الفيلم اللبناني.. إنها الحرب يا عزيزي

08 يونيو 2014
من "شهر عسل 58" لهادي زكاك
+ الخط -

ينطلق "مهرجان الفيلم اللبناني" في بيروت هذا العام (افتتح أول أمس الجمعة، ويستمر حتّى 11 حزيران/ يونيو) وفي جعبة الدورة الحادية عشرة منه 49 فيلماً (معظمها لبناني) تتوزع بين روائي وتسجيلي وتجريبي، غالبيتها من إنتاج السنوات الثلاث الأخيرة.

ومن المنتظر من هذه العروض وفق البرنامج الرسمي أن تتناول الهموم التي يعيشها المجتمع اللبناني، في ضوء التحديات والمتغيّرات السياسية الكبيرة التي تعصف بالمنطقة على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية، وما تتركه من انعكاسات على لبنان، هذا البلد الذي يعيش في عين تلك الأحداث المتلاحقة فاعلاً فيها حيناً، ومنفعلاً بها أغلب الأحيان، حيث سبق أن تم تأجيل افتتاح المهرجان أوائل هذا العام بسبب الأوضاع الأمنية، وألغي في العام 2011، وكذلك في العام 2006 (بسبب العدوان الإسرائيلي).

ويتنافس في المسابقة الرسمية للمهرجان 34 فيلماً محلياً، فيما تُعرض عشرة أفلام أخرى خارجها، حيث يحتفي الجمهور بالعدسة السينمائية اللبنانية الشابّة، من خلال أفلام "تعكس أجواء المجتمع اللبناني وتركيبته، وتتطرق إلى الاحتلال الإسرائيلي، وتداعيات الحرب اللبنانية، والهجرة الأرمنية، والربيع العربي" بحسب بيان المنظمين. علاوة على تظاهرة مرافقة تقترحها إدارة المهرجان للمرة الأولى هذه السنة تحت عنوان "أفلام من مكان آخر"، وتحلّ فيها الأرجنتين ضيفاً بخمسة عروض، وورشتين سينمائيتين مع المخرج هرمان بيلون، والموزع بابلو مازولا.

من الأفلام ذات الأسهم العالية التي تتداولها التعليقات، وكتابات النقاد لترشحها للفوز بجوائز المهرجان هذه السنة، والتي ستوزع على أفضل فيلم روائي، وتسجيلي، وعمل أوّل، وأفضل فيلم تجريبي (استحدثت هذا العام)؛  فيلم "صراع  (1949- 1979)" (وثائقي 52 دقيقة) لبهاء خداج وجوزف خلوف، اللذين يذهبان بنا في رحلة مواجهة نادرة، ومكاشفة لا تخلو من جرأة، بين هواجس ابن شغوف بكاميرته، وأب كان له صولات وجولات في الحرب الأهلية اللبنانية، في محاولة للإجابة على سؤال "الطفل" الكبير: "من أنت يا أبي؟ أريد أن أعرف. أقاتل أنت أم بطل؟".

وتستمر هذه المناكفات والمصارحات بين الأجيال مع فرح قاسم التي قررت أن تُسلم عدستها لقصة مصطفى، الشاعر الذي يكاد يدخل العقد الثامن من حياته، مع اضطرابات في النوم، وزيارات ابنته (المخرجة) التي تتصاعد وتيرتها في محاولة منها لالتقاط وتوثيق حياة والدها وأشعاره وذكرياته التي باتت محور حياته منذ وفاة زوجته. ليغوص الفيلم في لحظات حميمة، تحاول الابنة من خلالها البحث عن إجابات على أسئلة لم تتجرأ على طرحها قبل الآن، وذلك في 33 دقيقة مع شريط "والدي يشبه عبد الناصر".

بدورها تعود زينة دكّاش هذا العام بشريطها "يوميات شهرزاد" (وثائقي 80 دقيقة) مع ثيمتها المفضلة، والتي لم تغادرها منذ فيلمها "اثنا عشر رجلاً لبنانياً غاضباً" (2009)، حول مبدأ "العلاج بالدراما"، وخاصة في أوساط نزلاء السجون. فمن "سجن رومية" (في شريطها السابق) تنتقل دكاش هذه المرة إلى نزيلات "سجن بعبدا" لتخرج لنا المكبوت في صدور هؤلاء النسوة، عبر حكايات فردية بُحن بها في جلسات مسرحية علاجية في 2012، ما يعدّ أول عمل مسرحي يقدّم داخل أسوار سجنٍ نسائي عربيّ.

