مجدداً، يعود القلق ليسكن كثيراً من السوريين، مع عودة القانون رقم 10، سيئ السمعة إلى الواجهة، بالرغم من تأكيد الروس أنّ النظام سحبه. القانون يمهد للاستيلاء على آلاف الملكيات العقارية
أقرّ مجلس الشعب (البرلمان) السوري، تعديلين ينصان على إطالة مدة تقديم أوراق إثبات الملكية العقارية في البلاد، بالإضافة إلى السماح للمعترضين بالتوجه إلى القضاء العادي، ما يعني أنّ القانون، الذي يشرعن الاستيلاء على ممتلكات المعارضين العقارية، والمعروف بالقانون رقم 10، ما زال قيد التطبيق.
أقرّ البرلمان التعديلات وأحالها إلى الجهات المخولة لاستكمال إجراءات صدورها. وأفادت وسائل إعلام رسمية تابعة للنظام بأنّه جرى تعديل مهلة الثلاثين يوماً في القانون رقم 10 لتقديم التصريح بالحقوق وجعلها سنة ميلادية مع التأكيد على صون الملكية واعتماد السجلات العقارية الرسمية كأساس في عمل لجان التقدير وحلّ الخلافات والتوزيع المشكلة بموجبه، بالإضافة إلى إفساح المجال أمام أصحاب الحقوق ليقدموا اعتراضاتهم أمام القضاء العادي بعد انتهاء أعمال اللجان القضائية في حال عدم تمكنهم من تقديمها أمام لجنة حلّ الخلافات.
أضافت أنّ "الفقرة الأولى من المادة الثانية من مشروع القانون تشير إلى أنّه يقدم، لدى الوحدة الإدارية وخلال شهر واحد من تاريخ انتهاء المهلة المحددة في المادة 1 من القانون، الادعاء بالملكية أو الحقوق العينية، وذلك أمام لجنة أو أكثر ذات اختصاص قضائي تختص بالنظر في جميع الاعتراضات والادعاءات بالملكية أو بالمنازعات العينية على العقارات الداخلة في المنطقة التنظيمية سواء سبق أن صرح عنها خلال المهلة المحددة لتقديم الادعاء بالملكية أو الحقوق العينية المنصوص عليها في المادة السابقة من القانون أم لا. وتحال إليها جميع الدعاوى المماثلة المتعلقة بالمنطقة القائمة أمام المحاكم التي لم يبت فيها بحكم مبرم، وبحسب الفقرة الثانية من المادة نفسها فإنّ لأصحاب الحقوق الذين لم يتقدموا باعتراضاتهم أمام لجنة حلّ الخلافات الحق بالادعاء بشأنها أمام القضاء العادي بعد انتهاء أعمال اللجان القضائية المنصوص عليها في أحكام هذا القانون".
لا وثائق
وكان مستشار الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، يان إيغلاند، صرح الشهر الماضي، بأنّه وفي اجتماع دوري في جنيف حول الأزمة السورية، أبلغت روسيا المجتمعين أنّ النظام سحب القانون الرقم 10 المثير للجدل والذي يمكن أن يستخدم لمصادرة أملاك المعارضين واللاجئين غير القادرين على تقديم مستندات خاصة بملكياتهم في المناطق التي ستصدر فيها مخططات تنظيمية جديدة.
من جانبهم، شكك حقوقيون سوريون بصدق الروس حينها، مفيدين بأنّه قانونياً لا مجال لسحب قانون أو إبطاله، عقب صدوره بشكل رسمي، إلاّ من خلال قانون يلغيه، وما دون ذلك هو عبارة عن امتصاص لردّ الفعل السلبي ليس أكثر. وكان وزير خارجية النظام، وليد المعلم، قد ذكر في يونيو/ حزيران الماضي، أنّ تعديلاً سيطاول بنود القانون. وبحسب المعلم، فقد تقرر تعديل المدة الزمنية لإثبات الملكية من شهر إلى سنة، وبالفعل هذا ما أقره "مجلس الشعب".
في هذا الإطار، يقول حسام المحمد، وهو لاجئ في إحدى الدول الأوروبية، لـ"العربي الجديد": "لم أكن أملك في سورية كلها سوى منزل في جنوب دمشق، بمنطقة المخالفات السكنية، حيث يعيش غالبية أهل العاصمة، وقد استنزف المنزل من عمري نحو 20 عاماً من العمل، واليوم أنا مهدد بأن يسرق مني في حال تطبيق القانون رقم 10". يضيف: "نزحت إلى دمشق وأنا بمقتبل العمر من ريف دير الزور، هرباً من الفقر، فالعاصمة تضمّ فرص عمل أكثر، لكن اليوم بحجة إعادة الإعمار، ستؤخذ ممتلكاتنا وتحول مناطقنا التي كانت تحتضن مسحوقي الدخل الفقراء إلى مناطق خمس نجوم، قد لا نتمكن من السير في شوارعها، وسيسكنها المتنفذون وتجار الحرب". يعلق على التعديلات الأخيرة التي أقرها مجلس الشعب: "هذه التعديلات كذر الرماد في العيون. النظام يقول إنّ المشكلة هي فقط مشكلة إجراءات، لكنّها مشكلة أكبر من ذلك بكثير، فأنا مثلاً مطلوب أمنياً لمشاركتي في أعمال الإغاثة بداية الحراك عامي 2011 و2012، وليس لدي أقارب في دمشق لتقديم ما يثبت ملكيتي لمنزلي، فماذا أفعل؟ إن لم يكن هناك حلّ سياسي في سورية وإنهاء الملاحقات الأمنية، لن نتمكن من الحفاظ على حقوقنا أبداً".
