القادة الأوروبيون يستأنفون محادثاتهم حول حزمة الإنقاذ الاقتصادي وسط خلافات

20 يوليو 2020
ماكرون يفضّل المغادرة على أن يعقد اتفاقاً سيّئاً (Getty)
+ الخط -

يستأنف قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل مفاوضاتهم المرتبطة بحزمة ضخمة لإنعاش الاقتصاد بعد أزمة كوفيد-19 اليوم الاثنين، وفق ما أفاد مسؤول رفيع.

ويخشى الأوروبيون أن تؤول المفاوضات، في اليوم الرابع لها، التي كان مقرراً لها أن تستمر يومين فقط، إلى الفشل.

وقال باريند ليتس، المتحدث باسم رئيس المجلس الأوروبي الذي يستضيف القمة، شارل ميشال على تويتر إن القادة الـ27 سيستأنفون محادثاتهم بعد ليلة كاملة من النقاشات التي جرت على مستوى مجموعات أصغر وسادها التوتر أحياناً.

وقال رئيس الوزراء الهولندي مارك روته اليوم الاثنين إن زعماء الاتحاد الأوروبي حققوا تقدماً نحو التوصل إلى اتفاق على خطة لإنعاش الاقتصادات التي تضررت من جائحة كوفيد-19، ولكنه حذّر من أنه ما زال من الممكن انهيار المحادثات.

وأضاف روته للصحافيين في بروكسل، وفقاً لوكالة "رويترز" أن "الأمر أحياناً لم يكن يبدو طيباً الليلة الماضية، ولكني أشعر بأننا بشكل عام نحقق تقدماً".

وقفز اليورو إلى أعلى مستوياته في أربعة أشهر مقابل الدولار اليوم الاثنين، مدعوماً بالتصريحات الإيجابية لروتة، حيث ارتفع اليورو 0.2 بالمائة إلى 1.1452 دولار، بعد أن صعد إلى 1.14555 دولار، أعلى مستوى له منذ مارس/ آذار.

وأكدت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أمس، أنه رغم "الإرادة الحسنة، من الممكن ألا يجري التوصل إلى نتيجة الأحد"، متوقعة استمرار المحادثات ليوم الاثنين.

قفز اليورو إلى أعلى مستوياته في أربعة أشهر مقابل الدولار اليوم الاثنين، مدعوما بالتصريحات الإيجابية لرئيس الوزراء الهولندي

وحذّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يدافع عن هذه الخطة إلى جانب ميركل من أن "التسويات" لا يمكن أن تحصل "على حساب الطموح الأوروبي".

والتقت ميركل وماكرون رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، رئيس القمة صباح أمس الأحد، لتحديد ما يجب القيام به بعد 48 ساعة من المناقشات التي كانت قد وصلت إلى طريق مسدود مع رفض هولندا وحليفاتها "الدول المقتصدة" الأخرى (الدنمارك والسويد والنمسا وفنلندا) هذا المشروع.

ولا تزال نتائج القمة غير واضحة، وهي الأطول بين قادة الاتحاد الأوروبي منذ قمة نيس عام 2000 حول مراجعة الاتفاقيات في إطار توسع الاتحاد شرقاً (استمرت أربعة أيام وليالٍ).

وفي هذا السياق، قال مصدر أوروبي إنّ الأمور "تتحرّك ببطء". وقال رئيس وزراء لوكسمبورغ، كزافييه بيتيل، وفقاً لوكالة "فرانس برس": إنني "نادراً ما رأيت خلال 7 أعوام (منذ توليه المنصب) مواقف متعارضة إلى هذا الحدّ، وحول عدد كبير من النقاط".

ومن أهمّ النقاط التي يجب "توضيحها" وفقاً له، حجم صندوق التحفيز الاقتصادي وطريقة إدارة الأموال. ويُعقّد الإجماع الضروري بين الدول الـ27 الأعضاء الوصولَ إلى حلّ وسط.

لا تزال نتائج القمة غير واضحة، وهي الأطول بين قادة الاتحاد الأوروبي منذ قمة نيس عام 2000

ودعا ميشال مساء الأحد زعماء الاتّحاد الأوروبي إلى عدم إظهار "أوروبا ضعيفة"، حاضّاً إيّاهم على التوافق بشأن خطّة التعافي الاقتصادي.

وقال ميشال خلال عشاء لرؤساء الدول والحكومات الأوروبية المجتمعين في بروكسل: "السؤال هو الآتي: هل القادة الـ27 المسؤولون أمام شعوب أوروبا قادرون على بناء وحدة أوروبية وثقة؟ أم أننا سنُظهِر أوروبا ضعيفة يُقوّضها انعدام الثقة؟".

وكثّف ميشال على امتداد يوم أمس لقاءاته الفرديّة أو مع مجموعات صغيرة، جرى أغلبها على شرفة مكتبه حيث وضِعت طاولة كبيرة انتشرت الصوَر الملتقطة حولها في شبكات التواصل الاجتماعي. وعصراً، أكّدت رئيسة الوزراء البلجيكية صوفي ويلماس، عند استقبالها لدى ميشال، برفقة نظيريها في لوكسمبورغ وإيرلندا، أنّ "ساعة التوصّل إلى اتّفاق حانت".

مخاوف من الفشل

وتتمحور المحادثات حول خطة إنعاش لما بعد كوفيد-19 بقيمة 750 مليار يورو (860 مليار دولار) يمولها قرض مشترك.

