ما زال الفلسطينيون يدفعون ثمن تبعات بروتوكول باريس الاقتصادي الموقع عام 1994، بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لتنظيم العلاقة الاقتصادية بينهما، وشمل شرطاً باعتبار عملة الشيكل الإسرائيلي العملة الرئيسية للفلسطينيين داخل الضفة الغربية وقطاع غزة.
ويجد الفلسطينيون أنفسهم، يدفعون ثمن تدهور عملة الاحتلال التي خسرت نحو 11.5% من قيمتها أمام الدولار، خلال الشهور الخمسة الأخيرة، فقد زاد سعر العملة الأميركية من 3.4 شيكل إلى 3.84 شيكل، ما أدى إلى زيادة أسعار السلع المستوردة من الخارج، كالسلع الغذائية والأدوات الكهربائية والسيارات والحبوب.
وبحسب بنود بروتوكول باريس الاقتصادي، "سيكون الشيكل الإسرائيلي العملة الرئيسية المتداولة في المناطق (السلطة الفلسطينية) وسيستخدم بشكل قانوني، كوسيلة للدفع لكل الأغراض بما فيها الصفقات المالية الرسمية.
وقال مدير السياسات الإحصائية في وزارة الاقتصاد الوطني بحكومة التوافق، عزمي عبد الرحمن، لـ "العربي الجديد"، إن أسعار المستهلك في الأراضي الفلسطينية، هي مستوردة في غالبيتها، ومرتبطة بشكل أساسي بأسعار المستهلك في إسرائيل.
وأضاف، أن مئات الأصناف من السلع تعرضت أسعارها إلى الارتفاع لأسباب مرتبطة بتراجع الشيكل أمام الدولار، ما رفع من قيمة الواردات، "بينما سيكون المستهلك هو من يتحمل هذا الارتفاع".
وأوضحت أرقام صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أن نسبة التضخم في فلسطين (الضفة الغربية وقطاع غزة)، بلغت 44% خلال السنوات العشر الأخيرة ( 2004 - 2013 ).
وحسب عبد الرحمن فإن واحداً من الأسباب الأساسية لارتفاع أسعار المستهلك هو ارتفاع الدولار أمام الشيكل، إضافة لأسباب أخرى مرتبطة بارتفاع أسعار سلة المستهلك العالمية.
وارتفعت أسعار السيارات والشقق في الأراضي الفلسطينية، بنسبة 11%، خلال الشهور الخمسة الماضية، بسبب انهيار قيمة الشيكل.
وقال المقاول الفلسطيني ربحي الحجة إن سعر الشقة ارتفع بمتوسط 10 آلاف دولار منذ يونيو/حزيران الماضي حتى اليوم، بسبب تدهور قيمة الشيكل وارتفاع الدولار.
وأضاف لـ "العربي الجديد"، الشقة التي كان يبلغ ثمنها 100 ألف دولار (340 ألف شيكل) قبل عدة شهور، فإن سعرها اليوم يتجاوز (384 ألف شيكل)، أي أن هنالك ارتفاعا بنحو 44 ألف شيكل (11.5 ألف دولار).
وتابع،"لا نملك عملة وطنية، حتى نستطيع السيطرة على أسعار العقار وبقية السلع المستوردة، نحن مرتبطون بشكل مباشر مع مصرف إسرائيل المركزي، العاجز في الوقت الحالي عن إيجاد حلول عملية لتقوية الشيكل أمام الدولار".
وتُباع الشقق والعقارات والسيارات في الأراضي الفلسطينية، بالدولار أو الدينار الأردني، لأنها بحسب مقاولين، أكثر ثباتاً من الشيكل، الذي يتعرض باستمرار إلى ارتفاعات وهبوط على مدار العام بسبب الأحداث الأمنية الداخلية وفي دول الطوق.
وقال المواطن نور القاسم، من مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، "إن أسعار السلع بدأت تشتعل بسبب تراجع قيمة الشيكل أمام الدولار، هناك ارتفاعات في بعض المواد الغذائية المستوردة، والأثاث والأدوات الكهربائية".
وأضاف، "مضطراً، دفعت زيادة في أجرة البيت التي أسددها بالعملة الأميركية حسب الاتفاق مع المالك (500 دولار)، لأن سعر الشيكل تراجع في خمسة شهور، ليكلفني مبلغ 225 شيكلاً إضافية".
وبحسب أرقام سلطة النقد الفلسطينية، يبلغ إجمالي ودائع الفلسطينيين بالعملة الإسرائيلية نحو 10.3 مليار شيكل (2.716 مليار دولار)، بينما تبلغ ودائع العملاء بالدولار نحو 3.481 مليار دولار، وبالدينار الأردني نحو 1.630 مليار دينار أردني (2.33 مليار دولار)، ونحو 300 مليون دولار بعملات أخرى.
وكان محافظ سلطة النقد الفلسطينية د. جهاد الوزير، أكد لـ "العربي الجديد" في تصريحات سابقة أنه رغم أن العملة الوطنية تعتبر أحد رموز الاستقلال الاقتصادي والسياسي، إلا أنها ليست مجرد مسألة عاطفية، نظراً لكبر حجم المخاطر التي قد تلحق بالمجتمع الفلسطيني فيما لو تم إصدارها دون الإعداد اللازم لها.
وأضاف، "على الجانب الاقتصادي تستلزم ضرورة تحقيق التوازن والاستقرار والاستدامة في المالية العامة للسلطة الفلسطينية، والاعتماد على القدرات الذاتية للاقتصاد من أجل ضمان استقلالية ونجاح السياسة الاقتصادية بشكلٍ عام، وضبط أوضاع ميزان المدفوعات، خاصة الميزان التجاري الذي يعاني من عجز هيكلي مزمن بسبب تشوه هيكل إنتاج الاقتصاد الوطني ومحدودية طاقته وقدراته".
واعتبر أن عدم سيطرة السلطة الفلسطينية على المعابر الدولية، وكذلك عدم حرية التنقل بين غزة والضفة تجعل من إمكانية إصدار عملة وطنية أمرا غير قابل للتحقق في الوقت الحالي، وبالتالي وحسب المحللين، سيظل الفلسطينيون أسرى لعملة الاحتلال.