أمّا "طيور أيلول" (وثائقي 99 دقيقة) لسارة فرنسيس (سبق وعرض في مهرجان آفاق السينمائي هذا العام) فتأخذنا مخرجته في رحلة مفتوحة مع امرأة تجول بسيارتها في شوارع بيروت، مراقبة دوران مادة الحياة في شرايين العاصمة بحثاً عن شيء أو أحد ما. وفي الطريق تطلب من أشخاص تعرّفت إليهم صدفة أن يرافقوها وراء عجلة القيادة التي تنحرف بهم فجأة إلى أحاديث ونقاشات هي في الصلب من هواجس لبنانيي المدينة، وفي مقدمتها حكايات المذهبية والطائفية المستشريتين في الجسد السياسي.

أفلام أخرى كثيرة ينتظر جمهور السينما اللبنانية أن تروي بعض غليله للإنتاج المحلي المتذبذب، والذي لا يمكن وضع اليد بسهولة على وتيرة مستقرة له أو مستوى فني بعينه؛ منها: "نادي السبورتينغ" (روائي 26 دقيقة) لزلفا سورا، و"أستوديو بيروت" (روائي قصير 15 دقيقة) لمختار بيروت، و"مونديال 2010" (تسجيلي 19 دقيقة) لروي ديب، و"رسالة إلى طيار رافض" (وثائقي 34 دقيقة) لأكرم زعتري، و"نسيج" (روائي قصير 18 دقيقة) لفراس حلاق، و"أسطورة صالح شريف" (روائي قصير 19 دقيقة) لزاهي فرح، و"تجسد طائر من لوحة زيتية" (تجريبي 8 دقائق) لعمر فاخوري وروي سماحة، و"أنا ملك المجد" (وثائقي 22  دقيقة) لإيليا الحداد، و"منفي" (روائي 36 دقيقة) لربيع الأمين، و"أرمين" (وثائقي 74 دقيقة) لمارلين إيدويان، و"بلا كهربا" (وثائقي 53 دقيقة) لسينتيا شقير، و"أمي، لا شكراً" (روائي 52 دقيقة) لأنطوني شدياق، و"سهام" (روائي 13 دقيقة) لسيريل عريس وكاي جيرو لانكي، و"إيفا" (روائي 8 دقائق) لمونيا عقل، و"الحائط" (روائي 24 دقيقة) لأوديت مخلوف.

ومن الأفلام الروائية الطويلة التي دخلت الترشيحات لأفضل فيلم لبناني؛ فيلم "عصفوري" لفؤاد عليوان، و"غدي" لأمين درة، و"قصة ثواني" للارا سابا، و"بي بي" لإيلي حبيب، و"وادي الدموع" لماريان زحيل" و"بيترويت" لعادل سرحان.

أمّا على الصعيد الوثائقي فتبرز شرائط "النادي اللبناني للصواريخ" لتانيا حاجي توما وخليل جريج، و"74 استعادة لنضال" لرانيا ورائد الرافعي، و"ليال بلا نوم" لإليان راهب.

وتتألف لجنة تحكيم المهرجان لبنانياً من المخرجة والممثلة نادين لبكي، وكاتب السيناريو والممثل والمخرج شريف غطّاس، والناقد بيار أبي صعب، إضافة إلى المخرج الأرجنتيني هيرمان بيلون.

وانطلق "مهرجان الفيلم اللبناني" للمرة الأولى عام 2001 وعلى أجندته أهداف تتمثل بمساعدة السينمائيين اللبنانيين في عرض أفلامهم، وتعزيز تفاعلهم مع الجمهور، وتحصيل دعم أساسي لمشاريعهم المستقبلية.

وإذ ينقسم المتابعون حول مدى النجاح الذي حققه المبادرون إلى تنظيم هذه الفعالية  السينمائية بعد عقد على انطلاقتها؛ لكنّ أحداً منهم لا يريد لها أن تتوقف بحال، ولعلّهم يجدون هذه السنة متسعاً لنقاش أو حوار مستفيضين لن تُستثنى منهما شؤون وشجون الثقافة عموماً في بلد منهك سياسياً ومعاشياً، تتحرك "الحرب" داخل مسامات ذاكرته وغالباً ما تستبق هواجس أفلامه. 

المساهمون