15 مايو 2024
الفلوجة بين التحرير والتنكيل
لم يبق للحكومة العراقية شيء تقوله، بعد تصريحات غير رسمية تؤكد (أو تنفي) الدور الإيراني في المعارك التي جرت وتجري في المناطق السنيّة في العراق منذ ما يقرب السنتين، فقد خرج وزير الخارجية، إبراهيم الجعفري، لينهي، من عمّان، جدلاً واسعاً حول وجود الجنرال الإيراني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، قاسم سليماني، في العراق، مؤكداً عمله مستشاراً عسكرياً لدى حكومة بلاده.
تزامن هذا الاعتراف الرسمي العراقي مع تصاعد التنديد الدولي، ومن قبله العربي، بالتدخل الإيراني السافر وقيادة سليماني العمليات العسكرية لـ(تحرير) الفلوجة، وتذلل قيادات من الحشد الشعبي العراقي لوجوده، ضمن قاطع العمليات، مع وجود رئيس وزراء العراق والقائد العام للقوات المسلحة، حيدر العبادي، في مكان آخر من القاطع. لكن، بصلاحياتٍ أقل وأضعف على أرض الواقع العملياتي.
وفي اعتراف الحكومة العراقية بالدور الإيراني، ووجود قائد إيراني متهم دولياً بالإرهاب مستشاراً في مكتب رئيس وزراء العراق، دلالاتٌ كثيرةٌ وكبيرةٌ، أهمها، في ما يبدو، إعلان إيران طرفاً رئيسياً في تثبيت مشروع الدولة (الشيعية) المطلقة في العراق استغلالاً لموقف أميركي ضعيف أو متواطئ، وربما في توقيتٍ طالما اعتمدته إيران لفرض واقعٍ ما خلال الفترة الباردة لانتهاء ولاية أي رئيس أميركي، كما تعني، في ما تعنيه أيضاً، تثبيت مناطق نفوذها دولة إقليمية، في ظل نزوع إقليم كردستان إلى إعلان دولته بحدودٍ يبدو أنها لا تكون ضمن حدود الإقليم الحالية، وتغيّر متوقع للمناطق في العراق وسورية بعد تحرير الرقة والموصل.
موضوع (تحرير) مدينة الفلوجة والثقل الإيراني والمليشيات التابعة له في سير العمليات، وأسلوب القصف والاستخدام المفرط للقوة التدميرية، إضافة إلى عمليات قتل وتعذيب وتغييب ممنهجة تجاه المدنيين الفلوجيين الفارّين من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية، وقد أظهرت أفلام مسرّبة من داخل فصائل مليشيا الحشد الشعبي بعضاً من هذه العمليات، فيما نقلت وسائل إعلام وفضائيات عربية ودولية شهادات مئات من المدنيين المطلق سراحهم، وقد تعرّضوا للضرب والتعذيب والطعن بالسكاكين، ما أفضى إلى كسور وجراح وإصابات خطيرة وحرجة. وروى الناجون في إفاداتهم قصصاً تدلّ بشكل قاطع على منهجية استهداف وترهيب (السنّة) العرب بالاسم، لغرض إذلالهم، ودفع الناجون منهم للخلاص بالهجرة إلى خارج العراق أو إلى إقليم كردستان.
كان دور الحكومة العراقية، ممثلة برئيس وزرائها، حيدر العبادي، وما زال، هشاً، وربما
متواطئاً مع هذا التوجه؛ فهو، وبعد أن فضح الإعلام العربي والدولي جرائم الحشد الشعبي تجاه مدنيي الفلوجة، أوصى بتشكيل لجنةٍ معنيةٍ بحقوق الإنسان، وكلف لجنةً أخرى بالتحقيق في هذه التجاوزات. وفي هذه التوصية ذرٌّ للرماد في عيون المجتمع الدولي الذي يطالبه بموقف رسمي ومسؤول من تجاوزات مليشيا الحشد الشعبي تجاه (السنّة) العرب، في جميع مناطق التماس أو القتال، وقد يكون أسلوب العبادي الموجّه (بحسب مراقبين كثيرين) إيرانياً، كسباً للوقت، قبل أن يتحرّك الضمير العالمي تجاه جرائم كبيرة، تجاوزت، في بشاعتها، ما كان من ترويع في أساليب التعذيب والقتل في القرون الوسطى.
