يشهد الدينار الجزائري، منذ نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، تراجعاً غير مسبوق في أسواق العملة، خاصة أمام الدولار الذي انخفض أمامه بنسبة 12%. قبل شهر سبتمبر/أيلول من العام الماضي، كان الدولار يساوي 82 ديناراً، فيما وصل الآن إلى 94 ديناراً في السوق الرسمية، و138 ديناراً في السوق الموازية. كما انخفض الدينار أمام اليورو بنسبة 2.3% خلال الأشهر الستة الماضية، ليصل إلى 107 دنانير في السوق الرسمية، و159 ديناراً في السوق الموازية.
المواطن يدفع الثمن
انعكست هذه التراجعات في أسعار الدينار سلباً على أوضاع المواطنين المعيشية، حيث شهدت أسعار العديد من المواد الاستهلاكية، وخاصة الغذائية منها، ارتفاعات كبيرة، كما أعلن وكلاء السيارات رفع أسعار المركبات المستوردة، بنسب تتراوح بين 20 و30% بداية من العام الحالي. من جانبه، نفى وزير المالية، محمد جلاب، إقدام الحكومة على خفض قيمة الدينار، محملاً المسؤولية لبعض المستوردين الذين يبقون على أسعار وارداتهم الغذائية مرتفعة، على الرغم من انخفاض أسعار بعضها في السوق العالمية.
من جانبه، أوضح المحلل الاقتصادي، رابح حليس، أن هناك نوعاً من التلاعب بالألفاظ، حيث تستخدم في سوق العملة كلمتان هما: انخفاض وتخفيض، ولكل منهما معنى لغوي واقتصادي مختلف. فكلمة انخفاض معناها صيرورة طبيعية للسوق دون تدخل إرادة اقتصادية او إرادة سياسية، وهذا ما هو حاصل اليوم في الجزائر. أما بالنسبة لكلمة تخفيض، فتعني أن هناك فعلاً خارجياً من طرف المصرف المركزي أدى إلى انخفاضها، مؤكداً أن الجزائر ليست الآن في هذه المرحلة، لأن التخفيض يعلن عنه من طرف المصرف، عبر بيان رسمي، لأهداف سياسية أو اقتصادية. ولفت رابح حليس إلى أنه وبالنظر إلى العلاقة بين قيمتي الدولار واليورو، ووضعية الاقتصاد الجزائري، فإن الدينار يعرف تراجعاً محسوساً في قيمته، حيث إن أي حركة في الفرق بين سعري العملتين، تؤدي بالضرورة إلى التأثير الحتمي على سعر الدينار، بالإضافة إلى الوضعية الهشة الحالية للاقتصاد الوطني.
من جهته، اعتبر الخبير الاقتصادي عبدالرحمن مبتول أن تراجع قيمة الدينار الجزائري في الآونة الأخيرة له ما يبرره، بالنظر إلى ضعف الإنتاج والإنتاجية في البلاد، إذ إن 98% من الصادرات الجزائرية هي من مادة البترول الخام، فيما 70% من احتياجات المواطنين والمؤسسات العمومية والخاصة مستوردة من الخارج. وما زالت مساهمة القطاع الصناعي في الجزائر في الناتج الإجمالي الخام دون نسبة الـ50%.
وقال مبتول لـ"العربي الجديد": ترتبط قيمة الدينار بنسبة 70% باحتياطات الصرف الخارجي، ومداخيل مجمع "سوناطراك" النفطي، كما أن السوق الموازية في البلاد تتحكم في أكثر من 50% من النقد الإجمالي، و65% من النشاطات الاقتصادية كتجارة الخضار والفواكه والأسماك واللحوم، واستيراد الألبسة وغيرها، وكلها نشاطات يعتمد غالبية أصحابها، في معاملاتهم الخارجية، على السوق الموازية للعملة، التي وصلت قيمة الدينار فيها مؤخراً إلى 160 دينارا لليورو الواحد، مقابل 110 دنانير لليورو الواحد في السوق الرسمية، ما يعني وجود فرق في القيمة يصل إلى 45% تقريباً.
وبحسب مبتول، فإن تأثير هذا التراجع على ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية في البلاد يعود إلى أن 70% من احتياجات المواطنين والمؤسسات العمومية أو الخاصة سلع مستوردة، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها، وبالتالي تتأثر القدرة الشرائية للمواطن.
من جهة أخرى، انتقد مبتول سياسة الدعم المتبعة من قبل الدولة، إذ إن الأخيرة تنفق نحو 60 مليار دولار، أي نحو 28% من دخلها الإجمالي الخام، في سبيل تغطية النفقات الاجتماعية، ودعم المواد الاستهلاكية الأساسية.
أما الخبير الاقتصادي، محمد بوجلال، فقد أكد أن تراجع قيمة الدينار مرده سببان أساسيان، أولاً أن قيمة العملة لأي بلد تعكس وضعه الاقتصادي، وما دام الاقتصاد الجزائري اقتصاداً ريعياً غير منتج، إذاً من المنطقي جداً أن تكون العملة ضعيفة. أما السبب الثاني، فهو سبب نفسي، حيث تنعدم الثقة في الاقتصاد الجزائري. ولفت بوجلال إلى دور التجار في خفض قيمة الدينار، فقال: "يستغل بعض التجار تهريب العملة الصعبة إلى الخارج عن طريق استيراد البضائع، وتضخيم الفواتير، الأمر الذي أدى إلى حصول نزيف كبير للعملة، بطرق شرعية وغير شرعية". ومن أجل رفع قيمة العملة الوطنية، دعا بوجلال إلى ضرورة تبني سياسات اقتصادية رشيدة تعيد الثقة في العملة الوطنية، عن طريق بناء الثقة في الاقتصاد الجزائري، وتشجيعه مؤسسته الإنتاجية.
إقرأ أيضا: مصطفى الجواهري.. إذاعي يتحدى العتمة بالكلمة