنحها الغطاء السياسي الضروري لبلوغ أهدافها.