صحف ووكالات عالمية مهمة، مثل "واشنطن بوست" و"بي بي سي" و"الغارديان" و"الجزيرة" وغيرها، باتت اليوم تكشف أخبار ازدياد وتيرة الأعمال الانتقامية البشعة ضد المدنيين من أبناء الفلوجة، أو النواحي المحيطة بها، سواء بالقصف العشوائي المكثف على المدينة، أو في إعدام مليشيا الحشد الشعبي عشراتٍ، وربما مئات (لا يوجد إحصاء معتمد) من المدنيين، والتخلص من جثثهم بإلقائها في نهر الفرات وأنهار أخرى صغيرة في الصقلاوية والكرمة وغيرها. كما ركّزت بعض وسائل الإعلام، ومصادر عشائرية عراقية، على تعمّد المليشيا العراقية السائرة في ركب المشروع الإيراني، إهانة الرجال من كبار السن بشكل كبير، وهو ما يشكّل عقدة كرامة كبيرة لهم، ولأبنائهم، ويكسر هيبتهم أمام عشائرهم.
المخيف في ملف الفلوجة، الآن، هو أن المعركة الحقيقية لم تحسم بعد، وأن هناك أكثر من 50 ألف مدني داخل مركز المدينة، كان أغلبهم يحاولون الفرار منها، أو بالأحرى الخلاص من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). لكن، وبعد انكشاف الدور الانتقامي الطائفي لمليشيا الحشد الشعبي ضد من سبقوهم بالفرار من قبضة التنظيم، سيجعلهم يغضون النظر عن موضوع الفرار؛ وقد يكون هذا أحد أهداف الرسائل المتعمدة للحشد من خلال تصوير مشاهد القتل والتعذيب والتنكيل والإذلال للرجال والنساء من أبناء هذه المدينة الباسلة وتسريبها.
بالعودة إلى قول الجعفري إنه ليس مستغرباً أن يظهر سليماني في جبهات القتال، وآخرها في الفلوجة، وقوله إن عناصر تنظيم داعش الموجودين في العراق قدموا من نحو مائة دولة، يكون وزير خارجية العراق قد وضع العراق، دولة وحكومة، في زاوية المقارنة مع تنظيم (إرهابي)، هو تنظيم الدولة الإسلامية. ما يعني أن العراق لم يكفهِ أن تكون معظم دول العالم الغربي والشرقي، والكثير من الدول المجاملة للدول العظمى، مشاركة في تحالف دولي لقتال هذا التنظيم على أرض العراق، وأن وجود إيران في هذا الصراع بشخص قاسم سليماني، وكثيرين من قادة صنوف الجيش الإيراني، هو الأهم في حسم هذا الصراع (بحسب إبراهيم الجعفري).
ما زال الموقف العربي بعيداً جداً عن الخطى المتسارعة للإيرانيين في بسط هيمنتهم على العراق، وما زالوا ينظرون لموضوع (سنّة) العراق بزوايا معتمة آنية، بعيدة جداً عن مفهوم وعلم المستقبليات للعراق ولهم، المستقبل الذي سيفضي، بشكل قاطع، إن بقيت الأمور على هذا المستوى الممنهج من التدمير والتهجير والتنكيل، إلى سقوط (وأفول) خط الصد الأول والرئيس للمشروع الإيراني الكبير لعموم المنطقة، من محيطها الأطلسي وحتى خليج عُمان.
تزامن هذا الاعتراف الرسمي العراقي مع تصاعد التنديد الدولي، ومن قبله العربي، بالتدخل الإيراني السافر وقيادة سليماني العمليات العسكرية لـ(تحرير) الفلوجة، وتذلل قيادات من الحشد الشعبي العراقي لوجوده، ضمن قاطع العمليات، مع وجود رئيس وزراء العراق والقائد العام للقوات المسلحة، حيدر العبادي، في مكان آخر من القاطع. لكن، بصلاحياتٍ أقل وأضعف على أرض الواقع العملياتي.
وفي اعتراف الحكومة العراقية بالدور الإيراني، ووجود قائد إيراني متهم دولياً بالإرهاب مستشاراً في مكتب رئيس وزراء العراق، دلالاتٌ كثيرةٌ وكبيرةٌ، أهمها، في ما يبدو، إعلان إيران طرفاً رئيسياً في تثبيت مشروع الدولة (الشيعية) المطلقة في العراق استغلالاً لموقف أميركي ضعيف أو متواطئ، وربما في توقيتٍ طالما اعتمدته إيران لفرض واقعٍ ما خلال الفترة الباردة لانتهاء ولاية أي رئيس أميركي، كما تعني، في ما تعنيه أيضاً، تثبيت مناطق نفوذها دولة إقليمية، في ظل نزوع إقليم كردستان إلى إعلان دولته بحدودٍ يبدو أنها لا تكون ضمن حدود الإقليم الحالية، وتغيّر متوقع للمناطق في العراق وسورية بعد تحرير الرقة والموصل.