من جانبه، يقول جمال المحسن، اللاجئ في لبنان، لـ"العربي الجديد": "منذ عقود تعيش غالبية الشعب السوري في المناطق العشوائية، التي شاء القدر أن تكون مناطق حراك نابع من القهر والتهميش، فتقصف وتدمر بشكل شبه كامل، واليوم الحديث عن إعادة الإعمار، على حساب الشعب الفقير. أول أزمة هي تقديم مستندات الملكية، فأنا خرجت من منزلي تحت القصف وكل أوراقي تركتها في المنزل، ولم يبقَ لي أحد من عائلتي في سورية، فمنهم من مات ومنهم من اعتقل ومنهم من لجأ إلى دول أخرى". يلفت إلى أنّه كان يأمل أن تكون روسيا صادقة عندما قالت إنّ النظام أوقف العمل بهذا القانون، وحتى في القمة الرباعية في تركيا بين روسيا وتركيا وألمانيا وفرنسا، قيل إنّ القانون رقم 10، كان مدار بحث بينهم، وكثير من الدول والمنظمات اعترضت على القانون وطالبت بسحبه، وحتى الأمم المتحدة، لكنّ النظام لا يعترف بشيء، ولن ينجز أيّ حل إلاّ بعد أن يكون قد أعاد ترتيب البلد على مقاسه".
من يجرؤ؟
من جهته، يقول الناشط سليم الدمشقي، لـ"العربي الجديد": "مشكلة ملكيات السوريين لها عدة أوجه، فالنظام يصادر أملاك جميع السوريين المعارضين الذين جرى تهجيرهم إلى الشمال السوري، على خلفية اتفاقات التسوية الناتجة من الحصار والتجويع والقصف والاتفاقات الدولية، وبحجة إدانتهم بأنّهم إرهابيون يستخدم القانون لسلبهم ممتلكاتهم. والمستوى الثاني هو ما قد ينتجه القانون رقم 10، إذ إنّ كلّ نازح إلى مناطق خارج سيطرة النظام أو لاجئ، ملاحق أمنياً، وإن كان ذلك ناتجاً من جملة كتبها على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، فهو محروم من العودة إلى وطنه لأنّه مهدد بالاعتقال مباشرة، فلا يمكنه أن يقدم ما يطلب من أوراق تثبت ملكيته". يتابع: "إذا أراد أن يوكل محامياً ينوب عنه قانونياً، فالوكالات الخارجية تخضع لشرط الحصول على موافقة أمنية، وفي حال كان عليه أيّ طلب أمني فلا يوافق على تثبيت وكالته لدى الكاتب بالعدل، وبالتالي فقد خسر ملكيته. وفي مسألة السماح لأقارب المالك حتى الدرجة الرابعة بتقديم مستندات الملكية، فقد تكون متاحة إن كانت الملكية في المحافظة نفسها، أما إذا كانت هناك مذكرة أمنية في حقه من إدلب، وكان لديه منزل في دمشق وكان جميع أفراد عائلته مطلوبين أمنياً، فمن سيقدم له تلك الأوراق؟ وإذا لم يكن على أحدهم طلب أمني، فماذا بشأن أعباء وتكاليف وخطورة السفر ومتابعة تلك الإجراءات؟".
يتساءل الدمشقي: "من الذي يخاطر بنفسه ليحمل معاملة شخص مطلوب أمنياً، ويقدمها لدى النظام، فهو سيكون معرضاً لخطر الاعتقال بدوره، وخضوعه للتحقيق للحصول على أيّ معلومات، وليس من المستبعد أن توجه إليه اتهامات التواصل مع العصابات الإرهابية، لذلك سيكون من الصعب جداً أن يتمكن الشخص المطلوب للنظام من المحافظة على أملاكه".
أسهم
يلفت الدمشقي إلى أنّه "حتى من بقي في مناطق النظام هو في الحقيقة مهدد أيضاً بالتهجير بحجة التنظيم وإعادة الإعمار، فأولاً من لديه منزل في أرض للدولة أو مستملكة من قبلها، فلا يتمتع بأيّ ميزات وإن مضى على وجوده على هذه الأرض عقود طويلة، كما لم يأتِ القانون على وضع المستأجر القديم. أما من يملك الأرض فسيتحول عقاره إن كان منزلاً أو محلاً تجارياً إلى أسهم عامة، أي أنّ لديه أسهما ضمن منطقة التنظيم لكن ليس له منزل أو قطعة أرض واضحة المعالم.
يتابع: "من أثبت ملكيته وامتلك هذه الأسهم لا يعني أنّه امتلك عقاراً، بل عليه ليحصل على عقار مشابه لعقاره، أن يقوم بتشكيل شركة مساهمة مع مالكين آخرين يكون مجموع أسهمهم 11 ألف سهم، وتختلف الحصص السهمية لكلّ مالك حصة تحددها الوحدة الإدارية بحسب العلامات التي تضعها، ومنها ما يتعلق بالمساحة والموقع وغيرها، إذ تمنحه الوحدة الإدارية قطعة أرض ليتولى المالكون حينها تشييد بناء لهم بحسب ضابطة البناء المعتمدة في المنطقة، وهذا أيضاً يعتبر أمراً صعباً في ظل فقر السكان، ما يدفع كثيراً من المالكين في تلك المناطق إلى بيع عقاراتهم بأسعار بخسة".
يضيف أنّ "من لا يكون ضمن مالكي شركة مساهمة أو لم يبع أسهمه، تتولى الوحدة الإدارية بيع أسهمه بالمزاد العلني، وغالباً ستصب الأسهم في جيوب المتنفذين بأسعار بخسة، إذ يتوقع أن ترتفع أسعار العقارات في تلك المناطق أضعافاً مضاعفة مع بدء تنفيذ مشاريعها".