واقترح ميشال أيضاً آليّة تسمح لأيّ بلد لديه تحفّظات على خطّة إصلاح أيّ بلد آخَر، بأن يَفتح نقاشاً بمشاركة الدول الـ27.

ويأتي هذا الاقتراح ردّاً على رئيس الوزراء الهولندي مارك روتي الذي يريد أن تتم الموافقة على الخطط الوطنية بإجماع الدول الـ27، ما يمنح فعليّاً كلّ عاصمة حقّ التعطيل، للتأكّد من أنّ المبالغ المقدّمة لدول الجنوب التي تعتبر متراخية في ما يخصّ تطبيق شروط وضع الموازنة، ستنفق بالشكل الصحيح.

 

لكنّ هذه المطالب الملحّة للإصلاحات تقلق روما ومدريد اللتين تخشيان مواجهة برنامج إصلاح مفروض (سوق العمل والرواتب التقاعدية...) مثل ما حصل مع اليونان في السابق.

وتتطرّق القمّة أيضاً إلى موضوع حسّاس آخر، هو ربط منح الأموال باحترام "دولة القانون"، وهو ما يرفضه رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي يمكن أن يستخدم حقّ النقض لصدّ أيّ محاولة لربط تمويل الموازنات بالمحافظة على المعايير القانونية الأوروبية.

ينص اقتراح الخطة الأخير على أن تبقى قيمتها 750 مليار يورو، لكنها باتت تتألف من 300 مليار من القروض و450 ملياراً من المساعدات

وقدّر دبلوماسي أوروبي وفقاً لـ"فرانس برس" أنه "إذا فشلت القمة، فسيكون ذلك لسببين: معارضة كونتي المستمرة (للآلية بشأن) الإجماع الذي يطالب به روتي، وإصرار (رئيسة الوزراء الفنلندية سانا) ماران وروتي على سيادة دولة القانون".

وأسف مصدر دبلوماسي إسباني لأنه "في هذه المرحلة، لم يعد الأمر متعلقاً بتقييم (المقترحات)، بل بتوضيح إن كان الوصول إلى اتفاق لا يزال متاحاً".

وأضاف المصدر لوكالة "فرانس برس"، طالباً عدم ذكر اسمه، أن "الجميع يعلمون ما هي العوائق، والآن هم (القادة) يحاولون معرفة إن كان ممكناً الوصول إلى اتفاق".

واعتبر مصدر أوروبي آخر أن حظوظ التوصل إلى اتفاق "ضئيلة".

خطة معدلة

وينص اقتراح الخطة الأخير على أن تبقى قيمتها 750 مليار يورو، لكنها باتت تتألف من 300 مليار من القروض و450 ملياراً من المساعدات التي لا يترتب على المستفيدين منها إعادتها، مقابل 250 ملياراً من القروض و500 مليار في الاقتراح السابق.

وتستند الخطة إلى موازنة طويلة الأمد (2021-2027) للاتحاد الأوروبي بقيمة 1074 مليار يورو. ومن الخيارات المطروحة، تعديل التوزيع بين القروض والمنح من طريق زيادة حصة الأولى إلى 300 مليار (مقابل 250 في الاقتراح الأولي) بدون خفض حصّة المنح المخصّصة لدعم خطط الإنعاش الخاصة بدول معينة.

وأشارت فرنسا وألمانيا إلى عدم رغبتهما في التراجع إلى ما دون 400 مليار يورو في ما يخصّ المنح، بينما تفضل الدول المقتصدة القروض على المنح.

وقال مصدر أوروبي لـ"فرانس برس" إنّ ماكرون أكّد خلال القمّة أنّ فرنسا وألمانيا هما اللّتان "ستموّلان هذه الخطة" و"أنّهما تقاتلان من أجل مصلحة أوروبا، في حين أنّ الدول المقتصدة غارقة في الأنانية ولا تقدّم أيّ تنازلات".

وأضاف المصدر أنّ الأمر بلغ بالرئيس الفرنسي حدّ "قوله إنّه يفضّل المغادرة على أن يعقد اتفاقاً سيّئاً".

وعقد قادة الدول الخمس المقتصدة لقاءً أمس الاحد، مع نظرائهم من دول الجنوب، الإيطالي جوزيبي كونتي والإسباني بيدرو سانشيز واليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس.

وكتب كونتي على تويتر أنّ "المفاوضات مستمرّة. هناك من جهة الأغلبية العظمى للدول - أكبرها ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا - التي تدافع عن المؤسسات الأوروبية والمشروع الأوروبي، ومن جهة ثانية الدول الأخرى القليلة، التي تسمى (مقتصدة)".

وقالت كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، أمس الأحد، إن الأفضل لزعماء الاتحاد الأوروبي الاتفاق على حزمة مساعدات مالية طموحة للتكتل من التوصل إلى اتفاق سريع بأي ثمن.

وأكدت لاغارد لوكالة "رويترز" أن "الأفضل أن يكون اتفاق الزعماء طموحاً في ما يتعلق بالحجم ومكونات الحزمة، متماشياً مع ما اقترحته المفوضية". وأضافت: "في رأيي، من الأفضل الاتفاق على حزمة طموحة تتفق مع ذلك حتى لو استغرق الأمر المزيد من الوقت. آمل أن يتوصل الزعماء إلى شيء طموح أكثر منه سريعاً".

المساهمون