موضوع (تحرير) مدينة الفلوجة والثقل الإيراني والمليشيات التابعة له في سير العمليات، وأسلوب القصف والاستخدام المفرط للقوة التدميرية، إضافة إلى عمليات قتل وتعذيب وتغييب ممنهجة تجاه المدنيين الفلوجيين الفارّين من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية، وقد أظهرت أفلام مسرّبة من داخل فصائل مليشيا الحشد الشعبي بعضاً من هذه العمليات، فيما نقلت وسائل إعلام وفضائيات عربية ودولية شهادات مئات من المدنيين المطلق سراحهم، وقد تعرّضوا للضرب والتعذيب والطعن بالسكاكين، ما أفضى إلى كسور وجراح وإصابات خطيرة وحرجة. وروى الناجون في إفاداتهم قصصاً تدلّ بشكل قاطع على منهجية استهداف وترهيب (السنّة) العرب بالاسم، لغرض إذلالهم، ودفع الناجون منهم للخلاص بالهجرة إلى خارج العراق أو إلى إقليم كردستان.
كان دور الحكومة العراقية، ممثلة برئيس وزرائها، حيدر العبادي، وما زال، هشاً، وربما
صحف ووكالات عالمية مهمة، مثل "واشنطن بوست" و"بي بي سي" و"الغارديان" و"الجزيرة" وغيرها، باتت اليوم تكشف أخبار ازدياد وتيرة الأعمال الانتقامية البشعة ضد المدنيين من أبناء الفلوجة، أو النواحي المحيطة بها، سواء بالقصف العشوائي المكثف على المدينة، أو في إعدام مليشيا الحشد الشعبي عشراتٍ، وربما مئات (لا يوجد إحصاء معتمد) من المدنيين، والتخلص من جثثهم بإلقائها في نهر الفرات وأنهار أخرى صغيرة في الصقلاوية والكرمة وغيرها. كما ركّزت بعض وسائل الإعلام، ومصادر عشائرية عراقية، على تعمّد المليشيا العراقية السائرة في ركب المشروع الإيراني، إهانة الرجال من كبار السن بشكل كبير، وهو ما يشكّل عقدة كرامة كبيرة لهم، ولأبنائهم، ويكسر هيبتهم أمام عشائرهم.
المخيف في ملف الفلوجة، الآن، هو أن المعركة الحقيقية لم تحسم بعد، وأن هناك أكثر من 50 ألف مدني داخل مركز المدينة، كان أغلبهم يحاولون الفرار منها، أو بالأحرى الخلاص من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). لكن، وبعد انكشاف الدور الانتقامي الطائفي لمليشيا الحشد الشعبي ضد من سبقوهم بالفرار من قبضة التنظيم، سيجعلهم يغضون النظر عن موضوع الفرار؛ وقد يكون هذا أحد أهداف الرسائل المتعمدة للحشد من خلال تصوير مشاهد القتل والتعذيب والتنكيل والإذلال للرجال والنساء من أبناء هذه المدينة الباسلة وتسريبها.
بالعودة إلى قول الجعفري إنه ليس مستغرباً أن يظهر سليماني في جبهات القتال، وآخرها في الفلوجة، وقوله إن عناصر تنظيم داعش الموجودين في العراق قدموا من نحو مائة دولة، يكون وزير خارجية العراق قد وضع العراق، دولة وحكومة، في زاوية المقارنة مع تنظيم (إرهابي)، هو تنظيم الدولة الإسلامية. ما يعني أن العراق لم يكفهِ أن تكون معظم دول العالم الغربي والشرقي، والكثير من الدول المجاملة للدول العظمى، مشاركة في تحالف دولي لقتال هذا التنظيم على أرض العراق، وأن وجود إيران في هذا الصراع بشخص قاسم سليماني، وكثيرين من قادة صنوف الجيش الإيراني، هو الأهم في حسم هذا الصراع (بحسب إبراهيم الجعفري).
ما زال الموقف العربي بعيداً جداً عن الخطى المتسارعة للإيرانيين في بسط هيمنتهم على العراق، وما زالوا ينظرون لموضوع (سنّة) العراق بزوايا معتمة آنية، بعيدة جداً عن مفهوم وعلم المستقبليات للعراق ولهم، المستقبل الذي سيفضي، بشكل قاطع، إن بقيت الأمور على هذا المستوى الممنهج من التدمير والتهجير والتنكيل، إلى سقوط (وأفول) خط الصد الأول والرئيس للمشروع الإيراني الكبير لعموم المنطقة، من محيطها الأطلسي وحتى خليج عُمان.