الفنان والشعب والتطبيل للاستبداد

19 ديسمبر 2014
+ الخط -

رفع سماعته، وأخذ يحادث مضيفه أحمد موسى في برنامجه الأبدي "على مسؤوليتي" على قناة "صدى البلد"، وشكا الفنان شريف منير، بعبرة وتحمحم، تضخم فاتورة الغاز التي جاوزت ثلاثة آلاف جنيه مصري، موضحاً أن هذه الأمور مما يؤخر مصر، وهو ما ينافي ما أوصى به السيسي في خطابه.

ولسنا مختلفين مع الممثل شريف منير أن السعر الذي جلدته به الجهات المسؤولة تئن منه النفوس، وتخر له الجيوب، ذاهلة لا تطيق كلاماً.

غير أننا نذهل ذهولاً أكبر حين نجد الفنان المصري يغض الطرف عن وضع بلد بأكمله، يستباح من أقصاه إلى أقصاه، بذرائع واهية، تحت لواء بناء الوطن، والرفع من شأنه، ومحاربة الإرهاب.

وتزيد دهشتنا اتساعاً حتى تضيق بها الأرض بما رحبت، عندما نجد الفنانين والأدباء، إلا من رحم ربي، يهللون لقائد الانقلاب، ويحرقون البخور تقديساً لشخصه، ويخلعون على حضرته ألقاب التشريف والتكريم إلى حد التأليه.

يقال إن الفنان مرهف الإحساس، يأتيه الإلهام من هنا أو هناك، حتى ادعت العرب أن لكل شاعر شيطانه الذي يقذف في روعه سحر الكلام، فيصوغه الشاعر كلاماً أخاذاً يلوي الأعناق، ويستميل القلوب.

فما بال هذا الإحساس المرهف لم يستهجن بحار الدماء التي سالت على يد المجرمين؟ وما بال تلك العيون التي تتلألأ حنيناً وعشقاً ورقّة في الأفلام الرومانسية، والمسلسلات الدرامية، لم يجد الدمع طريقاً إليها، وهي تسمع حشرجة الأمهات اللائي يبكين فلذات أكبادهن الموزعة بين ظلمة السجن ودجى القبر؟

إنه الانحطاط بكل معانيه، الموت الحضاري التام، السكون الثقافي المخيف، وحده يفسر كيف تبكي القلوب على فاتورة غاز مرتفعة، ولا تجد حرجاً في رؤية ظلم يمشي على قدميه، يكاد يسد عين الشمس.

avata
avata
عبدالرحيم يجو (المغرب)
عبدالرحيم يجو (المغرب)